هناك خلاف بين الكتاب والشعراء على تعريف الأدب بشكل عام. ففي مرحلة ما تم الاعتراف بالشعر فقط، ومن ثم دخلت الأجناس الأخرى مجال المنافسة.

يعد كتاب "الشعرية" لأرسطو، عملاً نظرياً ونقدياً هاماً وبالغ الأثر. وفيه يقوم أرسطو بتسمية الأجناس. وحسب جيروم روجيه، فإن هذا الكتاب يقدم أول جرد نقدي وأول تحديد مفهومي للظاهرة الأدبية.

أطلقت كلمة "أدب" على كل أنواع الكتابة، وذلك قبل العام 1800، وشملت الكلمة الفلسفة والتاريخ والموسيقا والفن وغيرها، وكلها كانت تصنف تحت مسمى "أدب". ويقول ديفيد كارتر في كتابه هذا "النظرية الأدبية": "وكإنذار نهائي، أود أن أذكر بأن تفسير الأدب وفقاً لنظرية معينة، يمكن أن يعاد تفسيره وفقاً لنظرية أخرى وبشكل لانهائي".

يعد ماثيو أرنولدز، المولود عام 1822، أباً ومؤسساً لنظرية الأدب، فهو يرى أن للأدب دوراً تربوياً في حياة الناس، ويأمل بأن الشعر من شأنه أن يأخذ مكانته في قلوب الرجال، حيث "سيفسر الشعر الحياة لنا جميعاً، وسيعزينا كما كان يفعل منذ القدم". إذاً، فإن تاريخ الشعر، هو الذي ألهم أرنولدز، وجعله يعطيه هذه القيمة في تاريخ الكتابة وفي تاريخ الثقافة العالمية، وهو يقول عن الثقافة في كتابه "الثقافة والفوضى": "أفضل ما تم التفكير فيه، وأفضل ما قيل في العالم". ولذلك لم يكن مستغرباً أن يرى أرنولد الأدب بأنه مجال المفكرين الذين لديهم مبادئ سامية، مستبعداً في تعريفه كتابات جزء كبير من عامة الناس.

وفي المقابل، وبعد الحرب العالمية الأولى، انصب عمل إليوت على الشعر، وجعله مركز نظريته، وعده معارضاً بشكل مباشر للعالم الحديث المادي النفعي المخيف، حيث يمكن للشعر أن يوفر الخبرة العميقة التي لا يمكن للعالم الحديث مع ماديته النفعية أن يقدمها. ويمكن أن يسترد الشعر بشكل خاص، قيماً مفقودة من الكمال، وينقل المعاني المعقدة التي لا نراها ببساطة.

شجعت هذه الأفكار السير هنري نيوبولت على دراسة الأدب الإنكليزي في المؤسسات التعليمية، ووجد أن الأدب ليس مجرد موضوع للدراسة الأكاديمية، ولكنه أحد المعابد الأساسية للروح البشرية، والتي على الجميع أن يتعبد فيها. إضافة إلى ذلك، فإن للأدب وظيفة خلق الشعور بالهوية الوطنية، من خلال تشكيل عنصر جديد من الوحدة الوطنية.

يستمر تأثير إليوت وتعريفه للشعر، ويظهر أكاديمي في جامعة كامبريدج، وينشر كتاباً بعنوان "مبادئ النقد الأدبي"، يفرق فيه بين اللغة الانفعالية للشعر واللغة المرجعية للأعمال غير الأدبية، ويقول: "إن الشعراء قادرون على التعبير عن فوضى العالم والتحكم بها. كما يمكنهم التوفيق بين التناقضات وتجاوز الاهتمامات الذاتية".

وهكذا نرى أن الشعر هو المحور الأساسي للدراسات النقدية الجديدة، متقدماً على الأنواع الأخرى، إلى درجة الانتباه إلى عدم وجودها.

مركزية الشعر

من أواخر الثلاثينيات حتى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، نشط النقد الجديد، وكان الشعر مركزياً أيضاً بالنسبة إلى الاهتمامات النقدية للنقاد الجدد، وعدت القصيدة كائناً في ذاته، معزولاً عن كل من الكاتب والعالم. وولدت مجموعة من النقاد الجدد، عرفوا باسم "مدرسة شيكاغو" أو "أتباع أرسطو الجدد"، وهذا يعني أن النقد الإنكليزي، امتد تأثيره إلى أمريكا، وإلى النقاد والشعراء الأمريكان، الذين اعترضوا على مبادئ النقد الجديد التي اهتمت بالشعر فقط، ودرسوا بنية السرد في الرواية. وبرز ف. ر. ليفس كواحد من المؤسسين للتقليد النقدي الحديث، إذ أدخل الوعي الاجتماعي والسياسي في تحليلاته. لقد كان ليفس معجباً بكثير من الروائيين الإنكليز الكبار من أمثال: جين أوستن، جوزيف كونراد، هنري جيمس ود. هـ. لورانس. ولورانس هذا كان من أشد المؤيدين لآراء ليفس، إذ كتب قائلاً: "إذا كشفت الرواية عن علاقات حقيقية وحية، فإن ذلك يكون عملاً أدبياً وأخلاقياً، مهما كانت هذه العلاقات".

الشكل

اهتمت الشكلانية الروسية بتحليل الشكل وبنية النص، واستخدامه للغة أكثر من المضمون. وتوجه الشكلانيون نحو استكشاف التقنيات الأدبية وإمكانية إنتاجها لتأثيرات جمالية معينة.

مرت الشكلانية الروسية بثلاث مراحل: 1-مرحلة النظر إلى الأدب كنوع من الآلة؛ 2-مرحلة عد الأدب كائناً حياً؛ 3-النظر إلى النصوص على أنها أنظمة.

وكان فيكتور شكلوفسكي المؤثر الأكبر في المرحلة المبكرة للشكلانية الروسية، ورائداً في مجموعة من نقاد الأدب. وقد كتب في عام 1917 بيان المجموعة المعروفة باسم "أوباياز"، وصاغ عدة مفاهيم أساسية وحاسمة لفهم الفرضيات الفلسفية للشكلانية الروسية، ويقول: "إن الفن موجود ليسترد المرء الإحساس بالحياة، وهو موجود لكي يجعل المرء يشعر بالأشياء، وليجعل الحجر يبدو حجراً. إن غرض الفن هو إضفاء الإحساس بالأشياء كما نتصورها وليس كما نعرفها".

اتخذ ميخائيل باختين – وهو أحد المنظرين الكبار في التاريخ الروسي الحديث – موقفاً مضاداً للشكلانية الروسية، متأثراً بالفكر الماركسي من حيث إيمانه بالطبيعة الاجتماعية للغة، ومختلفاً عنه بشأن العلاقة بين اللغة والأيديولوجيا. ويرى باختين أن الأيديولوجيا ليست انعكاساً للظروف الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها مشروطة بالوسيلة التي تتجلى من خلالها، ألا وهي اللغة.

البنيوية

صرح رولان بارت بأن الكاتب قد مات، وأن الخطاب الأدبي ليس له وظيفة حقيقية، والأكثر من ذلك أن الكاتب يعيد خلط الكتابات السابقة عليه ويعيد صياغتها. إذاً، لا شيء جديد كتابياً بالنسبة إلى بارت، بل هناك ما هو موجود ويعاد ترتيبه من جديد وبشكل مغاير. إن الكاتب – حسب بارت – يمكنه فقط التعليق على اللغة المصاغة سابقاً.

يعلن البنيويون معارضتهم لكل أشكال النقد الأدبي التي يكون فيها المعنى متصلاً بالإنسان. ويعد فرديناند دي سوسيور بنيوياً من حيث نفوذه القوي على النظرية البنيوية وأعلامها. وفي المقابل، برز أعلام جدد كبار في التحليل البنيوي وفي الثقافة النقدية العالمية، من أمثال: تزفيتان تودوروف، وجيرار جينيه، فلاديمير بروب، غريماس، وجوناثان كالر الذي كتب "الشعريات البنيوية" مفترضاً أن علم اللغة هو أفضل نموذج لتحليل الأدب.

أما الماركسية، فإنها تعلن أن جميع أنماط التفكير، بما في ذلك الإبداع الأدبي، هي أيديولوجية، وهي نتاج الوجود الاجتماعي والاقتصادي. وقد قال إنجلز بأنه هو وماركس يؤكدان على أن الفن والفلسفة وأشكال الوعي البشري الأخرى، يمكنها أن تفسر حال الإنسان وأن لها درجة من الاستقلال.

دخل مصطلح "الواقعية الاشتراكية" في المرحلة السوفييتية من تاريخ روسيا، وأعلي من شأن الأدب الواقعي، وتمت تنحية الأشكال الأخرى من الفن، وأقصيت المدارس الفنية الأخرى واتهمت بمعاداتها للاشتراكية وموالاتها للرأسمالية. وقد عبر لينين عن توجه دولته الحديثة، مؤكداً أن الكتاب أحرار في أن يكتبوا ما يريدون، ولكن إذا أرادوا نشر أعمالهم في مجلات الحزب، فعليهم أن يمتثلوا لخطوط الحزب العامة. ومن الضروري أن نعلم بأن كل المجلات الخاصة، تحولت بسرعة هائلة وأصبحت حزبية.

-----

الكتاب: النظرية الأدبية

الكاتب: ديفيد كارتر

ترجمة: د. باسل المسالمة

الناشر: دار التكوين - دمشق