في ظل ما تشهده الدول اليوم من تسارع في البحث عن مصادر للطاقة تمتاز بالديمومة لتحسين التنمية الاقتصادية، كانت الطاقات المتجددة البديل الأمثل، على الرغم من أن استخدامها يتطلب تكاليف عالية وتكنولوجيات متطورة؛ وأصبح الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة يلقى رواجاً كبيراً. وتعد مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هي الأكثر تكلفة في العالم.

ما تقدم كان دافعاً للبحث عن آليات التمويل المناسبة لمشاريع الطاقة المتجددة باعتبارها عاملاً ريادياً على مستوى العالم، وهذا ما تناوله الباحث جميل عيسى ماجستير في التنمية الإقليمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية، مع مجموعة من زملائه طلاب الدراسات العليا. قائلاً إن الصين هي الأولى عالمياً في ميدان استثمار الطاقة المتجددة وتعمل على تمويل مشروعاتها من خلال بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، وكذلك الأمر في الإمارات العربية المتحدة حيث يحتضن مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية أكبر مشروع لتوليد الطاقة المتجددة في موقع واحد في العالم، وسعت الإمارات إلى توسيع الشراكة مع دول المحيط الهادي. وتعد المغرب أول مستثمر في مجال استخدام الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح على مستوى دول المغرب العربي.

وبالنسبة إلى سورية يبين الباحث بأنها بلد طاقوي يرتكز اقتصاده على النفط والغاز الطبيعي بكثرة، فهي تسعى جاهدة للدخول في عالم الطاقات النظيفة والمتجددة، رغم ما تواجهه من عوائق أهمها محدودية التمويل المحلي والذي من أجله عملت على تقديم تسهيلات في كافة المجالات لاستخدام الطاقة المتجددة، مما سمح للمستثمرين بالاستثمار في المناطق التي تمتاز بوجود كميات جيدة من الأشعة الشمسية والتي تصلح لهذا الغرض. ومن المناطق التي تمتاز بهذه الصفات هي المنطقة المحصورة بين مدينة صحنايا وأشرفية صحنايا وبين مدينة الكسوة ومنطقة كوكب التابعة لمحافظة ريف دمشق.

دراسة حالة ريف دمشق

تضمن البحث التعرف على التمويل المستدام وأساليب تنفيذ الخطة الإقليمية وإدارتها بشكل فعال، وذلك ضمن محور التنمية الإقليمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية وإمكانية التطبيق بما يتوافق مع الخصوصية المحلية. ويهدف وفقاً للقائمين عليه إلى: إبراز الآليات المستخدمة في التمويل لمشروعات الطاقة المتجددة في العالم بصفة عامة وفي سورية- ريف دمشق "المنطقة بين دمشق ودرعا، منطقة عدرا، منطق ريف حمص الشرقي"، خاصة بعد الحرب المدمرة التي عانت منها البلاد والتي أدت إلى تدمير عدد كبير من المنشآت في قطاع الطاقة ومنها محطات توليد الكهرباء، علاوة على نقص كميات الوقود الأحفوري من نفط وغاز، بالإضافة إلى التوجه العالمي نحو استخدام الطاقات النظيفة.

يقول: لا بد من وضع استراتيجية لمواجهة ضعف أساليب تمويل الطاقة المتجددة المستدام لتنفيذ الخطة الإقليمية بما ينسجم مع خطة الأمم المتحدة فيما يخص أهداف التنمية المستدامة 2030م. وهي استراتيجية انطلقت من عدة نقاط منها: التحليل المالي في البيئة الإقليمية المخصصة للدراسة (ريف دمشق)، والشراكات والاستثمارات التي يمكن أن تكون مع القطاع الخاص والمستثمرين الخاصين، والابتكار المالي والأدوات المالية الجديدة مثل "السندات الخضراء – التمويل الإسلامي – التمويل الجماعي" مع ضرورة السعي لتعميم هذه التجربة لباقي الأرياف والمدن في سورية.

بين الإشكالية البحثية والأهداف

وأكد عيسى أن البحث يركز على فترة ما بعد الحرب، بعد أن تعرضت محطات الطاقة الكهربائية في سورية إلى التخريب من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة. وتتم دراسة المنطقة الواقعة بين مدينة صحنايا وأشرفية صحنايا وبين مدينة الكسوة ومنطقة كوكب التابعة لمحافظة ريف دمشق.

وقال الباحث إن تطوير مشروعات الطاقة المتجددة، يحتاج إلى توافر عامل التمويل نظراً للتكاليف العالية والأموال الضخمة التي يصعب توفيرها لمثل هذه المشروعات، وسورية من بين الدول التي تعاني من محدودية التمويل المحلي أو الخارجي. وعليه فإن الدراسة تهدف إلى تسليط الضوء على الدور الفعال للمستثمرين في مجال الطاقة في استقطاب التكنولوجيا والتمويل لتطوير المشروعات، ودور مشروع الطاقة المتجددة في تحقيق أبعاد التنمية المستدامة؛ حيث إن البحث لامس ثلاثة من أهداف التنمية المستدامة، وهي الهدف السابع والهدف الثامن والهدف الحادي عشر، مما قد ينعكس على الترتيب العالمي لسورية في تقرير الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة والذي هو 130.

دراسة المشروع

اعتمد في البحث مصور من موقع (سولار جي أي اس) يظهر الأماكن الأكثر عرضة للأشعة الشمسية في الجمهورية العربية السورية، فكانت المنطقة المدروسة من المناطق الأكثر عرضة لأشعة الشمس. ويهدف البحث إلى إنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق الاستثمار في ألواح الطاقة الشمسية وربط الكميات الناتجة من الطاقة الكهربائية مع الشبكة العامة الكهربائية، عن طريق بيعها إلى وزارة الكهرباء والتي بدورها تضيف هذه الكميات إلى الكميات الموجودة عندها وربطها مع الشبكة العامة. الاعتماد على كمية الأشعة الشمسية السنوية في تلك المنطقة والتي تبلغ 1850 ساعة شمسية فعالة لكل كيلو واط خلايا خلال العام. حيث إن كل 1 كيلو واط خلايا يحتاج إلى لوحين طاقة شمسية باستطاعة تقدر حوالي 500 واط خلايا، مما يجعل للمستثمر الحرية في اختيار الكمية التي تناسب استثماره، وتحديد القيمة المالية مع الأخذ بعين الاعتبار النفقات التي سوف تدفع على المشروع مثل الصيانة وتبديل بعض الأجزاء كل سبع سنوات والضرائب والرسوم وغيرها.

وبين أصحاب المشروع أن مساحة المنطقة المدروسة تقدر بحوالي 20.2 كيلو متر مربع، وهي تتعرض لحوالي 1850 ساعة شمسية خلال العام، كما أنها أراضي مملوكة للدولة مما يسهل من استثمارها في ظل دعم الدولة لهذه المشاريع.

عوائق تمويلية

يشكل التمويل أكبر عائق يواجه انتشار إنتاج الطاقة المتجددة عبر العالم بصفة عامة وسورية بصفة خاصة، وبالتالي يحتاج الاستثمار في مشروعات الطلاقة المتجددة إلى تضافر الجهود الدولية لتوفير عنصر التمويل والتكنولوجيا، فوجهت سورية مؤخراً أنظارها على موارد الطاقة المتجددة كغيرها من دول العالم بغية تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز أبعاد التنمية المستدامة من خلال تطوير الطاقات المتجددة والتي تتمحور حول تثمين الموارد غير النابضة والحفاظ على البيئة واستدامة الموارد الأحفورية، وذلك بفضل ما تمتاز به من قدرات من الطاقة المتجددة خاصة الشمسية مما قد يوفر كماً من الكهرباء.

نتائج البحث

يعد قطاع الطاقة المتجددة من البدائل الاستثمارية الهامة في العالم إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح، فهي مصدر متجدد ومتواجد بكثرة في الطبيعة وصديق للبيئة، حيث يمكن أن تحل محل الطاقات التقليدية في المستقبل، لأن نجاحها يترتب عليه مكاسب اقتصادية كبيرة، ووضع اجتماعي أحسن، مع سلامة البيئة المحيطة. لهذا كانت أهم التوصيات التي تحدث عنها الباحث جميل عيسى ورفاقه هي: دعم التكنولوجيا وتشجيع البحث العلمي وترقيته في مجال تمويل الطاقات المتجددة، وإشراك رجال الأعمال والقطاع الخاص في هذا الاستثمار والتشارك بين القطاعين العام والخاص، الأخذ بالتجارب الدولية الناجحة وتشجيع المبادرات الإقليمية والدولية.