يعتبر تخصص التروية القلبية أحد أهم التطورات الطبية في القرن العشرين، حيث تقدمت الأجهزة والتقنيات بسرعة بما سمح بإجراء الجراحة الدقيقة على القلب بأمان، ورافق ذلك تطور متسارع بعهد جديد لتخصص التروية القلبية الذي يشمل مجموعة من العلوم الحيوية والهندسية والطبية. وفي سورية تخصصت مجموعة متميزة من الشباب بتقنيات التروية القلبية.

يستخدم خبراء التروية القلبية بشكل رئيسي جهاز القلب والرئة الاصطناعية، والتي تعتبر أحد عجائب العلمية للقرن العشرين إضافة إلى طيف واسع من الأجهزة المتطورة الأخرى التي تعمل للمحافظة على استمرار التروية الدموية خلال العمل الجراحي.

وفي سورية شكّل عام 1971 نصراً تاريخياً هاماً، حيث قام الأستاذ الدكتور سامي القباني في ذلك العام بإجراء أولى عمليات جراحة القلب المفتوح في سورية. منذ ذلك العام اعتمد جراحو القلب في سورية على مجموعة موهوبة من الخبراء الذين تخصصوا بعلوم التروية القلبية وقاموا باستخدام أجهزة القلب والرئة الاصطناعية على خير وجه على الرغم من مرور ما يقارب الخمسين عاماً على ممارسة جراحة القلب في سورية. إلا أن التخصص في علم التروية القلبية بقي ينتقل إلى هيكل علمي محكم إلى أن أعلنت كلية الطب في جامعة دمشق قبل عامين عن افتتاح ماجستير التأهيل والتخصص في علوم التروية القلبية، وهو البرنامج الأكاديمي الوحيد للتدريب في التروية القلبية في العالم العربي. وكان لطلاب الماجستير في العام الماضي مشاركتهم الأولى كمحاضرين في مؤتمر علمي على المستوى الوطني، وحتى هذه اللحظة يتم الانتقال إلى رابطة وطنية للتخصص بعلوم التروية القلبية.

الرابطة السورية

ينظر خبراء التروية القلبية بتفاؤل إلى الرابطة السورية لنقص التروية القلبية، التي تم إشهارها مع بداية شهر آذار لهذا العام 2024 في تطوير خدمات هذه المهنة ورفع الكفاءة العلمية والعملية لهم وفق معايير عالمية. فقد أكد الدكتور بشار عزت، رئيس مجلس إدارة الرابطة السورية، أهمية إشهار الرابطة بهدف تطوير خدمات التروية القلبية ووضع المعايير المناسبة لعمل خبراء التروية القلبية في المشافي الحكومية والخاصة، ولا سيما بعد أن تمّ العمل على إقرار التوصيف الوظيفي لخبراء التروية القلبية في وزارة الصحة والمساهمة في تطوير المهنة علمياً وعملياً، إضافة إلى وضع أسس البرامج التي يمكن الاعتراف بها لتدريب خبراء التروية القلبية ودعم البرامج التدريبية، وإقامة دورات عملية ومؤتمرات وندوات والمشاركة في المؤتمرات المتخصّصة بجراحة القلب، بالتزامن مع تطوير تلك الخدمة وتأهيل خبراء اختصاصيين ذوي كفاءة مهنية وعلمية عالية وفق المعايير العالمية.

كما أشار عزت إلى تطلّع خبراء التروية القلبية في سورية لأن تكون لهم هويتهم الخاصة وإلى تعريف السوريين بهذه المهنة السامية، كما يتطلّعون إلى الارتقاء باختصاص التروية القلبية لتقديم أفضل ما يحتاجه المرضى، وإلى بناء بنيتهم الخاصة.

الدفعة الأولى

أول خريجتي ماجستير في هذا الاختصاص على مستوى الوطن العربي هما الطبيبتان آلاء عبد الوهاب وبشرى الدوس، وهما تمثلان الدفعة الأولى من اختصاص نقص التروية القلبية. تقول الدكتورة آلاء عبد الوهاب إن افتتاح ماجستير في هذا التخصص ضمن جامعة دمشق يشكل أول فكرة على مستوى الوطن العربي، إذ إنه لم يكن هناك اختصاص لهذه المهنة ضمن الماجستيرات، ولم تكن تقدم بشكل أكاديمي، وإنما كانت تنفذ ويتم تعليمها بشكل عملي دون الجانب النظري، إلى أن تم افتتاح الماجستير في كلية الطب في جامعة دمشق حيث يحصل الطالب على القسم النظري والعملي بشكل يعزز معلوماته بثقة كبيرة.

وبينت عبد الوهاب أن المواد التي تمت دراستها في الماجستير هي خليط ما بين مواد الطب البشري ومواد كلية الهندسة الطبية. وهذا يعني دمج الاختصاصين معاً حتى في مشاريع التخرج، حيث يشكل الاختصاص ارتباطاً وثيقاً بالهندسة الطبية، كما أن هناك قسماً دوائياً متخصصاً في هذا الجانب من الحالات المرضية.

من جانبها أكدت الطبيبة بشرى الدوس أنه من غير الصحيح أن تكون مهنة التروية القلبية متداولة دون تخصص أكاديمي، ومن هنا يأتي أهمية الماجستير في التدريب الأكاديمي من قبل أساتذة الطب البشري وكلية الهندسة الطبية. مشيرة إلى أن خريج هذا الاختصاص يعمل فني قلب صنعياً وخبير تروية قلبية. ولهذا فإن جميع المتواجدين في الرابطة هم خبراء تروية قلبية.

وبينت الدوس أن جراحة القلب هي مثلث من العمل المشترك بين طبيب الجراحة القلبية وطبيب التخدير وخبير التروية القلبية، وعليه فإن من أهم طموحات هذا الاختصاص والتي تمت المطالبة بها وتوجهيها لوزارة الصحة، هي أن يكون هناك مسمى وظيفي لهذه المهنة وليس فقط أن يحصل خريجو الماجستير على شهادة زمالة وصفة وظيفية، ويستطيعون ممارسة المهنة داخل البلد وخارجها وضمن المشافي العامة والخاصة.