هل فكرتَ يوماً أين تذهبُ أجهزة الحواسيب والمسجلات والراديوهات وكل الأجهزة القديمة عندما نستبدلها بمنتجاتٍ أحدث؟ هذه المواد غير قابلة للصهر أو إعادة التدوير، وبالتالي وأمام هذا التطور الدائم في جلب واستبدال كل جديد، نحن أمام متراسٍ من النفايات الإلكترونية يهددُ العالم.

ضريبة التطور والحداثة والزحف نحو اقتناءِ كل إصدارٍ من أي جهازٍ كهربائي أو ميكانيكي، لها تبعيات على البيئة والإنسان في آنٍ معاً، فهذه الأجهزة تتكون من عناصر غير قابلة للحرق الكيميائي كما باقي النفايات، ولربما تفاعلاتها تؤدي إلى انفجارات كارثية.

خطورتها

تلوثٌ إلكتروني ناجمٌ عن وجود النفايات الإلكترونية والتي لا يتم التخلص الآمن منها أو إعادة تدويرها مع عدم وجود احتياطات آمنة تحافظ على صحة الإنسان والبيئة. وتكمن خطورتها أنه عند تلفها يتم التخلص منها غالباً بشكلٍ عشوائي، وقد تتسرب بعض مكوناتها من العناصر السامة أو تيار إلكتروني أو موجات إلى عناصر البيئة والوسط من ماء وهواء وتربة وغذاء، وقد تصل إلى الإنسان عبر السلسلة الغذائية، أو ربما عن طريق التنفس من خلال استنشاق هواء مشبع بأبخرة أو جسيمات من العناصر السامة الناجمة عن النفايات الإلكترونية.[1]

نفايات إلكترونية

دراسة إحصائية

يلخص تقرير صدر عام 2019 عن الأمم المتحدة أن كمية النفايات الإلكترونية والكهربائية، التي ينتجها البشر سنوياً، تبلغُ نحو خمسين مليون طن، أي نحو تسعة أضعاف وزن الهرم الأكبر في الجيزة. وفيما تذهب أغلب كمية هذه النفايات إلى مواقع التخلص العشوائي وتتسرب إلى الطبيعة، فإن ما يجري استرجاعه وتدويره نظامياً لا يزيد عن 20 في المائة من مجمل الكمية المتولدة.

تسجل الدول الغنية والمتقدمة أعلى نسب توليد للنفايات الإلكترونية، حيث يتجاوز إنتاج الفرد فيها حوالي 20 كيلوغراماً سنوياً. ويصل المعدل في النرويج إلى 28.5 كيلوغراماً، وفي بريطانيا 24.9 كيلوغراماً، وفي هولندا 23.9 كيلوغراماً، وفي أستراليا 23.6 كيلوغراماً، وفي الولايات المتحدة 19.4 كيلوغراماً. وتنخفض المعدلات في أفريقيا جنوب الصحراء وفي جنوب شرق آسيا إلى أقل من كيلوغرامين اثنين سنوياً، وفي الهند وباكستان 1.5 كيلوغرام، وفي أثيوبيا 0.5 كيلوغرام.

أما في العالم العربي، فتبلغ كمية النفايات الإلكترونية المتولدة سنوياً ثلاثة ملايين طن، أكثر من نصفها ينتج عن ثلاث دول هي مصر والسعودية والجزائر. ويصل متوسط ما ينتجه المواطن العربي من النفايات الإلكترونية سنوياً إلى 6.8 كيلوغرامات، حيث ترتفع النسب في الدول الخليجية، إلى جانب لبنان والجزائر، إلى أكثر من 11 كيلوغراماً في السنة، وهي تقفز في السعودية والكويت والبحرين وعُمان إلى أكثر من 15 كيلوغراماً. وينخفض معدل توليد النفايات الإلكترونية في باقي الدول إلى نحو 6 كيلوغرامات أو أقل، فهي في العراق 6.6 كيلوغرامات، وفي الأردن وتونس ومصر 5.6 كيلوغرامات، وفي موريتانيا والسودان 1.3 كيلوغرام.[2]

تركيبة الإلكترونيات

-الرصاص: يؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي والدورة الدموية والكلى وجهاز المناعة لدى الجسم البشري، فضلاً عن أثره السلبي على النمو العقلي للأطفال. ويتركز الرصاص في الأجهزة الإلكترونية على كل من لوحات التحكم والشاشات، وبطاريات الحاسوب ولوحات الطابعات.

-الكادميوم: من العناصر الفلزية ذات التأثير الخطير على جسم الإنسان عند ترسبه على الكلى والجهاز البولي، ويتركز هذا العنصر على مقاومات الشرائح وعلى المكثفات وعلى رقائق التوصيل الصغيرة.

-الزئبق: يعمل على تحطيم الأعضاء الداخلية وخاصة الدماغ والكلى، ويؤثر سلبياً على تكوين الجنين، وينتج عن اختلاط الزئبق بالماء (ميثالين الزئبق) الذي ينتقل عبر حلقات السلسلة الغذائية، من الأسماك إلى البشر، أو من النباتات إلى الثدييات بشكل عام. ازداد استعمال الزئبق بشكل كبير مؤخراً بعد تطوير شاشات العرض الحديثة والمسطحة.

-الكروم: يخترق الخلايا بسهولة ويعمل على تحطيم الحمض النووي، ويعد من أكثر العناصر تهديداً للبيئة، ويتواجد في الأدوات والقطع البلاستيكية الموجودة في الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

-الباريوم: يستخدم لحماية مستخدمي الحاسبات الآلية من الإشعاعات، وأشارت الدراسات إلى أن التعرض للباريوم لفترة قصيرة يؤدي إلى أورام المخ وضعف عضلات الجسم ويعمل على إصابة القلب والكبد والطحال بأمراض مزمنة.

-البيرليوم: هو عنصر فلزي نادر وموصل جيد للحرارة والكهرباء، لذا يدخل في مكونات الحاسب الآلي وخاصة اللوحة الأم. وتم تصنيف البيرليوم مؤخراً ضمن مسببات سرطان الرئة، وذلك من خلال استنشاق ذراته أو بلوغها الجسم بأي صورة ما، كما يؤدي تعرض العمال له بشكل مستمر ومباشر إلى الإصابة بأمراض جلدية مزمنة فضلاً عن الأمراض المزمنة التي تصيب الرئة وتُعرَف بأمراض البيرليوم المزمنة.[3]

مزايا إعادة التدوير

تعد عملية إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية من العمليات ذات التكلفة العالية والنادرة، إلا أنها تمتلك مزايا عديدة ومنها:

-توفير الطاقة: الطاقة المستخدمة في عملية إعادة التدوير أقل بكثير من الطاقة المستخدمة في عمليات التنقيب عن المعادن (إعادة تدوير الألمنيوم توفر حوالي 95% من الطاقة المستهلكة لتصنيعه من المادة الخام).

-الحد من المخاطر الصحية والبيئية للمخلفات الإلكترونية، نظراً لاحتوائها على مواد سامة غير قابلة للتحلل مثل الزئبق والزرنيخ.

-المساهمة في خفضِ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة لظاهرة تغيرِ المناخ والحفاظ على البيئة.[4]

-----

المراجع

[1] التلوث الإلكتروني، الدكتور أحمد زكي أبو كنيز، آفاق بيئية، 23 تشرين أول عام 2016.

[2] الدراسة الإحصائية ومخاطرها على الصحة والبيئة، عبد الحميد حسن شقير، يوم جديد، 3 شباط عام 2014.

[3] بحث النفايات الإلكترونية.. التداعيات البيئية.. المواجهات التشريعية.. آليات الوقاية والحماية والنضج التقني، أمل فوزي أحمد عوض محمود، جامعة عين شمس.

[4] "المخلفات الإلكترونية".. خطر بيئي أم استثمار أخضر، أمل إسماعيل، المرصد المصري، 7 أيلول عام 2021.