يتجه العالم اليوم نحو إنتاج أدوية ومستحضرات تعتمد على الخلاصات النباتية، وتستخدم هذه الأدوية في الدول المتقدمة والنامية حالياً من قبل نسبة كبيرة من السكان، فعلى سبيل المثال هناك ما لا يقل عن 100 مليون شخص حالياً في أوروبا يستخدم الأدوية النباتية.

هذا الأمر تناوله الدكتور لؤي العلان مدرس في كلية الصيدلة بجامعة دمشق في ورقة بحثية من خلال عدة محاور ركز خلالها على موضوع المهدئات والمنومات النباتية، الاكتئاب والنباتات المستخدمة بعلاجه، الإرهاق النفسي وعلاجه بالنباتات الطبية، وعلاج الآلام العصبية بالزيوت العطرية. وهو بهذا يجيب عن تساؤلات الكثيرين فيما يخص إمكانية الاستعاضة بالأدوية النباتية كعلاج بديل أو مكمل في علاج اضطرابات الجهاز العصبي وخاصة القلق والاكتئاب.

لماذا الاضطرابات العصبية؟

يبحث الدكتور العلان في إيجاد حلول آمنة لبعض الاضطرابات العصبية انطلاقاً من بعض الإحصائيات المتعلقة بها مثل "الأرق والاكتئاب والإرهاق" حيث يرتبط حوالي واحد من كل تسعة وفيات بشرية باضطرابات الجهاز العصبي المركزي على مستوى العالم، ويعيش ما لا يقل عن 28% منهم بأحد أشكال الإعاقة في مرحلة ما من حياتهم نتيجة لاضطراب في الجهاز العصبي. ويعتبر الاكتئاب أحد أكثر أسباب الإعاقة شيوعاً على مستوى العالم مقارنة باضطرابات الجهاز العصبي المركزي الأخرى. مشيراً إلى التوجه الجديد عالمياً نحو استخدام الأدوية النباتية، بحيث أصبح هناك شخص واحد من كل خمسة أشخاص في الدول المتقدمة يستخدم هذه الأدوية بانتظام ويفضلون الرعاية الصحية التي تشمل الطب النباتي.

وأوضح الدكتور العلان: أن حمض الفالبرويك وليسديكسامفيتامين وغالاشامين وأيومورفين هي أدوية خط أول تستخدم حالياً لعلاج الصرع واضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط ومرض الزهايمر ومرض باركنسون على التوالي، ويتم الحصول على المركبات الفعالة بيولوجياً من الأصل النباتي. هذا وقد وافقت العديد من السلطات التنظيمية مثل إدارة الغذاء والدواء على بعض الأدوية النباتية بما في ذلك الأبومورفين المستخرج من المورفين. وهناك تقارير تعود لعام 2013 تبين أن إدارة الغذاء والدواء وافقت على ما لا يقل عن 307 منتج طبيعي ومشتقاتها من النباتات والكائنات البحرية والفطريات والبكتريا.

مؤشرات مرجعية

اعتمد الباحث في ورقته التي قدمها خلال مؤتمر "الصحة عالم الحياة" على بعض الإحصائيات ومنها أن ارتفاع نسبة انتشار اضطرابات الصحة العقلية في آخر 12 شهراً في أمريكا، ووجود ما يعادل 237 مليون شخص يعانون من الأرق على مستوى العالم، وعليه فإنه من المهم الاعتماد على المهدئات والمنومات النباتية التي يتم استخدامها للتوتر المعتدل واضطرابات القلق والأرق بدلاً من الوصفات والمهدئات التقليدية الكيميائية.

وأشار الدكتور لؤي إلى بعض الاستطبابات الأساسية في هذا الجانب ومنها استخدام جذر الفاليريان والمستحضرات المستخدمة منه لمعالجة الهياج العصبي واضطرابات النوم العصبي وشكاوى القلب العصبية ومتلازمة القولون العصبي واضطرابات العدة الوظيفية، ويمكن تعزيز تأثيرات الفاليريان عن طريق مزجه مع نباتات طبية أخرى مثل حشيشة الدينار لاضطرابات النوم العصبية.

العلاج بالزيوت العطرية

تحدث الدكتور لؤي العلان حول علاج الآلام العصبية بالزيوت العطرية حيث اشتهر زيت اللافندر وهو واحد من أكثر الزيوت شهرة ودراسة بسبب خصائصه المسكنة والمضادة للالتهابات، وهناك مركبات في هذا الزيت مثل اللينالول وأسيتات اللينالول لها خصائص مسكنة قوية تساعد في حجب إشارات الألم العصبي. وقد أظهرت الأبحاث أن زيت اللافندر يقلل من التهاب الأعصاب ما يؤدي إلى تقليل الألم العصبي وأعراضه. وأشار إلى دراسة تعود إلى عام 2015 تبين أن تطبيق زيت اللافندر يمكن أن يخفف الألم بفعالية تعادل دواء الأفيون ترامادول دون أثار جانبية، وإلى دراسات أخرى حديثة تبين أن زيت اللافندر يقلل استنشاقه من شدة الصداع النصفي ويعزز إنتاج ABA في الدماغ الذي سيقلل من النبضات العصبية ويقلل من إشارات الألم ويحسن جودة النوم ويقلل من شدة الألم العصبي.

أقل كلفة

تم التركيز من قبل الباحث على المركبات الفعالة بيولوجيا والتي تستخلص من النبات، إذ لا يتم استخدام كامل النبات وإنما هناك عملية عزل واستخلاص للمركب البيولوجي الذي يضاف إلى الدواء، ويمكن أن يحول إلى كبسولات أو غيرها ضمن دراسات علمية دقيقة. وبيّن في ختام ورقته البحثية أهمية المستحضرات النباتية في علاج أمراض الاكتئاب والقلق والآلام العصبية وهي إضافة لكونها أكثر أماناً فهي أقل كلفة للمريض وآثارها الجانبية قليلة. ومن المهم الإشارة أن معظم النباتات الطبية المستخدمة في علاج اضطرابات الجهاز العصبي المركزي لم تحظ باهتمام علمي كاف، لذلك لا بد من أجراء المزيد من الدراسات لاكتشاف المكونات النباتية.