يعد داء السكري من أكثر الأمراض شيوعاً نظراً لاختلاطاته الخطيرة، فقد يحدث فقر الدم في سير الداء السكري قبل تدهور الوظيفة الكلوية، وعليه فإن الكشف والعلاج الباكرين لفقر الدم المرافق يساعد في تأخير الاختلاطات الوعائية وتحسين نوعية الحياة.

هذا ما أكدته الدراسة المقطعية الراجعة في مستشفى الأسد الجامعي بدمشق للدكتورة عبير قدار مدرسة في قسم الأمراض الباطنة في كلية الطب بجامعة دمشق من خلال تقصي انتشار فقر الدم لدى السكريين المقبولين في مستشفى الأسد الجامعي ومقارنتهم بالأصحاء ظاهرياً. عبر مراجعة سجلات المرضى بعمر "18 حتى 65" المقبولين في المستشفى بين عامي 2012 و2013. بعد أن استبعدت عن الدراسة مرضى التلاسيميا وداء منجلي والذين يخضعون للمعالجة بالحديد والفيتامينات وأخذت عينات الأصحاء ظاهرياً من الأشخاص المرافقين للمرضى والموظفين بالمشفى.

معارف هامة

يعد داء السكري مرض استقلابي شائع بلغ عام 2010 عدد المصابين به 285 مليون حسب الجمعية العالمية للسكري بأعمار ما بين 20 و79 عاماً، اي بنسبة انتشار تساوي 6.4% ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة إلى 10% وأن يصل عدد المصابين إلى 642 مليوناً عام 2040 ، أكثرها في البلدان النامية.

تبين الباحثة قدار أن مشكلة الداء السكري لا تأتي من شيوعه فحسب وإنما من تأثيراته في الأوعية الصغيرة والكبيرة وما يليها من اختلاطات قلبية وعائية وعصبية وكلوية وعينية وما ينتج عنها من تأثير سلبي في نمط الحياة قد يصل إلى العجز، وكذلك استهلاك كبير للميزانيات الصحية مما يشكل عبئاً على اقتصاد الدول النامية والمتقدمة. وتشير بأن فرط سكر الدم هو الأساس في تأثيرات واختلاطات الداء السكري، إذ ينجم عن تخرب خلايا البنكرياسية وغياب الأنسولين الداخلي بالنمط واحد أو عن مقاومة الأنسولين المرافقة للبدانة النمط 2.

ومع أنه من المؤكد أن فقر الدم مظهر شائع في الداء الكلوي الانتهائي مهما كان سبب الإصابة الكلوية، ودرجته توازي شدة تأذى الوظيفة الكلوية، لكن لوحظ في الداء السكري حدوث فقر الدم مع النقص الخفيف في الوظيفة الكلوية، كما لوحظ تطور فقر الدم بشكل أكبر لدى مرضى القصور الكلوي المزمن الناجم عن السكري مما هو عليه في مرضى القصور الكلوي المزمن الناجم عن سبب آخر.

وعليه فقد بينت الدراسة بأن فرط سكر الدم يرتبط مع تطور حالة التهابية تزداد فيها المشعرات الالتهابية وتحريض حدوث الاستماتة الخلوية في الكريات الحمر مؤدياً إلى نقص عددها، ومن ثم انخفاض الخضاب، وقد يفسر ذلك اعتلال الأعصاب الذاتي السكري الذي يؤدي على تعصيب الكلية، وبنفس الوقت تشير إلى وجود أسباب أخرى لفقر الدم التي تحدث عند غير السكريين مثل عوز الحديد أو فيتامين ب12 أو حمض الفوليك وكذلك العلل الخضابية كالمنجلي والتلاسيميا.

يفاقم فقر الدم الاختلاطات الوعائية في الداء السكري بما فيها اعتلال الكلية واعتلاك الشبكية واعتلال الأعصاب، لذلك فإن تشخيصه وعلاجه باكراً في سياق السكري غالباً ما يساعد في تأخير تطور الاختلاطات الوعائية وتحسين نوعية الحياة.

النتائج لافتة

كان عدد السكريين المصابين بفقر الدم 78 منهم 47 أنثى و31 ذكراً وكان الخضاب أخفض بشكل مهم لدى السكريين 11.8غ/دل مقارنة بالأصحاء ظاهرياً حيث كان الخضاب لديهم يتراوح بين 13.4 و1.8غ/دل.

وعليه كان الاستنتاج بأن فقر الدم كثر شيوعاً لدى السكريين مقارنة بالأصحاء ظاهرياً، وهناك علاقة مهمة إحصائياً بين فقر الدم وكل من مدة الداء السكري والتصفية الكلوية إذ تزداد نسبة حدوثه بزيادة مدة السكري. ومع تدني الوظيفة الكلوية يفضل إدراج مراقبة الخضاب مع المراقبة الدورية للسكريين.

الطرائق والمواد

تعتبر الدراسة التي قامت بها الدكتورة عبير قدار تراجعية توصيفية لمعرفة انتشار فقر الدم لدى السكريين خلال عام 2012 و2013 مع مقاربة النتائج بفقر الدم عند أصحاء ظاهرياً، تم دراستهم بشكل مقطعي مستعرض في مستشفى الأسد الجامعي في دمشق. وقد أدخل في الدراسة 296 من المصابين بالداء السكري بنمطيه 1 و2 لأسباب مختلفة خلال عامي 2012 و2013 بتطبيق معايير الاستبعاد حيث كان عدد المصابين بالداء السكري 137مصاباً منهم 74 ذكراً و83 أنثى وهناك 120 من الأصحاء. بالمقارنات لم يكن هناك فارق بالمعايير من حيث الجنس والعمر، أما متوسط الخضاب فكان أخفض عند السكريين بفارق مهم إحصائياً منه عند الأصحاء.

بدراسة مجموعة السكريين من 173 مصاباً بالداء السكري تماثلت مجموعتا الذكور والإناث من حيث العمر وسكر الدم والخضاب. وقد تبين أن للتدخين عند السكريين وفقر الدم دور فهو أعلى منه عند مجموعة السكريين غير المدخنين بفارق مهم إحصائياً في حين تماثلت المجموعات من حيث العمل ومدة الإصابة بالسكري والضغط الشرياني.

نسب مرتفعة

تعد الدراسة من الدراسات الأولى المنشورة التي درست فقر الدم عن السكريين لدى هذه المرحلة العمرية. إذ لم يكن هناك دراسات منشورة عن فقر الدم لدى السوريين إلا عند الأطفال والنساء في سن النشاط التناسلي والتي بينت أن النسبة عند النساء 40.3% وكان متوسط الخضاب أخفض عند السكريين بفارق مهم إحصائياً منه عند الأصحاء ظاهرياً، رغم عدم وجود فارق مهم إحصائياً بين المجموعتين.

وبينت الدراسة أن فقر الدم لدى السكريين 57% ولدى الأصحاء 24% هذه النسبة أعلى بوضوح مما هو عليه في الدراسات الأخرى، وبذلك قد يعود ارتفاع فقر الدم لدى السكريين في مناطقنا كمجموعة سكانية أعلى مما هو عليه في البلدان الغربية حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. كما قد يدل هذا على أن العوامل التي تؤدي إلى فقر الدم عند السكريين هي نفسها في دراسات أخرى.

وعليه وضعت الدراسة بعض الاستنتاجات والتوصيات كان أهمها: أن فقر الدم شائع عند المصابين بالداء السكري بنمطيه 1و2 مقارنة بالأصحاء ظاهرياً، وترتفع نسبة حدوثه مع زيادة مدة الإصابة بالسكري، كما أنه يبدأ بالتطور قبل تأثر الوظيفة الكلوية ويزداد شدة مع تناقص التصفية الكلوية. وبالتالي من المهم إدراج تحري فقر الدم ضمن المراقبة الدورية المخبرية للمصابين بالداء السكري والمعالجة الباكرة له.