لا يزال مرض السرطان أكثر الأمراض خطورة في حصد الكثير من الأرواح لما ينطوي عليه من نمو غير طبيعي للأنسجة التي تنقسم بشكل خارج عن السيطرة، وتنتشر في أي مكان تقريبًا في الجسم. ولا تزال الطرائق التقليدية هي المستخدمة لعلاجه "الاستئصال الجراحي والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي"، إلّا أنّ الآثار الجانبية الكثيرة لهذه الطرائق دفعت العلماء والباحثين مؤخرًا للبحث واكتشاف علاجات جديدة للسرطان.

هذا ما تناولته الدراسة المخبرية للنشاط المضاد للخلايا السرطانية من النوع Caco-2 لجسيمات الفضة النانوية الغروية المُصنّعة باستخدام مستخلص مائي من أوراق نبات اليوكاليبتوس والتي عمل علمت عليها الدكتورة رغد زين بإشراف الدكتور إبراهيم الغريبي ومجموعة من الأساتذة الجامعيين "شادي سكرية، علاء سلمان، وعبد الرحيم الأحمد" بكلية العلوم قسم الفيزياء بمخبر النانو.

الجسيمات السحرية

فتحت تقانة النانو الأبواب على طرائق ومواد جديدة مميزة وفريدة بخواصها، ومن هذه المواد جسيمات الفضة النانوية، التي شغلت الاهتمام على نطاق واسع في العديد من المجالات وخاصة المجالات الطبية والصحية، بسبب خصائصها الفريدة كمضاد للبكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات والخلايا السرطانية. تقول الدكتورة رغد زين "أُجري هذا البحث في كلية العلوم بجامعة دمشق وتضمن عرض طريقة صديقة للبيئة لتحضير جسيمات الفضة النانوية باستخدام مستخلص نباتي من أوراق نبات اليوكاليبتوس ودراسة تأثيرها المضاد للخلايا السرطانية من النوع Caco-2. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها في سورية من حيث طريقة التحضير المُستخدمة ودراسة تأثير الجسيمات النانوية على نوع من أنواع سرطان الكولون عند الانسان".

وبينت الباحثة أن تحضير جسيمات الفضة النانوية باستخدام المستخلصات النباتية طريقة سهلة ومنخفضة التكلفة ولا تتطلب شروطاً خاصة كما هو الحال في الطرائق الكيميائية أو الفيزيائية الأخرى ومناسبة للتطبيقات الطبية والصيدلانية.

لماذا نبات اليوكاليبتوس؟

تم اختيار نبات اليوكاليبتوس لسهولة الحصول عليه وانتشاره على نطاق واسع في سورية، هذا ما أكدته الباحثة رغد زين وخاصة أن أوراقه تحتوي على مجموعة واسعة من المركبات العضوية التي تلعب دواراً مهماً كعامل إرجاع وتغطية من أجل تحضير الجسيمات النانوية. وقد وُصّفت جسيمات الفضة النانوية المُحضرة باستخدام عدة تقنيات كالمطيافية في المجال المرئي وفوق البنفسجي، والمجهر الإلكتروني الماسح عالي الدقة (HRSEM)، ومطيافية تشتت الأشعة السينية، وتقنية تشتت الضوء الحركي، وتقنية التعقب النانوي وكمون زيتا. والتي أظهرت الشكل الكروي والأبعاد الصغيرة (10 nm) لجسيمات الفضة النانوية المُحضرة وثبات واستقرار عال ضمن المعلّق المحضّر. يعد تحضير جسيمات الفضة النانوية باستخدام المستخلصات النباتية أمرًا بسيطًا ومنخفض التكلفة ولا يتطلب شروطًا أو عوامل خاصة كما هو الحال في الطرائق الكيميائية أو الفيزيائية الأخرى.

صُلب الدراسة

تطرق هذا البحث إلى دراسة تأثير جسيمات الفضة النانوية ضد خلايا سرطان الكولون من النوع Caco-2 وذلك عند تراكيز مختلفة (5 و10 و30 µg/mL) وأزمنة مختلفة 24 و48 و72 ساعة. وأظهرت نتائج اختبار السمية الخلوية تأثيراً يعتمد على كل من الجرعة والزمن.

لوحظ بأن التركيز 30 µg/mL هو الأكثر سمية على خلايا سرطان الكولون Caco-2 وأدى إلى إنقاص نمو الخلايا لأقل من 10% مباشرة بعد اليوم الأول من تطبيق المعلّق الغروي لجسيمات الفضَّة النانوية أي بعد 24 ساعة. من جهة أخرى أدّى تطبيق التركيز µg/mL 5 إلى تثبيط نمو الخلايا السرطانية بنسبة 50% و70% بعد 48 ساعة و72 ساعة على الترتيب، والتركيز 10 µg/mL أنقص العيوشية للخلايا السرطانية بنسبة تصل إلى 80% بعد 72 ساعة.

ووفقاً للباحثين المشاركين في الدراسة فقد حُسب التركيز اللازم لتثبيط النصف من الخلايا (IC50) فكان µg/mL 18 بعد 24 ساعة. بينما أدّى تطبيق التراكيز المدروسة لمدّة 72 ساعة إلى تثبيط عيوشية الخلايا إلى أقل من 50%، وهذا يدل على أن تطبيق تراكيز منخفضة سيكون لها تأثير على الخلايا السرطانية مع زيادة زمن المُعالجة.

تأثير فعال

تأتي أهمية هذه الدراسة من عرضها لطريقة اقتصادية وصديقة للبيئة من أجل تحضير جسيمات الفضة النانوية باستخدام مستخلص مائي من نبات اليوكاليبتوس المنتشر في سورية. وإمكانية تحضير جسيمات الفضة النانوية بأبعاد تصل إلى nm 10 وباستقرار عال. والتوصل إلى التأثير الفعّال لجسيمات الفضة النانوية التي تم تحضيرها في هذا البحث ضد خلايا سرطان الكولون من النوع Caco-2 عند تراكيز منخفضة، حيث أدت إلى إنقاص العيوشية حتى 50% بعد 24 ساعة.