تحمل كتاباً مبعثر الأوراق، غنيّاً وقيّم المحتوى وتحاول أن تحتفظ به لأهميته، وتحزن على تلفه، لتعرف بالمصادفة عن وجود مكتبة راميتا التي تعيد كتابك إلى سابق عهده، بل وأفضل مما كان.
مرحلة التأسيس
تأسست مكتبة راميتا عام 1997 نتيجة تعاون صديقين، أحدهما الدكتور إبراهيم علي محمد الذي اقترح فكرة تأسيس المكتبة وقدم رأس المال، والآخر مالك محمد جليكو الذي قدم خبرته في التجليد الفني للكتب، ووقع الاختيار على اسم "راميتا" لأنه من الأسماء القديمة لمدينة اللاذقية وكون المهنة لها علاقة بالتاريخ.
فكانت البداية بسيطة وعفوية، واستطاعت المكتبة أن تثبت وجودها في مجال التجليد الفني وترميم الكتب نتيجة تواجد الخبرة العالية للمهنة، وتقديم عمل متقن وجميل لرواد المكتبة، كما قال مالك جليكو مسؤول قسم التجليد الفني في المكتبة.
ويتابع مالك الحديث عن الفترة التي تلت التأسيس والتي شهدت تصاعداً ونجاحاً: "اهتمام الناس بالقراءة والمطالعة وشراء الكتب قبل عام 2011 لعب دوراً كبيراً في نجاح عملنا، خاصة وأن نسبة القراء كانت 35% وكانت النسبة الأكبر من نصيب محافظتي اللاذقية وطرطوس بحسب تقارير قرأتها صادرة عن وزارة الثقافة السورية، فقد كانت فترة ذهبية حيث قصدنا الكثير من الناس لتأمين كتب غير متواجدة في المكتبات، إضافة إلى أننا كنا نُعلن عن توافر الكتب الجديدة والتي استطعنا توفيرها، وتعتبر تلك المرحلة ذهبية بسبب وجود تنافس بين القراء على اقتناء الكتب وقراءة كل ما هو جديد، إضافة إلى وجود الإمكانيات المالية في تلك الفترة، وكان ولا يزال اهتمام المكتبة بالكتب التي تهتم بتاريخ سورية والكتب والمراجع العلمية".
عمل المكتبة
تهتم مكتبة راميتا بالحفاظ على الكتاب من الجانب الفني كتجليده وترميمه وإعادته إلى وضعه الطبيعي والأصلي، ويتحدث مالك عن اهتمامات المكتبة وعملها: "تهتم مكتبة راميتا بترميم الكتب القديمة وإعادتها إلى شكلها السابق مع الحفاظ على شكل الكتاب ومضمونه، كما نعمل على توفير الكتب غير الموجودة في السوق عند طلبها. أما رواد مكتبة راميتا فهم من المهتمين بالكتب العلمية والمراجع والمهتمين بتاريخ سورية القديم، وبفضل عملنا المتقن في إعادة رونق الكتاب القديم أصبح روادنا من داخل وخارج البلاد ولم يقتصروا على أهالي اللاذقية فقط، فيأتون إلينا مع كتبهم القديمة ليعودوا بعد فترة ويأخذوها جديدة كأنهم اشتروها للتو، وكثير من الأفراد كانوا يجلبون كتباً علمية أو تاريخية ويطلبون منّا أن نقوم بنسخها وتجليدها ليتمكنوا من الاحتفاظ بها في مكتباتهم المنزلية".
تجليد الكتب
يمّر الكتاب الذي يخضع للتجليد الفني في 27 مرحلة، ويماثل عملهم في المكتبة عمل البنّاء الذي يبدأ بالأساسات المتينة التي تضمن بناء قوياً ومتيناً. وعن مراحل وأنواع التجليد في المكتبة يتحدث جليكو: "نقوم بتأسيس الكتاب بطريقة علمية ومهنية دقيقة درسناها بشكل علمي، ليتنقل الكتاب بعدها عبر مراحل مختلفة ويصل في النهاية إلى مرحلة التخطيط والكتابة على الغلاف الذي يقوم به خطاط يعتبر الأول على سورية، وطبعاً هناك عدّة أنواع للتجليد؛ التجليد الفني الذي تحدثنا عنه الآن، والنوع الثاني التجليد العادي ويمّر بخمس مراحل كتجليد الكتب الجامعية وهو تجليد عادي كرتوني، أما النوع الثالث فهو تجليد الراصور المعدني الذي يمر بمرحلتين فقط وهو أسوأ أنواع التجليد لأن عمّره قصير ويفضله طلاب المدارس والجامعات لسهولة استخدامه ولأن استخدامهم للكتب آني ينتهي مع انتهاء العام الدراسي".
بعض أعمال المكتبة
قدمت المكتبة الكثير من خدمات تجليد الكتب للعديد من الأفراد والمؤسسات والجهات الحكومية والخاصة، ويذكر لنا جليكو بعض الجهات التي قدمت المكتبة خدمات تجليد الكتب لها: "نعتبر رواد تجليد الكتب في سورية، لأننا نجدد الكتاب القديم طبعاً في حالة سلامة أوراقه، لذا كان لنا تعاون مع العديد من الجهات. فعلى سبيل المثال قمنا بترميم حوالي 75 كتاب قداس للكنيسة المارونية، وكانت حالة الكتب تالفة التجليد والأوراق مبعثرة، وكانت تقانة العمل وعودة الكتب جديدة مفاجأة كبيرة لأسقف الكنيسة. وفي عام 2022 وبعد تعرض اللاذقية لكارثة الزلزال تأثر مبنى والكتب المتواجدة في كاتدرائية مارجريوس التي تقع في سوق الذهب، وعملنا على إعادة ترميم كتب الكاتدرائية وإعادتها إلى وضعها القديم مع رسم الصليب على غلافها وعادت جديدة. كما رممنا الكتب في كنيسة مار الياس في منطقة الفاروس، كما عملنا على ترميم وتجليد كتب علمية وقواميس للعديد من الأشخاص وأغلبهم من دكاترة الجامعات. كما قدمنا العديد من خدمات تجليد الكتب للجامعات الخاصة كجامعة الأندلس، وتعاملنا مع جهات حكومية كجامعة تشرين وكنا نقوم بتجليد مجلة الجامعة وتم انتقاؤنا لسرعة وتقنية العمل، إضافة إلى تعاملنا مع الأكاديمية العربية للنقل والعلوم والتكنولوجيا. وكنا نؤمّن لهم جميع مستلزماتهم في التجليد من كتب ومراجع. ونتيجة لعملنا المتقن قامت الكنيسة المارونية بإقامة صلاة شكر لنا للعمل الذي قدمناه لهم".
ويتابع الحديث عن نقل خبراتهم في التجليد إلى لآخرين ويقول: "أقمنا دورة تدريبية في كيفية الحفاظ على الكتاب وتجليده لكادر مكتبة الأطفال العمومية، وشرحنا كيفية التعامل مع الكتاب والحفاظ عليه وترميمه، كما قمنا بتجليد وترميم الكتب المتواجدة في المكتبة".
عمل المكتبة في ظل التقنيات الحديثة
لا تزال مكتبة راميتا تعتمد على التجليد اليدوي بالرغم من ظهور العديد من التقنيات الحديثة في الخارج وذلك بسبب غلاء أسعارها، كما أن التطور التقاني وظهور الكتب الإلكترونية كان له أثره في المجال العلمي فقط وخاصة بالنسبة إلى طلاب الجامعات الذين يضطرون لقراءة مراجعهم العلمية إلكترونياً توفيراً للمال، لكن التأثير كان بسيطاً من جانب الروايات والأدب والتاريخ.