يعتبر إنتاج الإسمنت عملية ملوثة بشكل كبير للبيئة، وهو من أكثر الصناعات على المستوى العالمي التي تصدر كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. فمن المعروف أن الكربون الذي يتشكل في الجو هو نتيجة وسائط النقل ومصانع التعدين ومحطات توليد الكهرباء ومن معامل إنتاج الإسمنت التي لها الدور الأكبر في تراكم طبقات التلوث.

بدأ الكثير من العلماء مؤخراً بالبحث عن بدائل للإسمنت، أقل نشراً منه لغاز ثاني أوكسيد الكربون، وتستطيع القيام بدور الرابط للهيكل الحصوي، وتسمح بإنتاج بيتون بمقاومة ميكانيكية كتلك التي يكتسبها البيتون الإسمنتي. يقول الدكتور علي خيربيك أستاذ في كلية الهندسة المدنية بجامعة تشرين: عندما ظهرت تقنية البلمرة اللاعضوية Geopolymerization عام 1988 ساعدت على إنتاج عجينة رابطة تكافئ عجينة الإسمنت البورتلاندي وتعتمد في تركيبها وتفاعلاتها على مواد طبيعية أهمها: خبث الأفران العالية، الرماد المتطاير، هباب السيليس والغضار المرمد. ولفت إلى أن البوزولانا الطبيعية السورية إحدى الخامات المتوفرة بكثرة والتي لم يتم استثمارها إلى الآن بالشكل الأمثل، إذ اقتصر استخدامها كإضافة إلى الكلينكر عند صناعة الإسمنت بنسبة لا تتعدى الـ 20%.

وعليه كان هذا المشروع الذي قام به الدكتور علي خيربيك والذي يهتم بدراسة استخدام البوزولانا الطبيعية كمادة أساسية في تفاعلات البلمرة اللاعضوية بدلاً من المواد الأُخرى المستخدمة عالمياً (الرماد المتطاير، خبث الأفران العالية، الغضار المرمد) وذلك لإنتاج رابط جيوبوليميري جديد يسمح بإنتاج بيتون جيوبوليميري خال من الإسمنت، عن طريق بلمرة الجزيئات اللاعضوية الموجودة في المادة البوزولانية باستخدام محلول قلوي مصنع محلياً.

جدوى اقتصادية كبيرة

تشير الدراسات البحثية في هذا المجال إلى تفوق خصائص هذا البيتون المنتج على مثيلاتها من البيتون الإسمنتي، كما تشير نتائج التجارب الأولية التي قمنا بها في كلية الهندسة المدنية في جامعة تشرين على ملاءمة كبيرة لاستخدام البوزولانا الطبيعية في عملية البلمرة من خلال الحصول على بيتون جيوبوليميري بخصائص ميكانيكية وفيزيائية ممتازة.

سيحقق استخدام البوزولانا بدلاً من الإسمنت البورتلاندي وفراً اقتصادياً هاماً إذ سيتم فيه الاستغناء عن صهر الصخور للحصول على الكلينكر، مما سيمثل حماية لمصادر الطاقة، والحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون والاستفادة من مادة خام هي البوزولانا الطبيعية المتوفرة بكثرة في سوريا، والحصول على منتج عالي الكفاءة بديمومة كبيرة.

يبين الدكتور خيربيك أن النتائج الأولية مشجعة جداً، حيث تم التمكن مخبرياً من إنتاج بيتون جيوبوليميري ببنية عالية الاكتناز، ومقاومة ميكانيكية على الضغط البسيط تجاوزت 60 ميغا باسكال ولا يحوي في تركيبه على الاسمنت البورتلاندي. ويأمل من هذا الاكتشاف إحداث نقلة نوعية في عالم البيتون في سورية وإنتاج جبل جديد عالي الكفاءة وخال من الإسمنت، ويؤمن ريعية اقتصادية عالية.

كنز كبير

البديل الذي تحدث عنه الدكتور علي خيربيك في بحثه هو مادة البوزولانا الطبيعية الموجودة في سورية بكميات كبيرة جداً بحسب إحصائيات المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، فهناك حوالي 3 مليار طن احتياطي للبوزولانا وهي تكفي البلد لعشرات السنين، في حين نجد استثمارها لا يزال في أقل مرتبة، فهذا المنتج الطبيعي يستخدم حتى الآن بطرق تقليدية كحصى لصناعة البلوك، وهذا استخدام بخس جداً مقارنة بما يمكن الاستفادة منه. وخاصة بعد أن ثبتت من خلال هذه الأبحاث أنه يمكن إنتاج بيتون بمقاومات عالية قد تصل إلى 60 ميغا /باسكال خال من الإسمنت.

نتائج وتوقعات

هذا المشروع يحمل مستقبلاً واعداً في إمكانية استخدامه في الأبنية الكبيرة، فقد تمكن الباحث من الوصول إلى مقاومة 65 ميغ باسكال دون استخدام أي رابط إسمنتي وبمواد محلية 100% وعلى الرغم من الدراسات التي نفذت على البوزولانا باستخدامها أقل من كفاءتها بكثير، إلا أنها قدمت ميزة جيدة لصناعة البيتون الجيوبولوميريا مقارنة بالمواد المستخدمة عالمياً كالرماد المتطاير والغبار المرمد وهو غبار السيليس. فقد أكد خيربك أن البيتون الجيبولوميري لا يحتاج إلى حرارة عالية كما هو حال تصنيع الإسمنت، فهو لم يستخدم سوى 60 درجة مؤية لتصنيعه.

كنتيجة، فهو يقدم لهذا البحث تصاميم جاهزة وضبط تكنولوجيا تصنيع هذا البيتون مستقبلاً كبداية استثمار لهذه التكنولوجيا يمكن استخدامها في سورية كخطوة أولى في منتجات مسبقة الصنع والطلاء الجيبولوميري للمنشآت المشيدة من البيتون العادي للمحافظة عليها من عوامل الطبيعة، كما يمكن استخدامه في عوارض السكك الحديدية لأنها تحتاج إلى تصلب سريع ومقاومة عالية ويمكن استخدامه لصناعات الأنفاق التي تتعرض لعوامل التربة والرطوبة المختلفة وفي الجسور مسبقة الصنع وفي صناعة الأنابيب الخرسانية العادية المقاومة وفي صناعة وحدات الكساء.