تعد النباتات البقولية من أقدم المحاصيل المعروفة لدى الإنسان، وتأتي في المرتبة الأولى بين المحاصيل الأساسية في تغذية الإنسان والحيوان، فهي مصدر هام من مصادر البروتين والكالسيوم والكربوهيدرات، ومن الفصائل النباتية المهمة في مجال الزراعة حيث تؤدي زراعتها إلى زيادة خصوبة التربة وغناء محتواها بالآزوت المثبت حيوياً. وذلك بفعل بكتريا الريزوبيوم.
هناك علاقة تعايشية بين بكتريا الريزوبيوم مع النباتات البقولية التي تمد الريزوبيوم بمركبات الطاقة اللازمة له، في حين تمد الريزوبيوم النبات بمركبات الآزوت العضوية الناتجة عن التثبيت الحيوي للنتروجين الجوي. وانطلاقاً من أهمية التعمق في هذه المعادلة وما ينتج عنها من أبحاث علمية تطبيقية تخدم المزارعين أولاً والاقتصاد الوطني ثانياً، عمل الأستاذ الدكتور زكريا الناصر رئيس قسم وقاية النبات في كلية الهندسة الزراعية بدمشق بالتشارك مع الدكتور علي يونس من مركز المكافحة الحيوية في الكلية وطالب الدكتوراه المهندس زاهر حامدة، على إطلاق مشروع "إنتاج مخصبات حيوية من بكتريا الريزوبيوم محلية الصنع" وهي العملية التي يطلق عليها اسم التثبيت الحيوي للنتروجين. وبالتالي تستخدم البقوليات كسماد أخضر في تخصيب التربة. وتدخل في نظام الدورات الزراعية.
يبين الدكتور الناصر أن بكتريا الريزوبيوم تستخدم منذ 120 سنة في تلقيح بذور البقوليات، وتعد جمهورية مصر العربية من الدول السباقة بإنتاج الأسمدة الحيوية التي تعتمد على هذه البكتريا المثبتة للنتروجين الحيوي، وخاصة إذ تبين أن تلقيح بذور الفول المصري بالريزوبيوم يعطى زيادة معنوية في محتوى الألياف والرماد والدهون والبروتين. إضافة إلى كون الآزوت من أهم العناصر الغذائية التي يحتاجها النبات بنسبة كبيرة بعد عنصري الكربون والهيدروجين. إن الاستهلاك المستمر للنتروجين من التربة بفعل عوامل عديدة مثل امتصاص النبات له وعمليات الغسل وعكس النترجة، يؤدي إلى خفض نسبته في التربة، ويتم سد النقص الحاصل باستعمال الأسمدة الآزوتية الكيميائية، المكلفة اقتصادياً بالإضافة إلى أن استعمال هذه الطريقة أدى إلى ظهور مشاكل تلوث خطيرة على البيئة نتيجة تسرب النترات إلى المياه الجوفية أو امتصاصه بالنبات وتراكمه بالأنسجة النباتية وبالتالي سمية للمستهلكين.
تثبيت النتروجين
لذلك تم التوجه إلى استخدام الأحياء الدقيقة المثبتة للأزوت الجوي في التربة، ويطلق على هذه العملية اسم التثبيت الحيوي للنتروجين. وهي العملية التي تتم بواسطة بكتريا العقد الآزوتية من خلال العلاقة التعايشية التي تتم بين بكتريا الريزوبيوم وجذور النباتات البقولية، إذ تمنح البكتريا النبات الآزوت الميسر وتأخد منه في المقابل المواد الغدائية اللازمة لها.
وهذه العملية مهمة جداً لأنها تسهم في زيادة محتوى التربة من الآزوت، ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في خصوبة التربة وهي العامل الأهم في زيادة المحاصيل والمزروعات النباتية. فقد تم إثبات أن ما تضيفه الأحياء المثبتة للآزوت حوالي 80 % من جميع ما يضاف من النيتروجين بالطرق الأخرى كالتسميد المعدني والعضوي وغيرهما.
فاعلية التلقيح
وتحدث الدكتور زكريا عن فاعلية تلقيح بذور البقوليات ببكتريا الريزوبيوم على نمو النباتات، انطلاقاً مما أشارت إليه الأبحاث في أن تلقيح بذور فول الصويا ببكتريا العقد الجذرية أدى إلى زيادة كمية البروتين والحاصل الكلي للنبات. وتلقيح بذور الحمص بالريزوبيوم أدى إلى زيادة في عدد العقد الآزوتية ووزن 100 بذرة وإنتاجية المحصول من الحبوب بنسبة (70-72 %).
فكان أهم ما توصل إليه الأستاذ الدكتور زكريا الناصر مع فريقه البحثي الدكتور علي يونس خبير بمركز المكافحة الحيوية والمهندس زاهر حامدة من كلية الهندسة الزراعية أنهم وجدوا: أنّ نباتات فستق السوداني الملقحة ببكتريا العقد الجذرية تفوقت معنوياً في حاصل النبات والبذور مقارنة بالنباتات غير الملقحة. وأنّ لبكتريا الريزوبيوم إضافةً لفاعليتها في تثبيت الآزوتي الجوي لها، فاعلية في التضاد مع الفطريات الممرضة للنباتات، فهي تنتج بعض المواد والأنزيمات التي تعمل على تثبيط نمو الفطريات المسببة أمراض أعفان الجذور.
وعليه فقد قام الفريق بعزل وتعريف عزلات من بكتريا الريزوبيوم المتخصصة ببعض النباتات البقولية. وتم تعريفها وتنقيتها وتأكيد قدرتها في تشكيل العقد الجذرية على النباتات البقولية وكفاءتها العالية في تثبيت النتروجين الجوي. وقد تم إنتاج مستحضرات أولية من هذه البكتريا المثبتة للآزوت الجوي وتم تحميلها على مواد طبيعية رخيصة متوفرة بشكل كبير في سورية.
ويتم العمل الآن على اختبار قدرة مستحضرات بكتريا الريزوبيوم على التخزين لفترة لا تقل عن سنة مع حفظ هذه البكتريا على حيويتها وقدرتها في تشكيل العقد الجذرية وكفاءتها في تثبيت الأزوت الجوي. والمردود الاقتصادي من استخدامها. بهدف تقديم مخصبات حيوية رخيصة من البيئات المحلية للمزارعين.