لا تزال مشكلة النقل في سورية تعاني الكثير من المنغصات وتتصف بالكثير من العشوائية وخاصة التنقلات بين المدن الكبرى والأرياف. من هنا جاءت الأهمية التخطيطية التي عملت عليها الدكتورة هبة ديبو عضو الهيئة التدريسية في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، وذلك من خلال الدراسة العلمية والتطبيقية حول "تطوير طريقة للتنبؤ بالتنقلات المستقبلية بين المدن الكبرى والضواحي" والتي اعتمدت عليها من خلال دراسة حالة التنقلات بين مدينة دمشق وضواحيها كأنموذج حي.

بداية البحث وفقاً للدكتورة ديبو يندرج تحت إطار تخطيط النقل وبناء نماذج رياضية للتنبؤ بحجم النقل انطلاقاً من معاناة الناس والمشكلات التخطيطية التي تعاني منها مدينة دمشق والناجمة عن سوء تقدير دقيق لحجوم الطلب على النقل الذي خلق حالة عدم توازن بين الطلب الكبير على النقل والعروض المتاحة من قبل هيئات النقل. ومنها على سبيل المثال عرض الشوارع وأعداد وسائط النقل التي تعتبر غير كافية، الأمر الذي أدى إلى مجموعة من السلبيات كالازدحام المروري والتلوث البيئي.

وبينت أن الهدف من البحث هو بناء أنموذج رياضي يعتمد على برامج اقتصادية وقياسية لتقدير كميات النقل ودراسة مدى تأثر حجوم النقل تبعاً لمجموعة من البارومترات ولعدة محاور منهجية، مع الاعتماد على الرابطة بين مدينة دمشق وريفها. فكانت هناك ستة محاور جُمعت من خلالها بيانات تاريخية بين عام 1998 وعام 2010 .

تجميع البيانات

يحتاج البحث إلى حجم كبير من البيانات لإمكانية بناء الأنموذج والباروميترات التي تم اعتمادها وهي الباروميترات المرجعية وأخذ ما هو الطلب الأكثر على النقل والموازنة بين أعداد السكان وأعداد الموظفين والدخل وتعرفة النقل وكثافة شبكة النقل العام التي هي مؤشر لجودة الخدمة. وقد قامت الباحثة ديبو بتجميع البيانات على عدة نواح مُخدمة بخطوط النقل العام ميكرو باصات أو باصات كبيرة، وجمعت البيانات على مستوى كل بلدة أو ناحية لمدة عشر سنوات.

وعليه عملت الدكتورة هبة ديبو على بناء أنموذج انحدار بسيط قدرت من خلاله طبيعة العلاقة بين البارومترات على المتغير التابع الذي هو عدد الرحلات، وتبين لها بأن العلاقة غير خطية. فبحثت عن الأنموذج الأمثل الذي يلائم تمثيل هذه العلاقة من خلال 6 معادلات تعطي دراسة ما هي تغير الرحلات تبعاً لتغير عدد السكان. فعلى سبيل المثال تبين أنها علاقة طردية وبحساب عامل المرونة الذي يقدر تأثر عدد الرحلات مع تزايد عدد السكان كواحدة قياس، وجدت بأن هناك زيادة بعدد الرحلات تقدر 36%.

كما أخذت الباحثة وحدة القياس الزمنية التي هي بين عامي 1998 و 2010 ووجدت أن التعرفة والدخل كان لهما تأثير ضعيف على الطلب على النقل، لأنه في تلك الفترة كان هناك نوع من الاستقرار الديموغرافي والاقتصادي في البلد، فكان الدخل غير مؤثر بشكل كبير على عدد الرحلات وأيضاً كانت التعرفة متناسبة مع الدخل.

التنبؤ المستقبلي

كانت المرحلة الثانية من الإجراءات البحثية للدكتورة هبة ديبو تتعلق بكيفية بناء أنموذج للتنبؤ المستقبلي، فكان المتغير الذي اعتمدته هو الزمن وعدد الرحلات خلال فترات معينة، ووضعت معادلات رياضية للتنبؤ المستقبلي، ثم أسقطت الدراسة على الفترة التي تلت الفترة الأولى للدراسة التي كانت بين عامي 2010 و 2023 وهي فترة الحرب التي تعرضت لها سورية، وكان هناك ضرر كبير في المناطق الريفية، الأمر الذي دفعها إلى وضع سيناريوهات افتراضية؛ الأول هو عدم تعرض سورية للحرب وكيف سيكون عدد الرحلات المستقبلية.

والثاني هو سيناريو الأزمة، وفيه حددت الباحثة مدة أربع سنوات من عام 2014 إلى عام 2018. وفي سيناريو ثالث وضعت مدة زمنية من عام 2020 حتى عام 2022 هذه السنوات كانت فيها تغيرات مثل عودة مناطق للخدمة، ولم تكن هناك حركة وسائط نقل عامة، وهناك نقص كبير في أعداد السكان بسبب النزوح نحو المناطق الآمنة. فكان هناك فارق بين عدد الرحلات المقدرة في الأنموذج وعدد الرحلات الفعلية التي تم تجمعيها بالدراسة، وهي أن زيادة عدد السكان لم يترافق مع زيادة أعداد وسائط النقل، وفي عام 2018 عادت بعض المناطق للخدمة، لكنها لم تزود بأعداد مناسبة من وسائط النقل.

وجه حضاري للنقل

تندرج توصيات البحث وفقاً للباحثة مع موضوع الاستدامة، لأنه عندما تكون هناك حسابات دقيقة لحجوم الطلب على النقل متناسب مع البنى التحتية وخاصة أن المشاريع التي تخدم وسائط النقل ذات كلفة عالية، فيجب أن يكون هناك تناسب بين وسائط النقل والمشاريع المقترحة على أمل التخطيط البعيد. كيف تتطور هذه الحجوم وهل تتطور مع التطور الإنشائي سواء كان إنشاء طرق أو جسور؟ وأشارت إلى أن هذه الحسابات الدقيقة تعود بفوائد ومردود اقتصادي عال. وعليه فهي توصي بالاستفادة من نتائج هذه الدراسة من خلال معرفة تأثير سياسات النقل على حجوم الطلب، مؤكدة على موضوع النقل العام بأن يكون الوجه الحضاري للبلد وله دور في التخفيف من الازدحام وتوفير أزمة الانتظار والتأخر الكبيرة، وهذا ينعكس على البيئة الاجتماعية والطبيعية في المناطق.