طاليس الملطي رياضي ومنطقي وفيلسوف وفلكي من أصل سوري. ويرى أرسطو أن طاليس هو المؤسس الأول للفلسفة الطبيعية. وهكذا فإنه أول فيلسوف على وجه الأرض. ويحكى عنه أنه أول من فتش عن أصول الهواء والزوابع والصواعق وأسباب البرق والرعد. وقال إن السنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً. وقد حدد كل شهر بثلاثين يوماً. وأضاف في آخر كل اثني عشر شهراً خمسة أيام لأجل إتمام السنة.

بينما كان يسير ناظراً إلى السماء يرصد الكواكب، تعثّر ووقع في حفرة عميقة. هرعت نحوه امرأة من خدم منزله، وأخرجته، ثم قالت له: "تزعم يا طاليس أنك تعلم جميع ما يوجد في السماء، مع أنك لا تعلم ما تحت رجليك"[1].

في السنة الأولى من الأولمبياد الخامس والثلاثين، أي قبل الميلاد بنحو ستمائة وأربعين عاماً، ولد طاليس الملطي في ملطية (ميليتوس) اليونانية، وتوفي في الأولمبياد الثامن والخمسين، وهو ابن اثنين وتسعين عاماً. بينما نقل ديوجانس اللايرتي عن أبولودوروس أن طاليس توفي عن عمر ثمانية وسبعين عاماً. وكتب ديوجانس في كتابه (حياة الفلاسفة) نقلاً عن هيرودوتس أن ديوريس وديمقريطس اتفقا على أن طاليس هو ابن اكزامياس وكليوبولينا، وينتمي كلاهما إلى عائلة نبيلة من أصول فينيقية. وكان سبب انتقال أهله إلى ملطية التي ولد فيها طاليس، هو جور وظلم ملوك البلاد.

الفلسفة بدأت سورية حديقة الحكمة

وعن أصل تسمية طاليس، يعتقد تيم وايتمارش أن سبب التسمية هو إيمان طاليس بأن الماء هو الشكل النقي للمادة. وكلمة "طال" تعني الماء باللغة الفينيقية.

يروي ديوجانس اللايرتي عن شيء ثمين يُمنح للشخص الأكثر حكمة. وقد أعطي لطاليس، ثم مُرر إلى جميع الحكماء، وعاد إلى طاليس مرة أخرى. لذا أرسله طاليس إلى معبد أبولو مع إهداء يقول: "طاليس الملطي، ابن اكزامياس، إلى لفينيان أبولو بعد الفوز بالجائزة مرتين".

ويقال إنه أول عالم وفيلسوف ظهر على وجه الأرض. وقد أسس التفكير العلمي والفلسفي في أرجاء العالم الغربي كله.

عبقرية علمية

عُرف عن طاليس الملطي أنه يتمتع بالنباهة والذكاء الشديد. وكان مولعاً بالبحث والتقصي والمعرفة العلمية. زار مصر وتعلم الهندسة الرياضية. قدم مساهمات في الهندسة التطبيقية. ويعتقد أنه مؤلف "في الانقلاب الشمسي" و"في الاعتدال الشمسي" و"دليل الإبحار النجمي".

رفض الخرافات والأساطير، وتوجه نحو تفسير حدوث الأشياء من منطق علمي بحت. وضع أول لبنة في تشييد وبناء الصرح العلمي العظيم الذي يقوم أساساً على التجربة والمشاهدة الحسية. تنبأ بكسوف الشمس الكامل الذي حدث في 28 أيار 585 ق.م. وحاول تحديد الأفلاك السماوية بالنسبة إلى الأرض، فجعل النجوم أقربها إلى الأرض ثم القمر وبعده الشمس.

تحقق من موقع كوكبة الدب الأصغر، وتوقع أنها مفيدة كدليل للملاحة في البحر حسب السنة وتوقيتات الاعتدال والانقلاب الصيفي. وينسب إليه أيضاً حساب موضع الثريا. افترض أن الزلازل كانت نتيجة اندفاعات خارقة للطبيعة، أوضحها طاليس بافتراض أن الأرض تطفو على الماء. وأن الزلازل تحدث عندما تهز الأمواج الأرض.

استخدم الهندسة لحساب ارتفاعات الأهرامات، وبُعد السفن عن الشواطئ. وهو أول شخص معروف يستخدم المنطق الاستنباطي ويطبقه على الهندسة، وهو أول شخص معروف ينسب إليه اكتشاف رياضي.

الفيلسوف الأول

يقول برتراند راسل في كتابه "حكمة الغرب": "الفلسفة والعلم يبدآن بطاليس الملطي"[2].

استخدم طاليس النظريات والفرضيات الطبيعانية في شرح الأشياء والظواهر الطبيعية. تبعه جميع فلاسفة ما قبل سقراط تقريباً في شرح الطبيعة باعتبارها مشتقة من وحدة الكل شيء، المستندة على وجود مادة نهائية واحدة.

إن طاليس – حسب د. مصطفى النشار - قد وضع لأول مرة المسألة الطبيعية وضعاً نظرياً بعد محاولات الشعراء واللاهوتيين، فشقّ للفلسفة طريقها، ووصل إلى فرضية أن الماء هو المادة الأولى والجوهر الأوحد الذي تتكون منه الأشياء"[3].

أما برتراند راسل فقد تحدث عن فرضية طاليس قائلاً: "وقوله إن كل شيء مصنوع من الماء، يمكن اعتباره فرضاً علمياً، وليس هو بالقول الهراء. فمنذ عشرين عاماً كان الرأي الراجح هو أن كل شيء مصنوع من الهيدروجين الذي يتألف منه ثلثا الماء. فلئن كان الإغريق يتسرعون في فرضهم الفروض، إلا أن المدرسة الملطية على الأقل كانت تأخذ باختبار تلك الفروض اختباراً قائماً على التجربة الحسية"[4].

ويرى أرسطو أن طاليس هو المؤسس الأول للفلسفة الطبيعية، حيث يقول: "إن طاليس هو مؤسس هذا النوع من الفلسفة، ويقول إن المبدأ هو الماء، وذلك هو السبب في إعلانه أن الأرض تطفو فوق الماء"[5].

ليس هناك شيء لا حياة فيه، فكل جزء في العالم حي، والمادة والحياة وحدة لا ينفصل أحد أجزائها عن الآخر. المعادن والنبات نفس خالدة كما في الحيوان والإنسان، والقوة الحيوية تتغير صورتها، ولكنها لا تموت أبداً. المادة حية، أي أنها تحتوي على روح.

وقد شرح أرسطو قائلاً: "اعتقد طاليس أن كل الأشياء مملوءة بالآلهة". وهذا يعني – حسب أرسطو – أن للعالم نفساً. بينما فسر المؤرخ إيتبوس هذا القول بأن طاليس كان يقول "بعقل العالم". ويؤيد شيشرون ذلك بالقول إن طاليس كان يقول بعقل إلهي أوجد الأشياء من الماء. وكان يرى في المادة قوة حية دافعة[6].

مواهب متعددة

بلغ طاليس أوج ازدهاره، واتسم في عصره بالحكمة، وسمي بالحكيم، لذلك كثيراً ما كان يرتبط اسمه باسم الحكماء السبعة، وهم بالإضافة إلى طاليس: سولون، برياندروس، كلينوبوس، خيلون، بياس، وبيتاكوس[7].

ويقال إن طاليس حصل على ثروته من حصاد الزيتون بفضل توقعاته المناخية الصائبة. وذكر أرسطو أن غرضه من ذلك لم يكن الثروة، وإنما ليثبت أن الفلسفة لها فائدة عملية وليس كما يظن العامة.

ويحكى عنه أنه أول من فتش عن أصول الهواء والزوابع والصواعق وأسباب البرق والرعد. وقال إن السنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً. وقد حدد كل شهر بثلاثين يوماً. وأضاف في آخر كل اثني عشر شهراً خمسة أيام لأجل إتمام السنة.

وقيل إنه كان في بعض الأحيان يتسلى بنظم الأشعار. ويعزى إليه اختراع نظم الأشعار الهكسامترية/ السداسية.

وفاته

قضى طاليس حياته منعماً، وكان مستشاراً في كثير من الأمور من قبل حكام بلاده. وفي عمر الثانية والتسعين، أي في الأولمبياد الثامن والخمسين، طلب أن يضعوه على تل مرتفع لكي يراقب ويشاهد الألعاب الأولمبية، فأصابته ضربة شمس وقتلته. فأقام له أهل مدينة ملطية جنازة عظيمة.

من أقواله

-إن كثرة الكلام ليست من شأن العقلاء.

-لا شيء أصعب على الإنسان من معرفة حقيقة نفسه.

-الماء هو الأصل الأول لكل شيء.

-العالم لا أول له ولا آخر.

-الأرواح غير فانية، بل هي أزلية أبدية.

-أسرع الأشياء العقل، لأنه في طرفة عين يمكنه أن يطوف في الكون كله.

-أسهل الأشياء أن تسدي النصح.