يشكل البحث العلمي أحد أهم وظائف الجامعات، وأصبح الاهتمام به ضرورة ملحة في ظل ثورة المعلومات والانفجار المعرفي، وهو أهم متطلبات المجتمع للوصول إلى التقدم العلمي والاقتصادي. ولقد كانت سورية من الدول التي اهتمت بهذا الجانب من خلال إحداث الهيئة العامة للتقانة الحيوية منذ عام 2003 حيث تم افتتاحها رسمياً كهيئة بحثية تتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ولها مهام كبيرة في ردم فجوة التقنيات الحيوية وتسريع إدخالها وتوطينها وتنسيق الجهود بين المؤسسات المعنية بهذه البحوث.
مدير عام الهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور نزار عيسى تحدث "للبوابة المعرفية" حول أهم الأغراض العلمية التي يجب تحقيقها عبر الهيئة والتي تتعلق بالتنسيق مع الجهات المعنية ببحوث التقانة الحيوية وتنميتها، ومنها إجراء البحوث وتطبيقاتها الزراعية والصحية والبيطرية والغذائية والبيئية وتطوير الخبرات الوطنية في مجالات التقانة الحيوية وتوفير التسهيلات اللازمة لبحوث الماجستير والدكتوراه من خلال مساعدة طلاب الدراسات العليا، وكذلك البحوث المفردة التي يقوم بها أعضاء الهيئة التدريسية من كافة الجامعات السورية العامة والخاصة في مخابر وأقسام الهيئة حيث تتبع لهذه الهيئة عدة أقسام تهتم وتعنى بكافة مجالات الحياة.
وأشار العيسى إلى ثمانية أقسام ومخابر شاملة لكل مجالات البحث العلمي التقاني وهي: "مخبر التقنيات النباتية والذي يعني بزرع الخلايا والأنسجة، ومخبر الحيويات الجزيئية النباتية، ومخبر التقنيات الحيوية الطبية سواء كانت خلوية أم جزيئية، ومخبر التنوع الحيوي الذي يعنى بدراسة التنوع النباتي والحيواني على كافة أراضي سورية، ومخبر الأمراض النباتية والفيروسية، وهناك مخبر الحيويات الدقيقة الطبية والبيطرية الذي يعنى بشأن الإنتاج الحيواني، والمخبر المناعي الذي يعنى بدراسة الأدوية والمواد الصيدلانية والمواد الأولية بالإضافة إلى العلاجات الوراثية المتعلقة بالسرطانات وبحوث الخلايا الجذعية".
التوطين البحثي
عملت الهيئة العليا للبحث العلمي على موضوع نقل وتوطين التقانة من خلال فتح مكاتب بحثية في مختلف الجامعات والمؤسسات العلمية المعنية بهذا الجانب، فكان للهيئة العامة للتقانة الحيوية دور بارز في دعم ومتابعة موضوع البحث العلمي. يبين الدكتور نزار عيسى وجود اجتماعات دورية لهذه المكاتب يتم من خلالها طرح البحوث القابلة للاستثمار بالتعاون مع وزارة الاقتصاد وجانب من المستثمرين بهدف وضع هذه البحوث حيز التطبيق. وأشار إلى أن الهيئة في عام 2023 كان لديها ما يقارب 55 نشرة علمية، 20 منها هي نشر خارجي، وتأتي ضمن المحاور البحثية التي تطرحها الهيئة. بالإضافة إلى بحوث مشتركة مع طلاب الدراسات العليا "الماجستير والدكتوراه" التي يمكن أن تكون مسجلة في الجامعات الحكومية، وهناك نشرات متعلقة ببحوث خاصة يقوم بها باحثون من الجامعات غير الحكومية.
المسؤولية المادية
يشكل الجانب المالي أمراً هاماً في موضوع إنجاز البحث العلمي أو حتى انتقاله إلى حيز التطبيق، ويكون السؤال كيف ومن يمول البحث العلمي؟ وعليه يبين رئيس الهيئة بأن بحوث طلاب الماجستير والدكتوراه ممولة من الجامعات التي تتبع لها، أي أن الطالب يتحمل نفقات بحثه من قبل جامعته. أما بالنسبة إلى الهيئة العامة للتقانات الحيوية فهي تقدم الخدمات اللوجستية "الأجهزة والمخابر وتوفير المكان". أما بالنسبة إلى البحوث الخاصة بالهيئة، فيتم تمويلها من الموازنة الجارية والوازنة الاستثمارية للهيئة العامة للتقانة الحيوية. مسألة التطبيق البحثي أو الاستثمار تتعلق بوجود جهات عامة أو خاصة تعمل على استثمار البحث بشروط معينة متفق عليها.
محاور بحثية
تعمل الهيئة وأسوة بباقي الهيئات في الدول الأخرى على المستوى الجزيئي والبروتينات واستخدام التقانات الحديثة؛ حيث يتم حالياً اعتماد المعيار الجزيئي سواء فيما يتعلق بالتنوع الحيوي أو فيما يتعلق بالتشخيص. وهي تخدم بالدرجة الأولى القطاع الصحي والزراعي وخاصة فيما يتعلق ببحوث السرطان وبحوث الخلايا الجذعية. وهناك محاور بحثية تتعلق بالنبات مثل دراسة التباين الوراثي لفطر الصدأ على القمح والتحري عن السموم الفطرية في المحاصيل الزراعية والغذاء، واكتشاف العدوى التي تتسبب فيها بكتيريا معينة أو فطر معين والتي يصعب اكتشافها بالاعتماد على بالوسائل التقليدية.
تقاطع علمي
هناك تقاطع كبير ما بين الهيئة العامة للتقانة الحيوية وكليات الزراعة في الجامعات الحكومية كافة، وهناك عدة أقسام في الهيئة العامة للتقانة الحيوية تعنى بالجانب الزراعي. فهناك مخبر التقانات الطبية، ومخبر التقانات الحيوية للتخمير، ومخبر التقانات الزراعية. وبالتالي عمليات هذه المخابر الموجودة بالهيئة يمكن أن تخدم وبشكل كبير البحوث التي تجرى في كلية الزراعة طالما أن الإمكانيات المتاحة من حيث الكادر البحثي والأجهزة والمعدات. كما أن هناك تعاوناً من حيث الإشراف على طلاب الدراسات العليا، وقد يكون إشرافاً مشتركاً بين الهيئة وكليات الزراعة سواء على رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه.
وحول موضوع النشرات العلمية سواء كانت داخلية أم خارجية، فقد أكد مدير عام الهيئة أن هذا الأمر يتعلق بالظروف الراهنة وخاصة الظروف المتعلقة بالطاقة والتي لها تأثير كبير في موضوع الإنجاز البحثي. فعلى سبيل المثال في عام 2023 كان هناك تراجع في عدد الأبحاث المنجزة عن عام 2022 بسبب عدم استقرار الطاقة وتوفرها. ففي عام 2022 كان هناك 60 نشرة داخلية و60 نشرة موزعة ما بين النشر الداخلي والنشر الخارجي، إلا أن هذا الرقم تراجع إلى 55 نشرة في عام 2023 بسبب ظروف عدم توفر الطاقة وانقطاع الكهرباء والأعطال. وأشار إلى أن الهيئة تداركت هذا الأمر مؤخراً من خلال تركيب منظومة طاقة شمسية بديلة عن التيار الكهربائي التقليدي. وهناك توقعات أن يكون النشر في عام 2025 أفضل بكثير مقارنة مع الأعوام السابقة، على اعتبار أن المنظومة الشمسية سوف تدخل حيز العمل قريباً.