يهدف علم الأحياء الدقيقة في التربة إلى الكشف عن التحولات المرتبطة بنشاطات هذه الأحياء ونتائجها المتبادلة من جهة، وإلى دراسة تأثيراتها في النباتات والوسط الذي تعيش فيه من جهة أخرى.

حيث إن التربة تحتوي على أعداد كبيرة من الكائنات الحية المتباينة في حجمها الذي يراوح بين خلايا مجهرية مفردة يقل قطرها عن ميكرون واحد، وحيوانات صغيرة، كما تختلف هذه الأحياء في أشكالها وأنواعها وتبعيتها التصنيفية، ويحوي المتر المكعب الواحد من تربة خصبة نحو 1210 كائن حي، فإن الأمر مهم جداً نحو مزيد من الدراسات والاكتشافات وخاصة تلك التي تهتم بكيفية تحويل هذه الكائنات الدقيقة إلى مواد نافعة في زيادة المنتجات الزراعية بكافة أنواعها.

يقول الدكتور أحمد مهنا أستاذ في كلية الزراعة بجامعة دمشق وخبير في مجال وقاية النبات في منظمة إكساد، إن مكافحة الأمراض بالمبيدات أعطت نجاحاً ضعيفاً على مدى الزمن، وأدت إلى ظهور خطر المقاومة ضد المبيدات الكيميائية. لذا كان لابد من وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الأمراض باستخدام القدرات الذاتية للنبات. فكان هذا الموضوع البالغة الأهمية في الزراعة هو استخدام الكائنات الحية الدقيقة بهدف تحسين نمو وإنتاجية ومقاومة النباتات حيث ازداد وبشكل كبير استخدام سلالات بكتيرية pgpr وحديثاً فطرية pgpf من أجل الزراعة المستدامة في إجزاء مختلفة من العالم.

وأكد من خلال هذه الدراسة على أن هناك زيادة كبيرة في المقاومة للأمراض وفي إنتاجية المحاصيل المهمة كاستجابة للتلقيح بعض الأجناس البكتيرية والفطرية الساكنة للتربة. فالعمل الذي يقومون به يهدف إلى تحسين قدرة النبات على المناعة الذاتية عن طريق التحريض واستخدام أنواع مختلفة من الكائنات الدقيقة التي تتبع لأجناس بكتيرية فطرية.

تجارب مثبتة

بيّن الباحث مهنا أن التجارب المخبرية أثبتت أن هذه الفطور المستخدمة ذات قدرة عالية على كبح نمو الفطريات وإصابة النبات، وهذا الكبح ناتج عن إفراز هذه البكتريا العديد من الهرمونات والمواد التي تمنع تقدم الكائنات الضارة التي قد تكون فطوراً أو بكتريا أو فيروساً. كما أن هذه الكائنات الدقيقة تبين أنها تعلب دوراً إيجابياً كبيراً في تحسين خصوبة التربة. وعليه تركز العمل على تحليل التربة بعدة تجارب وتبين أن هناك زيادة في البوتاسيوم بمعدل 150% والفسفور وصل إلى 100% وكذلك الأزوت، وهذا له دور في إنتاجية المحاصيل حيث تكون التربة أكثر خصوبة. ونوه إلى أن ذلك يفيد ويصلح لكل أنواع المزروعات بعد أن كشفت التجارب أهمية هذه الكائنات الدقيقة في زيادة نمو النبات. فعلى سبيل المثال في أحد حقول الحمص أصيب جزء كبير من الحقل بمرض الذبول بينما حافظ الجزء الصغير الذي طبقت عليه تجربة معالجته بالكائنات الدقيقة على نموه وإنتاجه.

تعميم التجربة

لا تتوقف الفائدة من هذه الكائنات الدقيقة عند هذا الحد، فقد كشفت الدراسات بأنها تزيد من مقاومة النبات على تحمل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، حيث كانت التجارب الأولى وفقاً للباحث أحمد مهنا في منطقة بانياس ومنطقة الغاب وفي إزرع بدرعا وحققت نجاحاً كبيراً، وعليه سيتم تعميم التجربة في هذا العام لتشمل مناطق ومواقع عديدة في المحافظات السورية وبمساحات أكبر.

وحول توفرها يبين الدكتور مهنا أنهم عملوا على أخذها من التربة وتصفيتها، والبعض منها تم استحضاره من الدول الأخرى وتمت معالجته. ولفت إلى أهمية تعميم التجربة في ظل ظروف تحسين تقديم الخدمة للمزارعين من خلال تطبيق المقترح الذي أثبتت التجارب فعاليته بشكل أسرع وهو تغليف البذرة بهذه الكائنات بدلاً من وضعها في التربة لتصبح جاهزة مع أي نوع من أنواع البذار، بحيث يتم تكثيف الفائدة، إضافة لما يحققه ذلك من تخفيف في كمية السماد والأدوية والري، لأن هذه الكائنات تعطي غذاء ورطوبة ومعالجة للمشكلات التي قد يعاني منها النبات.