يلخص مصطلح تشيخ السكان التحولات في التوزيع والتركيب العمري للسكان، ويعتبر أحد أعظم انتصارات الإنسانية وأعظم التحديات في السنوات الأخيرة مع مخاوف تصل إلى عشرين سنة قادمة. ومع اختلاف الآراء حول بدء مرحلة الشيخوخة ومتى يوصف الأشخاص بأنهم (مسنون أو كبار السن) فإنه عالمياً تم اعتبار عمر الـ 60 سنة هو البداية لهذه المرحلة. أما عوامل الخطورة فهي أن العالم يتجه نحو التشيخ، فهناك ارتفاع كبير في عملية تزيد نسبة الذين بلغوا الستين أو اجتازوا هذا العمر، الأمر الذي دفع غالبية الدول للبحث عن استراتيجيات داعمة للإنسان في هذه المرحلة العمرية وما قبلها لكي يصل إليها بأمان وصحة جيدة ومنها الاستراتيجية السورية التي تم إطلاقها مؤخراً.

تبين المؤشرات العالمية أن النسب المئوية للمسنين إلى الأطفال أقل من 15% من مجموع السكان، وقد شهد القرن العشرون إنجازاً رئيسياً من إنجازات البشرية بارتفاع متوسط العمر المتوقع في العديد من مناطق العالم، ورافقه انخفاض معدل الخصوبة مع توقع ارتفاع هذه المفارقة حتى عام 2050 وذلك نتيجة التحول الديموغرافي السريع للعالم. وفي سورية وفقاً للاستراتيجية الوطنية التي أعدتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان مع الشركاء المعنيين، هناك ارتفاع متزايد في أعداد ونسب كبار السن الذين كانوا يشكلون حوالي 7.2 في المائة من إجمالي السكان في عام 2015، أي ما يعادل 1.7 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 5.7 مليون في عام 2050 أي حوالي 13 في المائة من إجمالي السكان. تقول المهندسة سمر السباعي رئيسة الهيئة: من أبرز محاور الاستراتيجية الحماية الاجتماعية والأمن المالي والصحة الجسدية والعقلية والنفسية لكبار السن، إضافة إلى الرعاية الاجتماعية والوقاية من العنف والإساءة والإهمال والبيئة التمكينية لهم، وخاصة أن كبار السن في سورية عانوا كثيراً نتيجة الأزمات التي عصفت بالجمهورية العربية السورية خلال الأعوام الماضية، بما فيها جائحة كوفيد-19. مشيرة إلى أن الاستراتيجية تعكس التزام سورية ببناء بيئة داعمة لكبار السن تحترم خصوصيتهم واحتياجاتهم، وتتماشى مع المقاربات الحديثة لمختلف القضايا المتعلقة بالمسنين.

بناء الشراكات

لم تكن صياغة استراتيجية خاصة بكبار السن في سورية 2023 – 2030 بجهود فردية من قبل الهيئة، بل تمت مراجعة جميع بنودها بمشاركة ممثلين عن مختلف الوزارات والهيئات الحكومية المعنية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى خبراء الإسكو، وذلك بهدف تعزيز الصورة الإيجابية حول كبار السن ومكافحة جميع أشكال التمييز ضدهم وحمايتهم في حالة الأزمات وتطوير البيئات والدراسات حولهم، وتعزيز التنسيق العابر للقطاعات حول قضاياهم وبناء الشراكات بين مختلف الجهات المعنية والفاعلين حول قضايا كبار السن. وبالتالي هي وفقاً للمهندسة سباعي: تندرج في إطار الاستجابة لأولويات السكان واحتياجاتهم المستجدة عبر البرنامج الوطني التنموي لسورية ما بعد الحرب. ويعتبر أحد أهم محاورها المشاركة والتضامن بين الأجيال، والحماية الاجتماعية والأمن المالي والصحة الجسدية والعقلية والنفسية للمسنين وخلق بيئة داعمة لهم ورعاية مستمرة والتنسيق مع الشركاء.

دورة الحياة

الرؤية التي تحدث عنها مدير السكان بالهيئة وضاح الركاد هي مواجهة تحديات شيخوخة السكان واستثمار النتائج الإيجابية لها، تنطلق من بيئة حاضنة وداعمة تحفظ كرامة كبار السن وتستثمر طاقاتهم وتستفيد من خبراتهم. وذلك من خلال توفير الظروف المثلى لشيخوخة نشطة وصحية، فهي تستند في جميع مكوناتها إلى خمسة مبادئ توجيهية تتعلق بحقوق الإنسان ومنظور دورة الحياة والمساواة القائمة على النوع الاجتماعي والاستناد على الأدلة والشراكات. لافتاً إلى أنه تم إعداد مصفوفة البرامج والأنشطة الخاصة بالاستراتيجية بشكل منهجي يربط الإجراءات والبرامج مع بعضها البعض انطلاقاً من تحليل الواقع الراهن لكل مدخل. إذ إن الاستراتيجية تهدف إلى الإبقاء على كبار السن في محيطهم الطبيعي وتفعيل دورهم كمساهمين في مسيرة التنمية بما يتواءم مع الأطر الدولية ذات الصلة، وأبرزها خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة وأجندة التنمية المستدامة لعام 2023- 2030.