للألوان تأثير على خلايا الإنسان، حيث يتمتع كل لون بموجةٍ معيّنةٍ تؤثر على خلايا الجسم البشري، وعلى الجهاز العصبي والحالة النفسية لكل فرد.

الألوان من الظواهر الطبيعية التي تسترعي اهتمام الإنسان، وقد اكتسبت عند مختلف الحضارات دلالات ثقافيةً وفنيةً ودينية ًونفسيةً واجتماعيةً ورمزيةً وأسطوريةً، وتوطدت علاقتها بالعلوم الطبيعية وعلم النفس، وشكلت المادة الخام للفنون بشكل عام، والفن التشكيلي على وجه الخصوص، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنّ للألوان تأثيراً على خلايا الإنسان، حيث يتمتع كل لون بموجةٍ معيّنةٍ تؤثر على خلايا الجسم البشري، وعلى الجهاز العصبي والحالة النفسية لكل فرد.

وينجم الإدراك الحسي للّون عن ثلاث ظواهر فيزيائيّة وفيزيولوجيّة ونفسيّة، فاللّون ما نراه عندما تقوم الملوّنات بتعديل الضوء فيزيائياً، بحيث تراه العين البشرية (عمليّة الاستجابة)، ويترجم في الدّماغ (عمليّة الإدراك) التي يدرسها علم النفس، أمّا فيزيولوجيّاً فأثر اللون ينتج في شبكيّة العين، حيث تقوم الخلايا المخروطيّة بتحليله سواء كان ناتجاً عن المادة الصّناعية الملوّنة أو عن الضوء الملوّن. كما أنّ الإدراك اللوني يتأثر بمفهوم تاريخي طويل المدى بحسب طبيعة المشاهد وثقافته، وبمفهوم قصير المدى وهو الألوان المجاورة له[1].

لقد تعدّدت عمليات تصنيف الألوان وطريقة النظر إليها وتقييمها بتعدّد الثقافات والحضارات، وأيضاً بتنوّع مناهج الباحثين؛ حيث يرى الفيزيولوجي الألماني "ايوالد هيرينغ" صاحب نظرية النظام الطّبيعي للألوان، بأنها تنقسم إلى قسمين، أساسيّة وهي أربعة (الأصفر والأحمر والأزرق والأخضر)، وحياديّة وهي (الأبيض والأسود والرمادي)، أما العالمان "برينت برلين" و"بول كيه" فأكّدا في بحثهما المشترك 1969 بأن هناك أحد عشر اسماً أساسياً للألوان وهي (الأبيض والأسود والأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والبني والأفلاطوني والبمبي والبرتقالي والرصاصي)، وأنّ هذه الأسماء توجد في اللغات بمقدار التطوّر الحضاري والتقني للمجتمعات. بينما أشار الباحثان "توماس يونغ" و"هيرمان" أنّه بالإضافة إلى اللّونين الأبيض الذي يحتوي جميع الألوان، والأسود الذي يمتصها ويوحدها، هناك ألوان (مختلطة) تنتج عن مزج لونين أساسيين (الأصفر مع الأحمر، والأصفر مع الأزرق، والأحمر مع الأزرق)، وألوان غير مختلطة. بينما ذهب بعض العلماء إلى تمييز نوعين من الألوان على الدائرة اللّونية، وهي الألوان الحارة والباردة يتوسطها (الأخضر المصفر والبنفسجي المحمر)، وغيرها العديد من بحوث تصنيف الألوان[2].

والحقيقة، فإن استخدام الإنسان القديم للألوان، لم يكن في الأساس منصبّاً على الجماليات، فالتوجه المعاصر تجاهها بصفتها عنصراً جمالياً يعود إلى عصر النهضة وليس قبل ذلك. وبالنسبة إلى الإنسان القديم، فقد كان يوجد جمال ومجد في الألوان والتصميم، لكنّ تعبيره الفني لم يكن يثيره أي رغبة جمالية أو عاطفية، بقدر ما كان يرمز إلى ألغاز الكون والقوى الخارقة للطبيعة. وخلال أربعة آلاف سنة حتى عصر النهضة، كانت لوحة الألوان تتكون من (الأحمر والذهبي والأصفر والأزرق والأخضر والأرجواني والأسود والأبيض)، وهذه الألوان كانت بسيطة ترمز إلى معرفة الإنسان وفلسفته، وتتحدّث عن الألغاز والآلهة والشياطين والفناء، لذلك كانت قوية وفاقعة، كما أنّ لوحة الألوان هذه كانت موجودة لدى كل الحضارات القديمة من أفريقيا إلى آسيا الصغرى إلى آسيا وأوروبا وشعوب المايا والإنكا في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية[3].

العلاج بالألوان

يعتبر العلاج بالألوان فنّاً يقضي بإعادة تدرّجات الألوان الصادرة عن مختلف ألوان الطيف إلى جسم الإنسان، لتمنحه الصحة والتوازن والسّعادة، فتقوم حقول الطاقة المحيطة بالجسد بامتصاص ذبذبات الألوان، وقد يتم امتصاص الألوان أيضاً عن طريق العينين والبشرة ومراكز القوّة (الشاكرات) التابعة لجهاز الغدد الصمّاء، ويسمح تنظيم دخول وخروج الألوان إلى هذه الحقول والمراكز بإعادة الحيوية والعمل والصحّة إلى كل عضو من أعضاء الجسد وإلى العقل والمشاعر، بما يحقّق نمو الشخصيّة والنمو الروحي على السواء. وقد تبدو مبادئ العلاج بالألوان بسيطةً، إلا أنها على العكس من ذلك تماماً، إذ من الضروري معرفة عمل كل لون على كافة الأصعدة الجسدية والعاطفية والعقلية، لكن أيضاً الإحاطة بهذه المعلومات لا يكفي وحده لحدوث الشفاء أو لإتقان علم الألوان، وينبغي ألا تشكل انطلاقةً لوصف أي علاج للآخرين. وبما أنّ حاجات البشر متفاوتة، فإنّ وصف الألوان لهم وإرشادهم، يجب أن يتم بما يتوافق مع حاجاتهم الخاصة[4].

لقد اعتقد الإنسان في قدرة الألوان على الشفاء منذ بداية التاريخ المدوّن وربما قبل ذلك، وشهد العلاج بها تقلّباتٍ ما بين الازدهار والانحسار على مدار القرون، فقد أجلّه الأطباء القدماء وآمنوا بخواصه العلاجية، وشخّصوا باستخدام الألوان، ووصفوها للعلاج. وفي عصر التنوير استمر العلاج بالألوان، لكنّ استمراريته كانت في الأغلب راجعة إلى ولاء الصوفيين، ولاحقاً رفض الطب الحديث العلاج بالألوان، لكن هذا لم يدم طويلاً.

ففي القرن الأول الميلادي كتب "أورليوسكورنيليو سسيلسوس" ثمانية كتب عن الطب، وكان توجهه نحو الألوان عملياً وعقلانياً أكثر منه باطنياً، وكانت الأدوية توصف مع وضع الألوان في الاعتبار. كما أن "جالينوس" الطبيب الملكي لكبار الرومان، الذي كتب خمسمئة أطروحة وألقى المحاضرات والدروس، وقام بالتجارب والتشريح، كان منجذباً جداً إلى الألوان أيضاً. وفي العصور المظلمة انتقل مقر التقدّم في الطب من روما إلى العالم الإسلامي؛ حيث كان ابن سينا حينئذٍ قد كتب كتابه (القانون في الطب)، الذي يعدّ تحفة عصره، ومنحه مكانةً هائلةً حتى القرون الوسطى. وقد كانت الألوان تظهر في كل كتاباته. ووضع جدولاً وضّح فيه علاقة الألوان بالحالة المزاجية للإنسان وبالحالة البدنيّة للجسم. كذلك كانت الخيمياء تزخر بالإشارات إلى الألوان. وفي عصر النهضة كان "إدوين بابيت" أحد الرجال المتميزين في تاريخ العلاج بالألوان[5]، واعتمدت طريقته على مجموعة من الأدوات التي تمكّن المريض من الاستحمام بضوء ملوّن. على سبيل المثال يستعمل ضوء الشمس الطبيعي الذي يعبر مصافي زجاجية ويمتصه جسد المريض الجالس خلف الزجاج الملوّن. وقد تعامل مع ثلاثة ألوان أساسيّة: الأحمر كمركز للحرارة وكلون يتحكم بإنتاج مادة الهيدروجين، والأصفر كمركز للضوء، والأزرق كمركز للكهرباء، وكلون يتحكم في إنتاج الأكسجين. ومن الضروري لعملية الشفاء باللون أن تتوافر عناصر الوحدة والتجانس والتوازن والتناغم.

لا يزال الصينيون يستعملون اللون لأهداف تشخيصية، منها ملاحظة ظهور ألوان معيّنة على مختلف أقسام الجسم أو عدم ظهورها، وهي إحدى التقنيات الأكثر فعالية في تقييم الحالة الصحية للمريض، فيدل احمرار العين مثلاً على وجود حالة رمد، وخطوط احتقان الدم المرفقة بنقاط دم متجمدة في طرف الشرايين تشير إلى تصلّب وركود في الدورة الدموية، كما يرتبط لون المقلتين بحالة الكبد. وقد قام الهندوس أيضاً بتعريض الماء إلى أشعة الشمس، وهو نظام توضع فيه عدّة أوعية ملونة مملوءة بالماء تحت ضوء الشمس وتقديمها لاحقاً إلى المريض ليشربها، علماً أن الشكل التقليدي الذي اتخذه الهندوس طريقةً للعلاج بالألوان هو نظام (الشاكرا).

ومنذ مطلع القرن العشرين حتى منتصفه، أصدر د. "رونالد هانت" عدّة كتب تصف استعمالات اللون لأهداف تشخيصية وعلاجية، وأجرى أبحاثاً حول أثر اللون وارتباطه بالصوت والموسيقى والعطر والضوء، وطور مجموعة من المصابيح ووسائل الإنارة تستعمل في محيطنا العملي، وقد رأى في مجموعته تلك مفتاحاً تطبق من خلاله الطرق العلاجية السامية باللون.

وفي أمريكا شكك العلماء والأطباء باستعمال اللون لغايات شفائية، مع أنهم استعملوا قوّة اللون غير المرئية، حيث تمّ الاعتراف بالأشعة ما دون الحمراء والأشعة ما فوق البنفسجية وأشعة أكس بطرق مثبتة علمياً في علاج الأدران والأورام وإضفاء اللون الأسمر على الجلد والقضاء على البكتيريا وغيرها[6].

----

المراجع

[1] الألوان، كلود عبيد، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013، ص 9- 15

[2] المرجع السابق ص 18- 19–20

[3] الألوان والاستجابات البشرية، فيبر بيرين، ترجمة صفية مختار، مؤسسة هنداوي، القاهرة، ص 77- 79.

[4] أسرار العلاج بالألوان، هاورد ودورثي صن، ترجمة فاتن صبح وسيلفا مقبل، دار الفراشة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 2007، ص 200- 201

[5] الألوان والاستجابات البشرية، مرجع سابق، ص 113- 118

[6] أسرار العلاج بالألوان، مرجع سابق، ص 99- 100- 101.