ثلاث نساء من ثلاث جنسيات يقعن ضحية البيئة الاجتماعية والثقافية، التي تنتمي كل منهن إليها، وتتمردن على مجتمعاتهن الذكورية ما يضعهن في مواجهة صعبة لتحقيق طموحاتهن.

تضفر الكاتبة "لتيسيا كولومباني" فصول روايتها الضفيرة بدراية باحث متأمل، وعناية متعاطف متمرد ومتورط بتفاصيل وجزئيات الشخصيات التي يرسمها كما لو أنها جزء من روح وثابة تجمعها المعاناة والطموح.

سميتا.. جوليا.. سارة

أسماء نساء من ثلاث جنسيات مختلفة في طبيعة البيئة الاجتماعية والثقافية والدينية، التي تنتمي كل منهن إليها، لكن ثمة خيطاً رفيعاً وشديد الصلابة يتهادى في مسار الأحداث ليجمع بينهن كمتمردات على مجتمعاتهن الذكورية بامتياز طبقي وثقافي ما يضعهن في مواجهة صعبة لتحقيق طموحاتهن.

سميتا.. من قرية بادلابور الهندية، وتنتمي إلى جماعة الداليت المنبوذة وهي جماعة خارج الطبقات الاجتماعية، فئة معزولة يتجنبها الجميع، وتعيش على هامش الحياة الإنسانية، ويفرض عليها القيام بأحط الأعمال الخدمية لتتمكن من العيش دون حد الكفاف، ويمكن أن تتعرض المرأة للقتل أو الاغتصاب لأتفه الأسباب في ظل عرف اجتماعي شديد القسوة.

سميتا

التي لا تجيد القراءة، تحاول أن تجنب ابنتها هذا المصير البائس فترسلها للمدرسة لكن الاستاذ يسند إليها مهمة تنظيف المدرسة فترفض أن تعاقب ابنة السنوات الست بالجلد ما يدفع الأم لاتخاذ قرار بالفرار من القرية بحثاً عن حياة جديدة.. وتنطلق في مسيرة نتعرف من خلالها على بعض من صور الشقاء الإنساني وسطوة الحلم المعلق بالأوهام، وذلك من خلال فصول تسعة سردت فيها الكاتبة رحلة سميتا نحو الانعتاق.

جوليا

ابنة مدينة باليرمو من صقلية الإيطالية، شابة في العشرين من عمرها تتمتع بالجمال والدلال فأسرتها تمتلك ورشة متوارثة لتصنيع الشعر المستعار، وقد تعلمت المهنة بشغف كبير على يد والدها الذي شاركها، وحدها، الكثير من أسرار المهنة.

فجأة يتعرض الأب إلى حادث يودي به إلى الغيبوبة فالموت، وخلال ذلك تكتشف أن الورشة والمنزل قد يضيعان بسبب الديون المتراكمة، لتبدأ رحلة الصراع مع أسرتها والمجتمع في بحثها عن طريق جديد للنهوض مجدداً رغم العوائق، ويقف إلى جانبها حبيبها الغريب والهارب لأسباب اجتماعية ودينية، وتستطيع بمساعدته استعادة المبادرة التجارية بشراء الشعر من الهند حيث يقوم الكثير من المتدينين بقص شعورهم تقدماً للإله الذي يجلون، ويقوم تجار متخصصون بنقله إلى أمكنة عديدة في العالم بسبب جودة الشعر الهندي لإعادة تصنيعه وبيعه. وتنجح جوليا في إعادة الروح لورشة الأسرة بعد عناء نتعرف عليه عبر تسعة فصول.

سارة

من مونتريال – كندا تطل علينا سارة المرأة التي تتمتع بقدر كبير من الطموح والتصميم والعمل على تحقيق ما تسعى إليه للمشاركة في إدارة مكتب محاماة تعمل به متحدية "السقف الزجاجي" الذي وضعه الرجال، بشكل غير معلن، ويقضي بعدم صعود المرأة إلى مركز الصدارة.

سارة، وفي ثمانية فصول، تقوم بالمستحيل للحفاظ على موقعها رغم أنها أم لثلاثة أطفال، حيث صعوبة بناء معادلة شديدة التوازن للقبض على موقعها بجدارة والمضي بمركب الأسرة بسلاسة، لكن القدر ينصب لها فخ المرض لتقع فريسة للسرطان فتسعى لإخفائه، لكنها تفشل وينكشف الأمر لينكسر كل شيء وتكتشف حجم النفاق داخل مكتب المحاماة الذي تعمل فيه، وشدة الصراع بين الراكضين نحو "الصدارة" في إدارة أعمال المكتب، والمؤسف شعورها بخيانة زميلتها وتلميذتها في المكتب.

تقوم الكاتبة بسرد سيرة شخصياتها وفق منظومة ثلاثية متتالية "سميتا، جوليا، سارة"؛ حيث تكثف الضوء على مرحلة أو حالة من حياة كل شخصية على حدة بطريقة تصاعدية مستعينة بالوصف والحوار والسرد وفق الحاجة الفنية التي يتطلبها الروي، بلغة بسيطة نقلتها الترجمة بشيء وافر من الحرارة، معتمدة المكاشفة للتعبير عن دواخل شخصياتها حيث تتميز سميتا وجوليا بالبساطة والوضوح، على عكس سارة التي يفرض عليها واقع عملها أن تتسم بالحذر والحساب الدقيق حتى تغدو صورة برانية لخدمة مظهر اجتماعي ينبغي تثبيته في أذهان الآخرين لتؤكد جدارتها المطعونة بكونها أنثى.

إنها شخصيات نسائية، أنثوية، تمثل حالات متعددة لواقع المرأة في مجتمعات مختلفة اجتماعياً وثقافياً لكن نماذجها هذه تشترك في مصائر تدفع ثمنها نتيجة لقناعتها وتمردها الذي يستمر حتى النهاية بأشكال متنوعة.

ويدخل السرد، مع الفصل الأخير، منعطفاً يظهر صورة وحقيقة الضفيرة كعنوان ومدخل لرؤية الكاتبة، حين تكون الحبكة الأخيرة في الضفيرة سارة المصابة بالسرطان، فتلجأ إلى تغطية رأسها، بعد سقوط شعرها، بشعر مستعار "باروكة" من صنع ورشة جوليا الإيطالية التي جاءت بهذا الشعر من معبد هندي تبرعت به سميتا وابنتها وأمثالهما تقدمة للإله، فترتفع معنويات سارة التي تشعر أنها قادرة على مواجهة العالم بروح جديدة.

ويأتي في الخاتمة "أهدي عملي إلى هؤلاء النسوة.. المتعلقات بشعرهن.. كأنه جزء من روحهن.. لأولئك اللاتي يعشقن ويلدن ويأملن.. يقعن وينهضن من جديد، ألف مرة".

----

الكتاب: الضفيرة

الكاتب: لتيسيا كولومباني

ترجمة: سهيلة علي إسماعيل

الناشر: وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، 2021