جهود كبيرة تبذل عند القيام بأي مؤتمر خاص بالبحث العلمي، وتحضيرات تعتمد على كوادر من الباحثين والعاملين في هذا الجانب. ولعل بعض ما جاء في مؤتمر الباحثين السوريين في الوطن والمغترب في نسخته السادسة يشكل مبادرة تقوم بها الهيئة العليا للبحث العلمي في سورية لنقل واستثمار المعرفة، ولتوضيح ما تشرف عليه الهيئة من مشاريع تهم الباحثين وأصحاب قرار مع أهداف أخرى تنطوي على إمكانية المساندة في استثمار هذه الجهود.

ولأننا في زمن التكنولوجيا، زمن الاقتصاد القائم على المعرفة، فلا بد من الإشارة إلى المكانة التي تشغلها سورية في هذا الجانب مقارنة بالمؤشرات العالمية. إذ يبين الدكتور مجد الجمالي رئيس الهيئة العليا للبحث العلمي أن سورية تغيب عن المؤشرات العالمية لأسباب عديدة. وهناك خسارة كبيرة للموارد الطبيعية الأمر الذي يجب أن يدفعنا إلى التركيز على الموارد المعرفية كأولوية كما هو الحال في الكثير من الدول التي لا يعتمد اقتصادها على الموارد الطبيعية بقدر ما يعتمد على الموارد المعرفية. وهذا ما يجب إقناع صناع القرار به.

مؤشرات مركبة

يوضح الجمالي أنه لا يمكن التقدم في الاقتصاد المبني على المعرفة من دون "مؤشر الاستعداد لتبني التكنولوجيا المتقدمة". ولا تستطيع أي دولة أن تقول سأبني اقتصاداً قائماً على المعرفة إلا إذا كان هذا المؤشر عالياً ومدعوماً بالمؤشرات الفرعية التي لها علاقة بالبنية التحتية والاتصالات، وهي مهارات من صنع الجامعات والمراكز البحثية، أي أن المؤشر المتعلق بالبحث العلمي والتطوير يجب أن يكون مرتفعاً حتى نستطيع توطين التكنولوجيا والاستفادة منها.

ويشير إلى أن المسألة ليست شراء أجهزة وتشغيلها، بل يجب تطوير الأجهزة وتطويع التكنولوجيا مع ضرورة وجود نشاطات متقدمة في الصناعة وإمكانية الوصول إلى التمويل المناسب. وإن وجود اقتصاديات حديثة في بعض الدول يشكل فرصة لسورية للذهاب في هذا المسار، وهذا يحتاج إلى تطوير التعليم والبحث العلمي وأدوات استخدامها.

ردم الهوة

الاعتماد على المعرفة وسع التعاون بين الدول المتقدمة والنامية، وبالتالي لا عجب أن يستمر مؤتمر الباحثين السوريين في الوطن والمغترب الذي بدأ منذ عام 2019 لوضع رؤية جديدة لشراكات بحثية وتطبيقية فاعلة بهدف توفير بيئة تواصل فاعلة ومستدامة بين الباحثين في الداخل والخارج

ووفقاً للدكتور الجمالي: الباحثون السوريون خارج سورية كنز غير مستثمر، وطاقات غير مستثمرة بشكل صحيح، وبالتالي على الهيئة امتلاك مؤشرات التعاون معهم وخاصة أن التقديرات تقول: إن عدد الكفاءات السورية من حملة الدكتوراه في المغترب قد تصل إلى ما يقارب أعداد أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات السورية، وهناك الكثير من السوريين خارج سورية لديهم رغبة كبيرة في العطاء ولديهم مواطنة عالية. وهذا يتطلب من المؤسسات الحكومية خلق بيئة مستقطبة لهم من خلال خلق الأدوات المناسبة لذلك.

أما المبادرة الثانية في مجال الاستثمار البحثي، فهي إصدار أدلة بحثية مناسبة لتطوير المقترحات البحثية قبل أن يبدأ الباحث في عمله البحثي. أولهما هو الدليل الوطني لأخلاقيات البحث العلمي والتطوير التقاني. وهذا تم اعتماده من قبل وزارة التعليم العالي لكي يتم رسم خطوط واضحة لما يجب أن يفعله الباحث وما لا يجب أن يفعله. والدليل الآخر الذي تم إطلاقه العام الماضي، هو دليل يأخذ الباحث برحلة منذ بداية التفكير في الفكرة إلى صياغة المقترح البحثي، وهي مرحلة مهمة جداً لإجراء بحث علمي نوعي يوضح منذ البداية مؤشرات حول الفائدة المرجوة منه وإن كانت قابلة للاستثمار أو أنها ستقبع في الأدراج.

المشروع الثاني

وبيّن الجمالي في تقريره أن الهيئة تتابع أكثر من 60 مشروعاً في الوقت الحالي، وقد عملت على تطوير الأدوات والتي في مقدمتها استمارة التقدم لدعم المال بمعايير عالمية، واستمارة لتقييم طلب الدعم المالي، وهي مهمة وموجودة، لأن التقييم هو الخبز اليومي لعمل الهيئة؛ حيث تعمل على تقييم الأبحاث التي تقدم والتقارير العلمية التي يرسلها الباحثون بعد البدء بالعمل بمشاريعهم وتقييم لمجالات علمية وفقاً لاستمارات رصينة جداً.

أما الجديد في هذا التوجه، فهو وجود موقع رسمي للهيئة للتقديم بدون أوراق وجعل التقييم عبر الموقع وكذلك متابعة التنفيذ، أي دون مراسلات. وهذا يسهل العمل على الباحثين وخاصة ممن هم خارج الوطن.

ولفت الجمالي إلى أن التحدي الأساسي لدى الهيئة هو موضوع قابلية التطبيق للمخرجات البحثية قائلاً: نكون متفائلين جداً إذا كانت 25% من البحوث المقدمة قابلة للتطبيق، وخمس هذه البحوث القابلة للاستثمار، أي 5% من أصل 25% وهي نسبة تستثمر في دول العالم، ولكن في سورية النسبة أقل بكثير وهي بحدود واحد بالمائة من المخرجات البحثية.

وأشار إلى أن ذلك كان سبباً في تعاون الهيئة مع الإسكوا لتعزيز منظومة نقل التكنولوجيا في سورية والتي تحتاج إلى ركائز: "ركيزة الجهات المولدة للمعرفة وهي الجامعات والمراكز البحثية، وركيزة وجود قطاعات إنتاجية أو خدمية سواء كانت حكومية أو خاصة، ونقل المعرفة من هذه الجهات إلى هذه الجهات، وركيزة وجود مؤسسات وسيطة لنقلها".

وأخيراً يؤكد أنه لا يمكن الاستثمار بالبحث إلا بحماية الباحث وحماية حقه في الاستثمار وحماية بحثه.