رغم إيجابيات الشبكة العنكبوتية، إلا أنه قد نجم عنها بعض الجوانب السلبية، أخطرها ما يسمى بظاهرة "التنمر الإلكتروني".

أدى الاستخدام الواسع لشبكة الإنترنت إلى ربط أنحاء العالم بعضها ببعض، وتحوله إلى قرية صغيرة، يسهل فيها من خلاله نقل المعلومات في كافة التخصصات بكل يسر وسهولة، كما أتاحت الشبكة التواصل والتفاعل بين الناس بوساطة عدّة خدمات كغرف الدردشة والبريد الإلكتروني وغيرها من وسائل التراسل والتواصل، إضافةً إلى إمكانية الحصول على المعلومات في أي زمان ومن أي مكان وتخزينها. إلا أن هذا الاعتماد المفرط على استخدام الإنترنت، كان له أثر سلبي في عدة مجالات من حياة الإنسان الاجتماعية والمهنية والصحية. وفي الوقت الحالي تعتبر وسال التواصل الاجتماعي أحد أهم أدوات التواصل بين أفراد المجتمع. وعلى الرغم من إيجابياتها في جوانب متعددة، إلا أنه قد نجم عنها بعض الجوانب السلبية، أخطرها ما يسمى بظاهرة "التنمر الإلكتروني".

كلاهما ضحية

رغم توافر الكثير من الأدلة العلمية على أنّ الإنسان عرف التنمر منذ القِدم، فإنّ هذه المعرفة لم تخضع لدراسةٍ علمية منظمة لا سيما في علم النفس التربوي، إلا في سبعينيات القرن الماضي، حينئذٍ ارتبط مفهوم التنمر بالطلاب أو (المراهقين)، حتى إنّ بعض الباحثين ربطوا فعل التنمر بالبيئة المدرسية، كونها المكان الأكثر ملاءمة لنشأة وممارسة هذا السلوك الذي يترتب عليه العديد من الآثار السلبية على الصعيد النفسي والاجتماعي والانفعالي والأكاديمي على كل من المتنمر والضحيّة؛ حيث أنه من الخطأ بحث الظاهرة باعتبارها مشكلة الضحية الواقع عليه الضرر فحسب، وإنما للمشكلة برأي الباحثين صورتان مؤثرتان تأثيراً شديداً على المجتمعات، فالصورة الأولى هي الأَوْلى بالاهتمام والعلاج وإيجاد الحل، وهي صورة الضحية التي يقع عليها فعل التنمر، لكن الصورة الثانية هي للمتنمرين الذين يتخذون من العنف سلوكاً ثابتاً في كافة تعاملاتهم مع الآخرين، وبالتالي هم صورة لضحية أخرى من نوع مغاير، ووجودها أشد خطراً على المجتمع من الصورة الأولى، لكن في النتيجة كليهما (ضحية).[1]

سلوك عدواني

يعتبر التنمر الإلكتروني ظاهرةً حديثةً نسبياً، في وقت أتاحت فيه وسائل الإعلام والاتصال المقدرة على ممارسة بعض الانحرافات العدوانية والوحشية، وزادت من حدة الخطورة على مختلف الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية للأطفال والمراهقين، كونهما المسبب لهذه الظاهرة والمتضرر منها في الوقت ذاته.[2]

والتنمر الإلكتروني عبر الإنترنت يتم بوساطة تقنيات رقمية كأجهزة الحواسيب الثابتة والمحمولة والهواتف الذكية، وما تتضمنه من تطبيقات التفاعل الاجتماعي ومواقع الويب والبريد الإلكتروني وغيرها. وهذا السلوك العدواني يمكن أن يحدث عبر هذه الوسائل في أي زمان ومكان، ومن أمثلته إرسال أو نشر صور ومقاطع فيديو مسيئة، اختراق حسابات الآخرين وتسجيل الدخول الخاص بهم، تقليد الآخرين عبر الإنترنت، نشر وترويج الشائعات والأخبار الملفقة، وغير ذلك من الممارسات التي من شأنها أن تتسبب بالمضايقة الإلكترونية لبعض الأطفال والمراهقين الذين تبدو عليهم علامات تشير إلى تعرضهم للتنمر الإلكتروني، وأبرزها: الشعور بالانزعاج العاطفي أثناء أو بعد استخدام الإنترنت أو الهاتف الذكي، فرض سرية شديدة أو حماية بالغة على حياته الرقمية، الانسحاب من الحياة الأسرية أو من أنشطة الأصدقاء، تجنب التجمعات المدرسية والمجتمعية، تغيرات في المزاج والسلوك والنوم والشهية، والرغبة المفاجئة بالتوقف عن استخدام الكمبيوتر أو الهاتف أو أي وسيلة إلكترونية يمتلكها، بالإضافة إلى الشعور بالقلق والترقب عند تلقي أي رسالة نصية أو بريد إلكتروني، وتجنب المناقشات التي تدور حول التقنيات الحديثة الخاصة بالحاسب أو الهواتف الذكية.

والحقيقة أن التنمر الإلكتروني قد يحول الأطفال والمراهقين على المدى الطويل والمتكرر إلى ضحايا وأكثر عرضة لخطر الإصابة ببعض الأمراض النفسية، أبرزها الاكتئاب، ما قد يدفعهم إلى محاولة الانتحار في كثير من الأحيان.[3]

منصات مواجهة

دشنت شركة "غوغل" منصةً إلكترونيةً تتضمن نصائح وألعاب بغرض مواجهة التنمر، وتعمل المنصة على تدريب الأطفال على مواجهة كل أشكال التنمر الإلكتروني التي يتعرضون لها، وتتضمن معلومات تحذرهم من تصديق الخداع، وكيفية التحلي بالشجاعة لمصارحة أوليائهم بأن هناك محتوى مشبوه، وتدربهم على المشاركة الإيجابية في عالم الإنترنت، وكيفية التمييز بين ما يتم مشاركته مع الأهل والأصدقاء وما يمكن مشاركته مع الغرباء. بالإضافة إلى ذلك توفر المنصة المتعة التي يبحث عنها الطفل أو المراهق من خلال الألعاب الإلكترونية، كما تحتوي على فضاء مخصص للأولياء والمعلمين لتقديم النصيحة ومدّ يد العون لأبنائهم. وإلى جانب منصة "غوغل" برزت بعض المنصات التابعة لبعض المنظمات الدولية والتي هدفها مواجهة التنمر الإلكتروني، من أبرزها الشبكة الدولية للحقوق والتنمية.

وعلى الرغم من أهمية دور هذه المنصات وما تقوم به، إلا أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأولياء من خلال متابعتهم ومراقبة المواقع التي يتصفحها أبناؤهم سواء الأطفال أو المراهقون، وطبيعة المحتوى الذي يتعرضون له، وضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات في حال مواجهتهم لحالة تنمر رقمي من خلال محاولة التعرف على دوافع الشخص المتنمر، وعدم الرد على الرسائل المستفزة، وإدراك أهمية الاحتفاظ بالأدلة سواء كانت رسائل بريد إلكتروني أو رسائل نصية أو عناوين ويب وغيرها، وضرورة حذف الشخص المتنمر من لائحة المعارف وقفل المحادثة، وإلغائه من كافة صفحات التواصل الاجتماعي، وتغيير إعدادات الخصوصية في الحسابات الشخصية لمنعه من العثور على طرق جديدة للإزعاج، وتبليغ إدارة مواقع التواصل الاجتماعي بكافة المضايقات والإزعاجات التي يتلقاها المستخدم.[4]

إذاً يعدّ التنمر الإلكتروني جريمةً، يستغل خلالها الشخص المتنمر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لإيصال رسائل عدائية متعمدة، فيها أشكال من الشتم والتجريح والقذف والتشهير بهدف تشويه صورة الآخر وإلحاق الأذى به، لذلك كان لا بدّ من محاولة السيطرة على هذه الظاهرة الإجرامية من خلال طرق عدّة منها: تفعيل وسنّ قوانين وتشريعات لمواجهة هذا الشكل من أشكال التنمر، خاصة الذي يستهدف فئتي الأطفال والمراهقين، والتفكير بحذر قبل نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة عبر الإنترنت، ومعرفة كيفية التبليغ عن حالات التنمر والإساءة في مواقع التواصل، أيضاً تجنب الأصدقاء الذين يتنمرون على غيرهم، والابتعاد عن نشر التفاصيل الشخصية، وحماية كلمة المرور بشكل دائم، والأهم هو طلب المساعدة من أولياء الأمور والمدرسين والمرشدين.[5]

-----

المراجع:

[1]الاتجاهات نحو الأنماط المستجدة من التنمر الإلكتروني وعلاقتها بإدمان الإنترنت، أمل يوسف عبد الله العمار، مجلة البحث العلمي في التربية، العدد 18، ص 336 – 337.

[2]التنمر الإلكتروني دراسة نظرية في الأبعاد والممارسات، د. حاسي مليكة، شرارة حياة، جامعة مستغانم .. ص 65.

[3]التنمر بين التحديات وآفاق المعالجة الاستباقية، فيصل الشمري، المركز الإقليمي للتخطيط التربوي.

[4]التنمر الإلكتروني، مرجع سابق، ص 72-73.

[5]استخدام المراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي وإدراكهم أضرار التنمر الإلكتروني، د. أحمد الرفاعي، المجلة المصرية لبحوث الاتصال الجماهيري، ص 187.