تحتل خميرة الخبز الأسمى الأكثر شيوعاً بين مئات الخمائر في العالم لكونها تستخدم لصنع الخبز والحلويات. ومع أن هناك طرقاً متعددة لإنتاج الخميرة واستخدامها في المخابز، فما زالت الدراسات العلمية مستمرة في البحث عن الطرق الأسهل في الحصول على خميرة الخباز والتي غالباً ما تستخرج من أنواع من النباتات.

كانت خميرة الخبز تصنع في سورية بالاعتماد على الشوندر السكري، وحيث إن السنوات الأخيرة حملت عزوفاً من المزارعين عن زراعة هذا النبات وقد توقفت صناعة السكر وبالتالي توقفت صناعة الخميرة، فلم يعد هناك صناعة سكر ولا صناعة خميرة في القطاعين العام والخاص، وعليه أصبح الاعتماد الأساسي اليوم للحصول على هذه الخميرة هو استيراد مخلفات صناعة السكر من الدول الأخرى.

الحل البحثي الأكاديمي

نظراً لما تقدم يمكن الإشارة إلى الحل البحثي الأكاديمي في إيجاد بدائل عن محصول الشوندر السكري واستثمار عصارته لاستثمار خميرة الخبز، والتي هي القوت اليومي للمواطن في سورية، وعليه يقول الدكتور رحيل أبو الجدايل أستاذ في كلية الهندسة الزراعية بجامعة حماة: بدأنا في الهيئة العامة للتقانة الحيوية منذ عام 2015 بسلسلة من عدة حلقات من البحوث، وكان البحث الأول هو إدخال عدة أصناف من نبات الذرة البيضاء السكرية وزراعته في سورية ودراسة انتخاب صنف متفوق موفر من الناحية المُغلة للإنتاج وكيمائياً، وقد خلص هذا الجزء من البحث إلى انتخاب الصنف h30 الذي يتحمل ظروف الجفاف في سورية، إذ إن احتياجه المائي ثلث احتياج الشوندر السكري، فهو يحتاج 4 آلاف متر مكعب على الهكتار فقط وذو غلة أو كتلة حيوية خضراء عالية، وذو سوق خضرية وصل ارتفاعها لأكثر من 5 أمتار وذو نسبة عصارة سكرية قابلة للتخمير لكونها غنية بسكر الغلوكوز بنسبة عالية أكثر من 65% من وزن الساق.

الكركم

نتائج علمية مبهرة

يبين أبو الجدايل أنه في الحلقة الأخرى من البحوث توجهوا لتنفيذ بحوث لاستثمار هذه العصارة واستغلالها لإنتاج مواد تخدم الإنسان، فكان التركيز في الحلقة الثانية من البحث على استخدام هذه العصارة في إنتاج الكحول الطبي، فقد خلصت نتائج هذا البحث إلى تفوق خلاصة عصارة الذرة السكرية بمقدار الضعف عن الشوندر السكري لإنتاج الكحول الطبي، والحلقة الثالثة للبحوث كانت لاستخدام عصارة الذرة السكرية لإنتاج خميرة الخبز، فكانت النتيجة المذهلة بتفوق عصارة الذرة البيضاء السكري بضعفين أو ثلاثة أضعاف عن ملس الشوندر السكري الذي كان يخرج من صناعة السكر، إضافة إلى ذلك أنه لا يحتاج إلى إضافات من مواد كيميائية لتحسين إنتاجه حيث ارتفع الإنتاج من 203غ على اللتر إلى 6.9 غرم على اللتر، أي ما يعادل ضعفي الكمية وأكثر.

بعد الانتهاء من تنفيذ البحوث على مستوى المخمر المخبري، تم الانتقال إلى مرحلة نقل هذا البحث من المخبر إلى المستوى الزراعي لمساحات كبيرة وإلى مستوى الحجوم الصناعية في المصانع. يوضح الباحث: أنهم توجهوا إلى معمل خميرة حمص في شركة سكر حمص وتم عرض المشروع عليهم. وخاصة أن هناك إشكالية تتعلق باستيراد هذا الكائن الحي الذي يسمى ( الملس) بمئات الملايين من العملة الصعبة مع أننا نمتلك أسباب صناعة مادة الخميرة من الذرة البيضاء السكرية، ولا نحتاج إلى تكنولوجيا متطورة للحصول عليها وخاصة أننا نستورد مخلفات صناعة السكر من الدول الأخرى.

الحل البديل

كان الحل البديل وفقاً للدكتور رحيل أبو الجدايل هو إدخال زراعة نبات الذرة البيضاء السكرية واستثمار عصارته لإنتاج خميرة الخبز والكحول الطبي معاً من خلال البحث الذي تقدم به للحصول على الدعم المالي، وخاصة أن البحث حصل على مؤشرات الإنتاج من الحقل والمعمل على المستوى الصناعي والحجوم بالمساحات الكبيرة. وخلص إلى تقديم هذا النبات إلى وزارتي الصناعة والزراعة لاعتماده وتبنيه عوضاً عن الاستيراد. إضافة إلى وجود هدف آخر مهم، وهو أن معمل الخميرة في حمص يعمل بإنتاج منخفض ليس فقط بسبب النوع الرديء للملس المستورد، وإنما لعدم وجود أتمتة ضبط الشروط المثلى للإنتاج. وعليه فإن البحث يهدف إلى حل موضوع الأتمتة وزيادة الإنتاجية في المعمل والمردود والكمية المنتجة لسد متطلبات السوق من الخميرة التي لها احتياج يومي في سورية، ولتقليل الاستيراد الذي يكلف أموال طائلة.