في علم الفلك وعلم الكون، المادة المظلمة أو المادة المعتمة أو المادة السوداء أو المادة الخفية (بالإنجليزية: Dark matter)‏ هي مادة افتُرضت لتفسير جزء كبير من مجموع كتلة الكون. لا يمكن رؤية المادة المظلمة بشكل مباشر باستخدام المقاريب، حيث من الواضح أنها لا تبعث ولا تمتص الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي آخر على أي مستوى هام.

دعمت سلسلة من الملاحظات في الثمانينيات وجود المادة المظلمة، بما في ذلك عدسة الجاذبية للأجسام الخلفية بواسطة مجموعات المجرات، وتوزيع درجة حرارة الغاز الساخن في المجرات والمجموعات، ونمط تباين الخواص في الخلفية الكونية الميكروية. لكن المعضلة التي واجهت العلماء أنهم لم يتمكنوا حتى الآن بعد مئات التجارب وعقود من البحث العلمي من إثبات وجود المادة المظلمة. في آخر الأبحاث عنها تعثر العلماء بعقبة جديدة فتحت الباب أمام آفاق علمية غير مسبوقة في الكشف عن النيوترينو بدل العثور على ما يسعون وراءه. والتفاصيل بدأت تتكشف أمام العلماء عندما وجدوا أن "ضباب" النيوترينو قد بدأ في التشكل.

بدأت الجسيمات دون الذرية خفيفة الوزن المسماة النيوترينوات في شق طريقها إلى بيانات التجارب غير المصممة لاكتشافها. فقد أفاد علماء الفيزياء أن تجربتين، صممتا للكشف عن جسيمات المادة المظلمة، تمكنتا من التقاط لمحات أولية من النيوترينوات المولودة في الشمس.

وتقول عالمة فيزياء النيوترينو كيت شولبيرغ من جامعة ديوك، والتي لم تشارك في البحث: "إن هذا لانتصار كبير حقاً". إن رؤية هذه النيوترينوات هي علامة طال انتظارها على تحسن أداء أجهزة الكشف. وتضيف شولبيرغ: "إنه في الواقع إنجاز مهم".

وتدل هذه الظاهرة المعروفة باسم "ضباب النيوترينو" إلى طريقة جديدة لدراسة الجسيمات دون الذرية التي يصعب اكتشافها. ولكنها تشير أيضاً إلى بداية النهاية لكاشفات المادة المظلمة من هذا النوع، والتي تهدف إلى اكتشاف الجسيمات الضخمة غير المحددة التي تشكل كتلة الكون. ومع تزايد قدرة هذه الكواشف، يمكن لضباب النيوترينو أن يحجب العلامات المحتملة للمادة المظلمة.

أفاد علماء الفيزياء في العاشر من تموز في ورشة العمل الدولية حول تحديد المادة المظلمة في لاكويلا بإيطاليا أن تجربة XENONnT (تُلفظ "xenon n-ton")، في مختبر غران ساسو الوطني في إيطاليا، أظهرت علامات على النيوترينوات التي أنتجت في الشمس. وأفاد الباحثون في ورشة العمل في الثامن من تموز وفي ورقة قدمت في الخامس عشر من تموز إلى arXiv.org أن تجربة PandaX-4T، في مختبر China Jinping تحت الأرض في ليانغشان، أظهرت أدلة مماثلة.

ويقول الفيزيائي نينغ تشو من جامعة شنغهاي جياو تونغ، وهو نائب المتحدث باسم بانداكس: "إن هذه النتيجة تفتح باباً جديداً لاستخدام أجهزة الكشف الخاصة بنا لدراسة النيوترينوات والبحث عن ظواهر فيزيائية جديدة مرتبطة بها".

في عمليات الاندماج النووي التي تغذي الشمس، تنتج أعداد كبيرة من النيوترينوات في مجموعة متنوعة من التفاعلات المختلفة، وقد نشرت نتائج تلك الدراسات في موقع Science News بتاريخ 9/1/14. تأتي بعض أكثر النيوترينوات نشاطاً من التحلل الإشعاعي للبورون-8، وهو نوع من البورون يتكون أثناء عملية الاندماج. كان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة أن تكون هذه النيوترينوات منتشرة بما يكفي، ولديها الطاقات المناسبة، كي يتمكنوا من رؤيتها في أجهزة الكشف عن المادة المظلمة. هذا ما وجده كاشف المادة المظلمة.

تحتوي كل تجربة على عدة أطنان مترية من زينون السائل. إذا اصطدم جسيم من المادة المظلمة بنواة ذرة زينون، يمكن للتجارب اكتشاف ارتداد تلك النواة استجابة لذلك، الأمر الذي سوف يكشف عن وجود المادة المظلمة. لكن النيوترينوات يمكن أن تصطدم أيضاً بالنوى الذرية، مما قد يتسبب في ارتداد مماثل، وتكون النتيجة النهائية هي عدم القدرة على العثور على المادة المظلمة.

وقد شوهد هذا النوع من التفاعل، الذي يصطدم فيه النيوترينو بنواة ذرية كاملة بدلاً من بروتون أو نيوترون فردي، لأول مرة في عام 2017 في تجربة COHERENT، باستخدام النيوترينوات من مصدر مختبري، حيث نشر البحث في (SN: 8/3/17). وتمثل التجربتان الجديدتان أولى علامات اصطدام النيوترينوات الناتجة من الشمس بالنواة. وكان العلماء قد اكتشفوا النيوترينوات الشمسية من قبل بوسائل أخرى.

في المستقبل، قد يساعد اكتشاف النيوترينوات الشمسية عبر النوى التي تصطدم بها الفيزيائيين على فهم الجسيمات بشكل أفضل. على سبيل المثال، يمكن للعلماء دراسة إشارة النيوترينو للبحث عن ما قد تكون مفقودة في أجهزة الكشف: نيوترينوات "عقيمة" افتراضية لن تتفاعل مع المادة على الإطلاق، بصرف النظر عن قوى الجاذبية. قد تكتشف أجهزة الكشف عن المادة المظلمة أيضاً النيوترينوات من مصادر أخرى، مثل النجوم المتفجرة القريبة.

يقول الفيزيائي مايكل مورا من جامعة كولومبيا، وهو عضو في تعاون XENONnT: "من الرائع جداً أن نرى أنه يمكننا تحويل هذا الكاشف إلى مرصد نيوترينو".

لم تحد النيوترينوات بعد من أداء أجهزة الكشف عن المادة المظلمة. ستحجب إشارة النيوترينو الشمسية فقط جسيمات المادة المظلمة منخفضة الكتلة، والتي تقع تحت نطاق الكتلة الذي تفحصه هذه الكواشف بعناية أكبر بحثاً عن المادة المظلمة. لا يزال الطريق طويلا قبل أن تبدأ النيوترينوات في حجب اكتشاف المادة المظلمة ذات الكتل الأعلى.

لا يزال الجيل القادم من أجهزة الكشف عن المادة المظلمة، بعد XENONnT وPandaX-4T، قادراً على البحث عن المادة المظلمة. لكن المزيد من التحسينات سوف يصبح صعباً. بدلاً من ذلك، يمكن للعلماء الانتقال إلى أجهزة الكشف التي تقيس اتجاه الجسيمات الواردة. وهذا من شأنه أن يسمح للباحثين بالبحث عن التفاعلات المظلمة التي تنشأ بعيداً عن الشمس، الأمر الذي سوف يقود إلى حذف النيوترينوات الشمسية من بياناتهم.

----

بقلم: إيميلي كونوفر

عن موقع: Science News