يطلق على مرضى التلاسيميا مرضى الخضابات الشاذة، ونظراً لبعده الاجتماعي والنفسي فإنه يعتبر مرض المجتمعات المنغلقة أو المتخلفة، وبالتالي هو مرض يمكن تجنبه بالوعي والحيطة ويمكن أن يكون سبباً في حدوث مأساة كبيرة للطفل وأسرته. فهناك مأساة تنتظر أي طفل حامل لأي نوع من أنواع الخضابات الشاذة سواء تلاسيميا أو فقر دم منجلي أو تلاسيميا منجلية، حيث يعيش هذا الطفل حياته في غرف نقل الدم ضمن عمره الافتراضي المقدر بـ 20 سنة.

تقول الدكتورة عليا الأسد رئيسة بنك الدم في جامعة دمشق، وعضو في اللجنة الوطنية في مشروع الحد من التلاسيميا، في بحث لها حول مرض التلاسيميا، إنه من المؤسف أن تبدأ عملية نقل دم للطفل من عمر 6 أشهر وأن يكون ملزماً في أخذ الحديد لمدة 7 أيام في الأسبوع، صعوبات سوف يعيشها باستمرار إلى أن يصل إلى عمره الافتراضي والمقدر بعشرين عاماً يقضيها وهو يعاني من مرض القلب والكبد والطحال، فكل أعضائه النبيلة سوف تصاب بالتدريج ضمن مرارة العيش مع المرض والعلاجات الدائمة. في حين أن الحل بسيط جداً وهو أنه من خلال تحاليل ما قبل الزواج أو عيادات ما قبل الزواج يمكن لشخصين مقبلان على الارتباط أن يتأكدا من أنهما ليسا حاملين لخلية التلاسيما. وفي حال كان العكس فإنه من المهم أن يكون القرار جرئياً وإنسانياً وصحياً في التخلي عن فكرة الزواج، تفادياً للمستقبل المظلم الذي قد ينتظر أطفالهما، لكون هذا المرض عبارة عن خلل جيني أو مرض وراثي يأتي من الأم والأب. وبالتالي يمكن تنجبه وتجنيب طفل المستقبل الذي يكون أساس سعادتنا. أن يأتي إلى الحياة وهو حامل للمرض، فهذه مأساة يعيشها طوال عمره.

وتشير الدكتورة عليا الأسد إلى وجود إحصائية يتم الحصول عليها من خلال العيادات التي تعنى بمرضى التلاسيميا والموزعة على 12 محافظة في سورية. وتبين المؤشرات أنه لدينا أقل من 6 آلاف مريض مصاب بالتلاسيميا. إلا أن المشروع الوطني لمكافحة التلاسيميا له أهداف بعيدة المدى على المستوى الاجتماعي والنفسي لهذه الحالات بالنسبة إلى الأهل والمريض بهدف الوصول إلى مجتمع صحي خال من التلاسيميا وعائلة سعيدة لديها أطفال سليمون. وبالتالي فإن المساعي والإجراءات الرئيسية التي تعمل عليها اللجنة الوطنية للتلاسيميا هي نشر المزيد من الوعي حول هذا المرض.

العلاج بالوعي

يُقال عن التلاسيميا إنه مرض المجتمعات المتخلفة، والعلاج الهام فيه هو الوعي. لذلك يفترض تضافر الجهود ليس فقط كوادر وزارة صحة واللجنة الوطنية للتلاسيميا بل هناك شركاء من عدة جهات. فهناك دور لوزارة العدل من أجل سن القوانين حول موضوع زواج المصابين، وهناك وزارة الأوقاف ودورها في نشر التوعية من خلال منابرها لنقل الصورة إلى النساء في المجتمعات الشعبية، ودور مهم لوزارة الثقافة عبر منابرها، وكذلك بنوك الدم ووزارة التربية من أجل الاهتمام بوضع مخاطر التلاسيميا ضمن المناهج. تشير الدكتورة عليا الأسد في هذا الجانب إلى وجود مشروع يتم العمل عليه كلجنة وطنية للقيام بمسح شمولي لطلاب الصف الأول في كل سورية بحيث يتم التعرف على نسبة الأطفال الحاملين لهذه الخلية الشاذة.

كما أن هناك عيادات ما قبل الزواج ولديها إحصائية هامة حيال هذا الموضوع من خلال عدد التحاليل وعدد المصابين لكل الخضابات الشاذة، وهناك العيادات الشاملة التي تعني بتطبيب المرضى، وعليه يمكن تشكيل فكرة واضحة حول واقع هذا المرض في سورية.

الحل بسيط

أما بخصوص الحل الأمثل للوصول إلى مجتمع خال من التلاسيميا، فإن مديرة بنك الدم بجامعة دمشق ترى أن الجزء الأهم يتعلق بالتوعية التي يجب القيام بها في الجامعات والمدارس، وعبر وسائل أخرى للشرائح المجتمعية التي لا تكون بالمدارس وليست بالجامعات. إذ يوجد في المجتمع نماذج وشرائح للزواج المبكر في عمر المدرسة وهذه الشريحة يجب الوصول إليها من أجل التوعية حول هذا الموضوع، إضافة إلى موضوع الزواج خارج إطار الشرعية وهو الزواج العرفي الذي يجب توقيفه فوراً حيث تصبح المرأة حاملاً وبالتالي لا يوجد إمكانية لرفض هذا الزوج، وطبعاً هذه الطريقة من الزواج لها خطورة ليس فقط من جانب احتمالات حدوث أمراض الدم، بل هناك مخاطر تتعلق بضياع حقوق المرأة  وتعرضها إلى إنجاب أطفال غير أصحاء، وبالتالي لن تكون امرأة سعيدة ولن تكون هناك عائلة سعيدة أو مجتمع سعيد. وهذا ما يتم العمل عليه في البرنامج بهدف الوصول إلى وقت يكون فيه "مُجتمع سليم خال من التلاسيميا ومن الأمراض الوراثية" التي يكون حلها بإجراء بسيط ألا وهو "تحاليل في عيادات نقابة الأطباء والمراكز المنتشرة في كافة محافظات"، وبالتالي من المفترض ألا يعقد قران بغير الوثيقة رسمية حقيقية من هذه العيادات.