لا شك أن الطفل الفاقد للسمع سيكون طفلاً فاقداً للكلامِ أيضاً، ولن يستطيع التواصل أو التفاعل مع محيطه، ولن يكون قادراً على التعلم أو التطور. وهو في الوقت ذاته سيشكل عبئاً على ذويه ومجتمعه دون ذنب منه، وعليه فإن الكشف المبكر عن هذا المرض يكون في غاية الأهمية وخاصة بعد أن أصبح ممكناً ومتاحاً ويحقق نتائج فعالة إلى حد كبير إذا تم التدخل في الوقت المناسب.

إن التطور العلمي الكبير الذي تحقق عالمياً في الكشف عن نقص السمع من اللحظات الأولى لولادة الطفل في ظل المعايير المتطورة بحيث أصبحت الوقاية اليوم والكشف المبكر عن الأمراض، هو المعيار الأهم والأكثر تفوقاً على العلاج والعناية الطبية اللاحقة.

الهيكلية والمسؤولية

انطلاقاً من مسؤولية الأهل والمؤسسات المعنية والمجتمع ومروراً ببروتوكولات تشخيص الحالة في مراحلها المبكرة، وصولاً إلى المعالجة التخصصية، تتشكل روح البرنامج الوطني للكشف والتدخل المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة في سورية، والذي يأتي اليوم ضمن هيكلية منظمة لمديرية الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة دائرة صحة الطفل والمراهقين برنامج رعاية الوليد. في هذه العيادات والتي وصل عددها بعد إطلاق البرنامج إلى 48 عيادة على مستوى الجغرافيا السورية، تجرى الاختبارات الآمنة والمجانية لجميع الأطفال حديثي الولادة وفقاً للدكتورة منال إبراهيم الحمد مديرة البرنامج في وزارة الصحة، حيث تُقدم الخدمات إضافة إلى التحري عن قصور الدرق وعن خلع الورك التطوري والمنعكس الأحمر.

نقص السمع

وبينت الدكتورة الحمد أن هناك أعمالاً متنوعة تقدم للوليد من مرحلة التسجيل والفحص الكامل وكشف وتشخيص الأمراض والتشوهات الولادية المرافقة للوليد وتسجيلها وصولاً إلى كشف حالات نقص السمع وإجراء المسح السمعي للوليد وأمراض العين وحالات نقص الرؤية الولادية وحالات قصور الدرق وتشخيص حالات خلع الورك الولادي التطوري. مشيرة إلى تطور العمل في هذه العيادة والتوسع بها بعد أن كانت 6 عيادات فقط أصبحت 16 عيادة في عام 2018 وصولاً إلى الرقم الحالي، تقدم اختبار البث الصوتي وتحري خلع الورك الولادي والمنعكس الأحمر واختبار tsh وكشف التشوهات الولادية لدى بعض هذه العيادات وخاصة أنها موزعة في جميع مشافي التوليد العامة في سورية.

انطلاقة جديدة

في شهر تشرين الثاني من عام 2021 بالتعاون مع منظمة آمال تمت إعادة تدريب العناصر الطبية العاملة في مراكز المسح السمعي في عيادات الوليد في محافظات القطر على بروتوكولات وسجلات البرنامج بشكلها الجديد على مرحلتين بالتعاون مع منظمة آمال، الأولى كانت في دمشق وفي ضاحية قدسيا والسويداء وخان أرنبة بالقنيطرة ومشفى القامشلي بالحسكة ومركز الضاحية في دير الزور. والمرحلة الثانية من التدريب كانت في اللاذقية في شهر كانون الأول لعام 2021 في مشفى التوليد والأطفال وفي مركز الرمل بطرطوس وفي مجمع الأسد الطبي في حماة وفي مركز الجمعيات في حلب. ولفتت مديرة البرنامج أنه بتاريخ 7 نيسان 2022 تم تدريب مراكز صحية في دمشق وهي زهير حبي ودمر البلد والدويلعة والأشمر ومركز الزاهرة للهلال الأحمر، وتم تدريب عناصر مركز صلاح الدين من حلب، والثاني كان بتاريخ 28 تموز لعام 2022 لمراكز أخرى في عدد من المحافظات. ونظراً لهذه الانطلاقة كان هناك حراك ملموس من حيث نشر رسائل التوعية حول حاسة السمع ودورها الحيوي في اكتساب الكلام واللغة وفي التطور الروحي الحراكي للطفل وحتى في معدل ذكائه وفي أدائه الأكاديمي. مشيرة إلى أن معدل انتشار نقص السمع الخلقي عالمياً يقدر من 1 حتى 4 حالات لكل 1000 ولادة حية حيث يختلف هذا المعدل وفقاً لعدة أمور منها معايير المسح السمعي المستخدمة والعوامل الوراثية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية ونوعية الخدمات الطبية المقدمة عند الولادة

عوامل الخطورة

الحديث عن عوامل الخطورة يرتبط أولاً بقصة عائلية لنقص السمع ووزن ولادة أقل من 1500 غرم، ونقاط أبغار والخداج ويرقان ولادي أو ارتفاع البيليروبين أكثر من 20 مغ/دل وتنافر الزمر الدموية المسببة لانحلال دم الوليد وإنتانات بعد الولادة مثل التهاب السحايا الجرثومي أو الفيروسي، ونقص أكسجة ولادية أو زرقة، والحاجة إلى تهوية آلية وتشوهات وجهية قحفية ورضوض الرأس، وإصابة الأم بأمراض أثناء الحمل مثل الحصبة الألمانية وداء السكري عند الحامل وتأخر تطور روحي حركي، وقصور الغدد الدرقية والترفع الحروري والإصابة بالأمراض العصبية التنكسية.

البث الصوتي

ما هو البث الصوتي الأذني؟ بالتأكيد لا يقصد هنا بث لأنواع من الأغاني بل هو التقاط الأصوات من مجرى السمع الظاهر بسبب أن الخلايا المشعرة الخارجية تصغر وتكبر بالحجم، ما يؤدي إلى تحريك السائل الصوتي للأذن الوسطى ثم مجرى السمع الظاهر وهي متطلبات اختبار البث الصوتي لدى المولود، وبالتالي وبحسب مديرة البرنامج، فإن البث الصوتي يكون من القوقعة ولا علاقة له بإصابات خلف القوقعة. مبينة أن اختبار البث الصوتي الآني أو الفحص يتطلب أن يكون مجرى السمع ظاهر سليم، وهدوء وعدم حركة المريض، وأن يكون رأس الجهاز مطاطياً مناسباً للأذن مع وضعه بشكل محكم لكي يتم الحصول على نتائج صحيحة وليست سلبية أو كاذبة. وعليه فإن وجود صملاخ في الأذن يؤدي إلى سد البروب، وحركة رأس المريض أو الضجيج المحيط به أو بكاء الطفل وعدم وضع البروب بطريقة محكمة أو توجيهه بطريقة خاطئة أو أن يكون حجم الرأس المطاطي غير مناسب لمجرى السمع، كل ذلك يعني إعادة الاختبار أكثر من مرة لأن النتائج غير صحيحة.

خلاصة عام 2022

بعد أشهر قليلة من معرفة الناس بروتوكولات فحص السمع والكشف المبكر كانت النتائج مختلفة. وبحسب إحصائيات مديرة البرنامج فإن عدد الأطفال المراجعين من عمر يوم حتى 3 أشهر 9659 وعدد الأطفال الذين اجتازوا في الزيارة الأولى والثانية الاختبار هو 8187 وعدد الأطفال الذين لم يجتازوا في الزيارة الثانية 111 وعدد الحالات 172.