تُهاجم المواد الغذائية المخزونة بعدد كبير من الآفات من مفصليات الأرجل وعلى رأسها تلك التابعة إلى تحت-صف الأكاروسات، وهناك أكثر من 100 نوع عالمي الانتشار من الأكاروسات متخصص بإصابة المواد المخزونة؛ إذ تسبب أكاروسات المواد المخزونة ثلاثة أنماط من الضرر ومن الأخطار الملموسة على صحة الإنسان، من خلال ما تُحدثه أو تنقله من أمراض مرتبطة بالحساسية التنفسية والجلدية للمزارعين والعاملين في هذا المجال.
رئيس قسم وقاية النبات في كلية الزراعة بجامعة دمشق الدكتور والباحث زكريا الناصر تحدث عن قدرة هذه الآفات في نقل ونشر الممرضات النباتية المختلفة وخاصة الفطرية منها، ومساهمتها بشكل غير مباشر في عدوى الغذاء بالسموم الفطرية، كما أن هذه الأكاروسات تسبب فقداً كبيراً في الحبوب المخزونة، وانخفاضاً معنوياً في الوزن النوعي، وتراجعاً ملحوظاً في المحتوى الكيميائي الغذائي، إضافةً إلى خفض كبير في نسب الإنبات. وهي أسباب كافية للمزيد من البحث للتخلص منها، إضافة إلى طحين القمح أحد أهم منتجات الحبوب النجيلية الأكثر تصنيعاً واستخداماً على الصعيد العالمي، لما يحتويه من عناصر غذائية هامة جداً، على رأسها النشاء والبروتينات والأملاح المعدنية، والفيتامينات والألياف المغذية، والتي تقدم حوالي 60% من السعرات الحرارية والبروتينات الضرورية اليومية للإنسان.
الدواعي البحثية
يبين الدكتور الناصر دواعي هامة لهذا البحث لكون الطحين يُهاجم بعدد كبير من الآفات الأكاروسية، تنتمي في معظمها إلى فصيلة Acaridae التي تضم حالياً حوالي 400 نوع، وتمتاز باشتراكها بمجموعة من الصفات البيولوجية، أهمها المدى العائلي الواسع، الخصوبة المرتفعة، سرعة التكاثر وقصر دورة الحياة، والعلاقات المتبادلة والتداخل مع الحشرات والأحياء الدقيقة من فطريات وبكتريا، الأمر الذي يزيد من أهميتها الاقتصادية والدور الذي تلعبه في التدهور الكمي والنوعي للطحين المصاب. إذ يُعد أكاروس الطحين أحد أهم آفات المواد المخزونة عامةً، والطحين خاصةً، والأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم، وهو مسجل على مدى عائلي واسع جداً.
ولفت بأن الأكاروس يهاجم مختلف أنواع الحبوب ومنتجاتها، والأجبان، وأعشاش الطيور، وخلايا النحل ويستخدم لمكافحة الأكاروسات المبيدات الصنعية المؤلفة من مجموعة مركبات الفوسفور العضوية والبيرثروئيدية الصنعية، والمبيدات الهرمونية ومركبات مثبطات الكيتين، كما يمكن أن تتم معاملة المواد المخزونة بزيادة تركيز مركب ثاني أوكسيد الكربون في المخزن. وقد دلّت نتائج الأبحاث المختلفة أن معاملة المواد المخزونة بمثل هذه الكيميائيات قد تتضمن مخاطر عديدة يجب عدم إغفالها، وعلى رأسها وأهمها قدرة هذه المجاميع من الأكاروسات على تطوير صفة المقاومة ضد هذه المبيدات نتيجة المعاملات المتكررة، وذلك بفضل سرعة تكاثرها وخصوبتها المرتفعة وقصر دورات حياتها، إضافةً إلى الآثار المميتة لهذه المبيدات ضد الكائنات غير المستهدفة بما فيها الأعداء الحيوية، وكذلك وأخيراً جُملة الآثار المتبقية لهذه السموم والتلوث البيئي الذي تحدثه. وكنتيجةً لهذه المعطيات، كان لا بد من البحث عن طرائق بديلة لهذه المبيدات الكيميائية، لا سيما مبيدات اختيارية أقل سمية وأكثر تخصصاً.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن المستخلصات والزيوت النباتية قد تُقدّم خياراً بديلاً وآمناً لمكافحة الأكاروسات. وهناك العديد من الأبحاث التي أثبتت كفاءة عالية نسبياً لمثل هذه البدائل في مكافحة بعض أكاروسات المخازن تحتوي المستخلصات النّباتيّة على الكثير من المركبات الطّبيعيّة مثل: الفينولات، التربينات، القلويدات، الجليكوسيدات، الزيوت الطيّارة، العفصيات، أظهرت الدراسات الحيويّة للعديد من أنواع نبات القطيفة وجود الفلافونيدات والتربينات الّتي تمتلك خواص كمبيداتٍ حشريّةٍ، ومحسنات زراعية أن الزيت الطيار لنبات الكراوية. له فاعلية على أكاروس الطحين، وهناك مؤشرات لباحثين عالميين على زيت نبات الريحان له فاعلية عالية كمبيد حشري وله فعل طارد ومثبط لنمو أربعة أنواع من خنافس المخازن. وكذلك الأمر بالنسبة إلى زيت إكليل الجبل والزيوت الطيارة لنبات الكمون ونبات القرنفل وكذلك نبات الياسمين في مكافحة الأكاروسات كمركب قياسي.
هذا وقد أشار الدكتور الناصر وزميله الدكتور محمد قنوع منذ عدة سنوات إلى إمكانية استخدام مستخلص ثمار الأزدرخت في برامج الإدارة المتكاملة للأكاروس العنكبوتي القرمزي.
مواد وطرائق البحث
تمت الدراسة في مخبر الآفات الحيوانية غير الحشرية ومخبر المبيدات في قسم وقاية النبات في كلية الزراعة بجامعة دمشق في العام 2022. وتم الحصول على أفراد حية من أطوار مختلفة من أكاروس الطحين من مجتمعات الأكاروس التي تم تربيتها في مخبر الآفات الحيوانية غير الحشرية على طحين القمح لمدة عامين متتاليين، من دون أية معاملة كيميائية عند درجة حرارة 23±2 مo، ورطوبة نسبية 80-85%.واستخدم في الدراسة أطوار متحركة (حوريات وبالغات) من أكاروس الطحين.
وقد تم جمع النباتات المراد استخلاصها وهي: الأجزاء الهوائية (أوراق وأزهار) الخزامى والقطيفة وأوراق الزعتر البري والبراعم الحديثة للصنوبر الحلبي من ريف دمشق. جففت الأجزاء النباتية لكل نوع منها على حدة بصورة طبيعية في الظل، ثم طحنت باستخدام الطاحونة الكهربائية لتصبح جاهزة للتقطير.
وقد جرى استخلاص العينات النباتية باستخدام جهاز السوكسليت وُزن 30 غرام من العينة النباتية المطحونة، ووضعت في زجاجة جهاز السوكسليت وأُضيف إليها 300 مل من المُحلّ العضوي (إيتانول 98.5%). شُغل السّخان عند درجة حرارة 35-40 مo، وتُركت العينة لمدة 3 ساعات. نُقل ناتج الاستخلاص كمّيّاً إلى حوجلة المبخر الدورانيّ لتبخير المذيب العضويّ منه عند درجة حرارة (40-45 مo) حتّى الوصول إلى طبقة رقيقة. وجرى تجفيف المُستخلص بوضع الدّورق الزّجاجي الحاوي على المستخلص في مجففة مدّة 24 ساعة وتم أخذ 500 ملغ من المادّة المُستخلصة، وحُلت في 10 مل من إيثانول مطلق (محلول الأساسي)، ونُقل إلى زجاجة بنيّة اللون حافظة لحين استخدامه.
تفاصيل بحثية ونتائج
اختُبرت فاعلية تدخين المستخلصات الكحولية للخزامى والزعتر البري والقطيفة والصنوبر الحلبي ضد الأطوار المتحركة من أكاروس الطحين. واختبرت فاعلية التدخين للمستخلصات الكحولية عند التراكيز من 25 -300 ميكرو ليتر في ليتر هواء في مرطبانات سعة ليتر حيث تم حساب النسب المئوية للموت بعد 24 وَ 48 و 72 ساعة من المعاملة.
وقد أظهرت نتائج التدخين وفقاً لرئيس قسم وقاية النبات: أنّ كل من مستخلصات الخزامى والصنوبر والزعتر البري أعطى نسب موت مصححة 100% عند التركيز 300 ميكرو ليتر في ليتر هواء، وكانت قيم LC5050.42، 55.23 وَ 64.84 ميكروليتر في ليتر هواء على الترتيب بعد 72 ساعة من المعاملة، تلا ذلك المستخلص الكحولي للقطيفة الذي أعطى قيم LC50 137.44 ميكروليتر في ليتر هواء. ازدادت فاعلية المستخلصات الكحولية للنباتات المختبرة بزيادة التركيز ومدة التعرض.
وهنا يبين الباحث أهمية هذه النتائج في الحفاظ على المواد المخزنة وخاصة الطحين والقمح باعتبارهما ثروة وطنية، بطرق طبيعية بعيداً عن المواد الكيميائية المصنعة وهي ذات جدوى اقتصادية وصحية وبيئية في حال تم اعتمادها. وبيّن أهمية أن تساهم وزارة الزراعة في تحقيق هذا الهدف العلمي والاقتصادي من خلال تأمين المادة الأولية. وخاصة أن هذا الاتجاه عالمي.