يتجه الباحثون والأساتذة اليوم من خلال مخابر أبحاث المبيدات المتواجدة في مديرية وقاية النبات بكلية الهندسة الزراعية إلى إنتاج مبيدات متطورة للعالم من مواد رخيصة موجودة في البيئة المحلية وأكثرها توفراً هي مادة "الرمل" الذي يتم منه تصنيع السليكون.
هذا النوع من الرمل موجود في الساحل السوري وفي صحراء تدمر؛ حيث يمكن أخذ هذه المواد واستخلاص السيلكون منها بأرخص الطرق، وهناك مادة أكسيد النحاس الموجود في الطبيعة وأكسيد الحديد وأكسيد الألمنيوم وكلها مركبات معدنية متوفرة بكثرة في سورية، ويمكن الحصول عليها بأرخص الأسعار.
يقول مدير وقاية النبات الأستاذ الباحث الدكتور زكريا عبد الكريم الناصر: حاولنا استخدام هذه المواد بطريقة طبيعية وإضافتها إلى المستخلصات الطبيعية التي هي نباتات إكليل الجبل والمردقوش والطيون لكون موطنها الرئيسي في سورية، ولكونها نباتات متجددة وطبيعية تحتوي مواد فعالة جداً في مكافحة الحشرات. وأكد أن استخدامها يعتبر نوعاً من أنواع التقليم لهذه النباتات لكي تنمو بشكل أفضل وتتجدد في الطبيعة، وبنفس الوقت الاستفادة منها في تحقيق صناعة محلية تخفف من عملية الاستيراد للمبيدات.
وتحدث عن إمكانية استخلاص أكسيد السيلكون وأكسيد الألمنيوم من الرمل ومن المناجم بتراكيز عالية وتستخدم معه المبيدات الخضراء بالتصنيع الحيوي النانوي الدقيقة، كما يمكن إضافة بعض التراكيب المنخفضة من المبيدات الصناعية للحصول على مبيدات خضراء صديقة للبيئة تغني عن عملية الاستيراد. وهي مبيدات منخفضة السمية ولا تشكل خطراً على الكائنات غير المستهدفة مثل الحشرات النافعة والطيور، وذلك عبر عملية تخمير بعض المواد الطبيعية التي أعطت فعالية في تخفيض آثار التخزين والحشرات.
تفاصيل الدراسة
بالعودة إلى صلب الدراسة فهي تخص مكافحة الفطور المسببة للعفن بالنسبة إلى العنب. ومن المعروف أن العنب في سورية يزرع على مساحات تقدر بنحو 45180 هكتاراً، ويتميز بوجود العديد من الأصناف المزروعة كما تتميز ثماره بغناها بنوعين من السكر (الغلوكوز والفركتوز)، وباحتوائها على العديد من الفيتامينات والأملاح المعدنية ومضادات الأكسدة، إلا أن هذه الكروم تهاجم بالعديد من الأمراض الفطرية أهمها: البياض الزغبي والبياض الدقيقي والعفن الرمادي (B. cinerea) والفطر المسبب لهذا العفن يهاجم العديد من النباتات من فصائل مختلفة ويصيب جميع أصناف العنب، فتنتقل الإصابة بالفطر من الحقل إلى المخزن، وتكون أعلى درجات خطورة الإصابة بالفطر عند تشكل عناقيد العنب في الحقل والمراحل الحساسة للإصابة بالمرض هي مرحلة الإزهار وعقد الثمار. ويمكن أن تظل الإصابة كامنة أو خاملة حتى إعادة التنشيط بوجود الظروف المناسبة، وتسبب أعفان التخزين خسارة لثمار العنب تتراوح ما بين 30 و 50%.
كان ذلك دافعاً قوياً لاستمرار الأبحاث في مكافحة هذه الآفات، ومنها الدراسة البحثية التي عمل عليها الأستاذ الدكتور زكريا عبد الكريم الناصر أستاذ في قسم وقاية النبات كلية الزراعة في جامعة دمشق بالتعاون مع الدكتور عبد النبي بشير ومضر الحشيش وهو طالب دكتوراه في قسم وقاية النبات كلية الزراعة خلال عامي 2023_2024.
في مخبر أبحاث المبيدات بقسم وقاية النبات في كلية الزراعة بجامعة دمشق، تم تقييم دور المستخلصات المائية لأوراق إكليل الجبل (والخزامى والمردقوش من العائلة الشفوية)، وجسيمات الفضة والزنك والنحاس المصنعة منها بالطريقة الخضراء في تثبيط مشيجة الفطر في الوسط المغذي PDA في المختبر. تحت عنوان "فعالية التصنيع الحيوي الأخضر لجزيئات الفضة والزنك والنحاس النانوية من مستخلص بعض نباتات من الفصيلة الشفوية في مكافحة مرض العفن الرمادي على العنب".
البدائل الحديثة
ولفت الناصر إلى تجارب عدة متبعة على مستوى عالمي لمكافحة العفن الرمادي، غير أنّ استخدام المبيدات الكيميائية له أضرار على البيئة وصحة الإنسان وظهور سلالات مقاومة من الفطريات. وعليه بدأ استخدام بدائل المبيدات في مكافحة أمراض النبات ومنها أعفان التخزين، ومن أهم هذه البدائل الزيوت العطرية والمستخلصات النباتية والتي أعطت فعالية جيدة، ولم تظهر التراكيز المستخدمة أي سمية على عناقيد العنب.
وأوضح الناصر أن الأبحاث الحديثة تتجه لاستخدام تقانات التصنيع الحيوي والتصنيع الأخضر النانوية للمركبات في مكافحة أمراض النبات. ومن بين أهم المركبات المستخدمة لذلك أكسيد الزنك وهو مركب سهل التحضير وآمن على البيئة والإنسان. كما أن هناك دراسات لاستخدام بعض الجسيمات النانوية لمكافحة مرض العفن الرمادي على ثمار العنب والتي بينت أن تركيز المواد عند 3 غرام/ ليتر خفض حدوث الإصابة بالفطر إلى 50% بالمتوسط. كما استخدمت جسيمات أكسيد النحاس النانوية في مكافحة أمراض النبات، وتعد جسيمات الفضة المصنعة بالطرق الخضراء ذات تضاد ميكروبي وفطري.
بالعودة إلى الدراسة التي قام بها الباحث زكريا مع رفاقه نجد أن المستخلصات المائية للمردقوش والخزامى وإكليل الجبل كانت منخفضة الفاعلية في تثبيط مشيجة الفطر B.cinerea في الوسط المغذي. وتفوقت جسيمات الزنك المصنعة من المستخلصات المائية للمردقوش والخزامى وإكليل الجبل على المستخلصات المائية وجسيمات الفضة والنحاس النانوية. فقد بلغت النسبة المئوية لتثبط مشيجة الفطر لجسيمات الزنك المصنعة عند التركيز 25 ميكرون/مل في وسط مغذ: 96.18 و82.56 و70.50 % على الترتيب. ودُرست فاعلية المستخلصات المائية للنباتات المدروسة وجسيمات الفضة والزنك والنحاس النانوية في مكافحة فطر B. cinerea على ثمار العنب الأحمر صنف (Red Globe) بعد إجراء العدوى الصناعية والتخزين عند درجة حرارة المختبر لمدة 30 يوماً.
تبين من النتائج تفوق معنوي لجسيمات الزنك النانوية المصنعة من مستخلصات هذه النباتات وتم استنتاج إمكانية استخدام جسيمات الزنك والفضة المصنعة بالطريقة الخضراء من المستخلصات المائية في مكافحة فطر العفن الرمادي على العنب بالمخزن كمبيدات فطرية.
تباين الفاعلية
تم تحليل النتائج باستخدام برنامج التحليل الإحصائي SPSS. 20، حيث استخدم التصميم العشوائي التام ودُرست فاعلية المستخلصات المائية لأوراق النباتات المذكورة وجسيمات النانو للفضة والزنك والنحاس المصنعة بالطريقة الخضراء في تثبيط نمو مشيجة الفطر B. cinerea. ووجد تباين في فاعلية المعاملات المختبرة في تثبيط نمو الفطر في الوسط المغذي وذلك وفقاً للنوع النباتي والعنصر المعدني المستخدم والتركيز.
نتائج هامة
يبين الدكتور الناصر أن المستخلصات المائية لأوراق المردقوش والخزامى وإكليل الجبل لها فاعلية منخفضة في تثبيط نمو مشيجة الفطر B. cinerea مقارنة بجسيمات الفضة والزنك والنحاس المصنعة منها في الوسط المغذي. وقد أعطت جسيمات الزنك والفضة النانوية أعلى فاعلية في تثبيط مشيجة الفطر في المخبر. وخفضت نسبة حدوث وشدة الإصابة بمرض العفن الرمادي على حبات العنب في المخزن. وعليه فهو يوصي بدراسة وتقييم دمج جسيمات المعادن النانوية المصنعة بالطريقة الخضراء مع المبيدات الفطرية الموصى بها في مكافحة هذا المرض في المخزن لخفض كمية المبيدات المستخدمة وآثارها السلبية، ومتابعة دراسة تأثيراتها الجانبية والأثر المتبقي قبل تعميم استخدامها.
كما يوصي بضرورة تعاون الجهات المعنية وتقديم الدعم للاستفادة من نتائج هذه الأبحاث من قبل وزارة الزراعة ووزارة التعليم العالي للانتقال من الجانب المخبري والجانب نصف الحقلي عبر الأصص والمرطبانات إلى الجانب الحقلي بالكامل، لكي يتم استخدامها بشكل أوسع وتقديمها للمزارع.