هذا الكتاب، عبارة عن مجموعة من الحكايات التاريخية، والتي قام أليخاندرو كاسونا بإعادة كتابتها بلغته الخاصة، فخرجت بحلة جميلة وأنيقة.

هذا الكتاب هو الانحراف الوحيد لألخاندرو كاسونا عن خط سيره الأدبي. فكاسونا شاعر ومسرحي شهير، ولد عام 1903 في مقاطعة إستورياس، وتوفي عام 1965 في مدريد. درس الفلسفة والأدب. نفي عام 1937 من إسبانيا. زار فرنسا والمكسيك وبورتوريكو، ثم استقر في الأرجنتين، وعاد إلى إسبانيا أواخر الخمسينيات.

تناول كاسونا في كتابه هذا "صفوة الأساطير" قصصاً أسطورية من تراث شعوب مختلفة، ثم صاغها بأسلوبه الخاص. لقد سحرته هذه القصص، وحفزته على إعادة كتابتها بلغة شاعرية جديدة لم تهدر شيئاً من رونقها وجمالها.

الحكايات التي جمعها كاسونا، انتقاها من عدة مصادر: الكتاب المقدس، الرامايانا، المهابهاراتا، كتاب الآداب الاسكندنافي، ألف ليلة وليلة، الإلياذة والأوديسة، شعراء التروبادور، والنورماند.

يبدأ كاسونا كتابه بحكاية يسوع، وهو هنا لا يحكي سوى لحظة ولادة يسوع ولحظة صلبه. ومن بين الأساطير الهندية، يجلب كاسونا حكاية "خاتم ساكونتالا". وساكونتالا هي فتاة جميلة وساحرة، حبيبة العصافير، تعيش في غابة مقدسة مع نساك نذروا أنفسهم للتأمل والمعرفة. وهي ابنة الناسك كانفا بالتبني. كانت تعنى بحيوانات الغابة وبنباتاتها.

يصل ملك شاب يدعى دشمانتا، إلى الغابة، بقصد الصيد. إنه ينحدر من نسل إله القمر. وحين يهم بإطلاق السهم نحو غزالة، يأتيه صوت ليوقفه ويمنعه من تلويث غابة التأمل بالدماء.

يتأمل دشمانتا الغابة التي وجد نفسه فيها، فينزل من عربته ويدخل المكان المقدس بثياب بسيطة، ويتوجه نحو صومعة كانفا المحترم. شاهد الملك ساكونتالا الجميلة التي كانت تسقي الأشجار بصحبة فتيات أخريات، فاضطرب قلبه ووقع في حبها. مكث الملك عدة أيام مع النساك في الجبل المقدس. وقد أولع بساكونتالا ولعاً شديداً. أما هي فقد وقعت في حبه أيضاً. اعترف لها بحبه وبادلته الحب. أقسم لها الملك يمين الزواج وأعطاها خاتمه الذهبي، على أن تلحق به إلى قصره بعد أيام معدودة حددها بعدد الأحرف المنقوشة على الخاتم. يضيع الخاتم، وينسى الملك الكلام السابق كله. وحين تزف إليه، لا يعرفها، ويطلب منها أن تريه الخاتم. تغادر مسرعة وتختفي عن الأنظار. ويمر زمن.

بعد معركة مظفرة مع العمالقة، وبمساعدة إندرا السماوي، ينتصر دشمانتا، وتحط عربته على قمة الجبل الشامخ، وهناك يشاهد طفلاً شجاعاً، فيقترب منه وتسقط تميمة كانت معلقة في عنق الصبي. يفتح الملك التميمة، وعندها يدرك أنه والد هذا الصبي، لأنه لا أحد يمكنه لمس هذه التميمة سوى الطفل وأمه وأبيه، وإلا سيتحول لامسها إلى أفعى.

تظهر ساكونتالا، ويخرّ دشمانتا أمامها راكعاً، ويعود بها وبطفله إلى المملكة راكبين العربة الذهبية، عربة إندرا السماوي.

راما

من الحضارة الهندوسية، يختار كاسونا إحدى قصص "الرامايانا" التي ألفها الحكيم والناسك الهندي فالميكي.

تقول الحكاية إن راما بطل الهند الذي جسدت فيه روح الآلهة، تغلب على رافانا الشيطان. وهذا البطل ابن ملك، وقد نفاه هذا الملك إلى غابة دنداكا، إثر حيلة شريرة قامت بها زوجة أبيه.

وطوال خمسة أيام، بقي الأب يبكي على ابنه. وفي اليوم السادس اعترف الأب بجريمة قام بها عندما كان شاباً، وها هو الآن يدفع ثمن جريمته. لقد أدرك أن الآلهة كانت تعاقبه على فعلته تلك، وسيموت من دون أن يرى ابنه.

لقد قتل الملك في شبابه صبياً بسهم قاتل أصاب قلبه، وكان هذا عن طريق الخطأ. كان الصبي يعيل والده ووالدته العجوزين الأعميين. اعترف الملك للزوجين بقتل ابنهما خطأ، فقال له الحكيم الأعمى: لن ترى ابنك ساعة موتك، وسوف تفارق الحياة وأنت في أشد الشوق إلى رؤيته. وخلال هذه الليلة قضى الملك دازاراتا نحبه حزناً على نفي ابنه راما.

ألف ليلة وليلة

في كتاب "ألف ليلة وليلة" من السحر ما يجعل أي كاتب في العالم يعترف به كأعظم كتاب حكايات على وجه الأرض وعبر التاريخ. لقد أغرم به كبار كتّاب العالم، وتأثروا بقصصه وحكاياته، وأغدقوا عليه المدائح. وكان ألخاندرو كاسونا من المعجبين والشغوفين بهذا الكتاب، وقد أعاد كتابة إحدى حكاياته الجميلة، هي حكاية "العصفور الذي يتكلم، والشجر التي تغني، والماء الذهبي". هذه الحكاية الشهرزادية التي تحكي قصة سلطان فارسي يغرم بفتاة من أسرة متواضعة ويتزوجها. وبسبب من غيرة شقيقتيها، يحبسها الملك في قفص خشبي، بتهمة أنها لا تنجب سوى القطط. وكانت الأختان تضعان المولود الجديد في سلة وتنزلانه إلى النهر، حيث يلتقطه البستاني ويربيه. وهكذا فقد نفذت الحيلة مع مولودين آخرين. وكان البستاني هو من يقوم بتربية الولدين والبنت.

يكبر الولدان والبنت، ويشتهرون بجمالهم وذكائهم. وفي إحدى مغامراتهم، يجلب الإخوة معهم من مكان بعيد عصفوراً يتكلم وشجرة تغني وماء ذهبياً. يسمع الملك بهذه الأعاجيب ويقرر زيارتهم، ويكتشف أنهم أولاده، فيعاقب الأختين ويعتذر لزوجته ويعيش معها ومع أولاده في القصر.

هذا الكتاب، المستقى من أساطير وحكايات من شتى البلدان، هو كتاب خاص بكاسونا، بلغة كاسونا الجميلة والأنيقة. إنه ينتقل من بلاد الهند إلى فارس إلى اليونان إلى ألمانيا وفرنسا وسويسرا. إنه ينتقي الحكاية/ الأسطورة التي تعجبه، ويجمعها في كتاب جميل وممتع.

----

الكتاب: صفوة الأساطير

الكاتب: ألخاندرو كاسونا

ترجمة: علي إبرهيم أشقر

الناشر: دار فواصل، اللاذقية، 2018