شاعرة فينيقية اعتزت بانتمائها السوري وتغنت ببلدها عبر قصائدها، اسمها "بلتيس" الاسم السوري لآلهة الحب والجمال عند اليونانيين "أفروديت".

ولدت الشاعرة "بلتيس" في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، استمرت حياتها ما بين (610-675 ق.م) في قرية جبلية في مقاطعة بامفيليا على الساحل الجنوبي لبلاد الأناضول، والمطلة على البحر المتوسط، حيث القرى مظللة بالغابات الجميلة، والوديان المثقلة بالصمت، والمليئة بالسكون، وقد ولدت "بلتيس" من أم فينيقية سورية وأبٍ هيليني قد يكون سورياً هو الآخر. ولكونها لم تتعرف إلى أبيها، فإن اسمها الفينيقي يدل على أن أمها الفينيقية التي تعلقت بها كثيراً أعطتها إياه، هذه الشاعرة الفينيقية التي طالما تغنت بسوريتها وفخورة بانتمائها إلى أرض سورية المقدسة، "سورية" التي وصفها هوميروس بأنها "أرض الآلهة".

كما أنها تركت مسقط رأسها بامفيليا لأسباب غامضة، وانتقلت للعيش في مدينة ميتيليني في جزيرة ليسبوس، وهناك تعرفت بلتيس إلى الشاعرة "سافو" أو "صافو" وكانت أهم شاعرة إغريقية في زمانها التي علمتها فن الغناء، ولم تكتب بلتيس في مذكراتها عن تلك المرأة، بالإضافة إلى أن الشاعرة بلتيس تركت لنا حوالي ثلاثين قصيدة أو مغناة عن تاريخ صداقتهما، كما ذكرت أنها عاشت مع صديقتها "سيديكا" وفيما مضى كنا نعرف هذه الفتاة من بين شعر سافو الذي مجد جمالها وقالت فيه: "كانت مناسيديكا جميلة ورائعة، والذي يقرأ أشعار بلتيس في صديقتها سيقع حتماً في حب هذه الفتاة.

انتقلت الشاعرة بلتيس للعيش في جزيرة قبرص، بعدها أدركت أن لا شيء يبقيها في ميتيليني، وكانت قبرص في ذلك الحين جزيرة يونانية- فينيقية يعيش فيها الفينيقيون واليونانيون جنباً إلى جنب كما هي الحال في بامفيليا.

اتصفت أشعار الشاعرة الفينيقية بلتيس بالبساطة والسلاسة، ولكنها أيضاً في غاية التناسق والإتقان، وتلك قمة شامخة من قمم الشعر الغنائي.

كما أن أشعار "بلتيس" قد طبعت في أوروبا وأمريكا تحت عنوان "أغاني بلتيس". وفي عام 1977 تم تصوير فيلم سينمائي في فرنسا عن حياتها بعنوان "بلتيس" من إخراج دافيد هاملتون، كما حملت اسمها مقطوعات موسيقية رائعة، ولحن الموسيقار الفرنسي "كلود ديبوسيو" ثلاثاً من أغانيها، وحملت اسمها مقطوعات موسيقية ولوحات فنية رائعة.

كان الشاعر الفرنسي "بيير لويس" قد نشر أشعار بلتيس لأول مرة في عام 1894 وهي مجموعة من (143) قصيدة، وقد ترجم قصائدها عن الفرنسية الشاعر السوري "أدونيس" التي بقيت مخطوطة.

وتقول"بلتيس": منذ نعومة أظفاري تلقنت حب أدونيس وعشتار، وأسرار سورية المقدسة، والموت والعودة إلى عشتار، والآلهة ذات الأجفان المدورة.

وقد اكتشف عالم الآثار ج. هايم قبر الشاعرة بلتيس في جزيرة بقبرص اسمها باليو- ليميسو على جانب طريق قديم غير بعيد عن بلدة أماثوس. كان القبر تحت الأرض حسب عادات الفينينقين، وقد نجا من صيادي الكنوز الأثرية، حيث وجد في قبرها قوارير عطر، كانت إحداها لا تزال تحتفظ بالرائحة الزكية، كما وجدت أيضاً مرآتها الفضية وكذلك قلم الكحل، الذي يلون باللون الأزرق فوق أجفانها، ومنحوتة صغيرة لـ"عشتار العارية" ربة الجمال والحب، وعدة قطع من الحلى الذهبية، وقطعة حلى فضية، كأنها غصن من الثلج.

ومن قصائدها:

في الوطن

الذي تنفجر فيه الينابيع من البحر

وتكون صفائح الصخر

مجرى الأنهار

في هذا الوطن

أنا بلتيس،

رأت عيناي النور

كانت أمي فينيقية وأبي هيلينياً

لقنتني أمي أغاني (جبيل) الكئيبة،

كالسحر الأول

----

المراجع:

-شعراء سورية في العصر الهيلنستي، إحسان الهندي، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2010.

-مجلة الغاوون الشعرية، بيروت، العدد 6، آب، 2008.

-أغاني بلتيس طبع عام 1895 قدمه الشاعر الفرنسي بيير لويس (1870- 1925) كترجمة أمينة لقصائد غير منشورة ألفتها الشاعرة بيليتيس.