ما هي عجلة القوة في الدراما السورية؟ هل هي في سعيها إلى تقديم تجربة فكرية؟ أم في سعيها إلى فك شيفرات ما قبل الشعور وما بعد الحدس؟ يرى الكاتب أنور محمد أن الدراما السورية نجت من أمراض كثيرة أصابت الدرامات العربية، فكثير من هذه الأعمال كانت مساراتها الفكرية على غاية من النبل، أعمال عبرت عن حماسة حقيقية للحياة.

يتحرك الناقد الفني أنور محمد في قراءة ونقد الدراما التلفزيونية السورية في كتابه الموسوم بـ "جدل الصوت والصورة" على إيقاع سؤال مفتاحي أورده في مطلع المقدمة ويقول فيه: "ما هي عجلة القوة في الدراما السورية؟ هل هي في سعيها إلى تقديم تجربة فكرية؟ أم في سعيها إلى فك شيفرات ما قبل الشعور وما بعد الحدس؟".

ويرى الكاتب أن الدراما السورية نجت من أمراض كثيرة أصابت الدرامات العربية، فكثير من هذه الأعمال "كانت مساراتها الفكرية على غاية من النبل... أعمال عبرت عن حماسة حقيقية للحياة".

لكن في الوقت نفسه ثمة إشكالية لا بد من الحديث عنها وتتعلق بالأفواه "التلفزيونية الفضائية" التي باتت تنتشر "كالسرطان" في هذا الفضاء الرحب، وبطبيعة الحال تحتاج إلى ما تقتات به من أعمال دفعت كاتبنا ليوصف واقع الكثير منها وفق ما ظهرت على الشاشة ووفق رؤيته الفنية للعمل الدرامي في حكم قيمة فنية للوجه الذي مضت في تشكيله أعمال تبحث عن التسويق، باعتبار المنتج التلفزيوني في أحد أشكاله منتجاً تجارياً. "المسلسلات السورية التي تقدم الآن، وهي كثيرة ومنوعة.. إنما هي مسلسلات يغلب عليها الصوت أكثر من الصورة لتسد حاجة ليس للمستهلك، المشاهد، بل لهذه الأقنية الفضائية التي صارت وحشاً له مليارات الأنياب".

الكاتب أنور محمد يوزع مادته النقدية على أبواب ثلاثة تسعى للإحاطة بكثير من تفاصيل العمل الفني الدرامي قراءة داخلية وخارجية، ونقداً مبنياً على مفردات الإخراج وعمل الممثل.

ففي الباب الأول الذي حمل عنوان "مسلسلات"، يأخذنا الكاتب في رحلة مشهدية ذات طابع وصفي ونقدي لعدد من الأعمال السورية التي يرى أن بعضها نجح في أن يكون شكلاً حقيقياً للدراما السورية المبتغاة كمسلسل "هولاكو" للمخرج باسل الخطيب والمؤلف الدكتور رياض عصمت، كما يرى الناقد محمد في أعمال أخرى للمخرج الخطيب كرسائل الحب والحرب للكاتبة ريم حنا أنموذجاً آخر من الأعمال التي احترمت عقل المشاهد ورؤيته الفنية.

وفي المقابل يستعرض في الباب نفسه أعمالاً أخرى يرى أنها لم ترتق من حيث البعد الفكري والفني لتكشيل ذلك المزيج من الإبداع في الصورة (الليلة الثانية بعد الألف – مشاهد مليئة بالثرثرة)، (أشياء تشبه الحب – صورة فوتوغرافية فقدت تجلياتها البصرية)، (جرن الشاويش – قيم ذكورية غارقة في التخلف)، ولعلنا نتوقف بشكل أوسع مع (باب الحارة – الصورة التي تنفجر بالصوت) حيث يقرأ الناقد العمل من خلال التساؤلات التالية: (هل كان بسام الملا في باب الحارة يقوم بتحقيق لحظة وعي، أم أنه كان يقوم بعملية غزو واستلاب لمشاعرنا؟ وهل كان المسلسل مصنوعاً بذكاء فيه غيرة على الجمال الفني والسياسي، أم إنه لعبة – ألعاب سيرك باللباس الشامي التقليدي تم فيها التمثيل بالمروءة والنخوة وبكثير من عاداتنا وتقاليدنا المتحفية؟).

في ثاني أبواب الكتاب الذي جاء تحت عنوان "البيانات الدرامية" يتناول الناقد موضوعات إشكالية ومثيرة في تشكيل رؤى فكرية ودرامية في صلب العمل التلفزيوني وعلى هامشه في الوقت نفسه، بمعنى آخر يتعلق بعضها بالعملية الإنتاجية وخيارات الشركات المنتجة للعمل وكذلك خيارات المخرجين للفنانين الذين سيقدمون تلك الأعمال. وهنا يفتتح رؤيته النقدية بموضوعة (الشللية) التي تؤثر على خيارات عدد من صناع العمل الدرامي حين يخسر ممثلين قد يكونون قادرين على تقديم أدوار جيدة أو متمكنة، طارحاً سؤالاً مهماً، ومتجنباً الإجابة في الوقت نفسه، وهو "ما هو المكيال أو المعيار أو الميزان الذي يحكم شركات الإنتاج أو المخرجين ذوي النفوذ في اختيار الممثلين وتوزيع الأدوار عليهم؟". وهذا السؤال يأتي بعد عن أداء الدور عند الممثل الذي يحب عمله أو فنه باعتباره نوعاً من اللعب الجميل، وبالتالي الإشارة إلى الفوارق التي تميز ممثل عن آخر.

ويتابع في هذا طرح قضايا مهمة مثل "الدراما وقضايانا القومية"؛ حيث يجد أن هناك تقصيراً واضحاً في معالجة الكثير من القضايا الهامة، بل إننا لا نعيرها الاهتمام في الدراما التلفزيونية، ويذهب بعيداً في الوصول إلى النتيجة التالية: "نعيش حياة أكثر عبودية للمال والتفاهات التي صارت قضايا رئيسية للدراما العربية، من أهدافها اقتلاعنا من جذورنا بمنتهى الأناقة والذوق العولميين".

في هذا السياق النقدي والفني يتناول عدة عناوين مثل استبدال الواقع بالخيال، السامي والمنحط، اللعب الذي يهز الوعي، البطل التراجيدي، دراما النزوات. وقد تناول ذلك كله من نافذة التشريح المعرفي والفني ومن موقف يتطلع لعمل درامي سوري يمتلك الكثير من المفردات الفكرية والإبداعية التي تجعل منه بصمة وليس مجرد إنتاج يخضع لشروط خارجية أو مادية، بل عمل ينبع عن رؤى وقناعات فكرية وفنية.

في الباب الثالث والأخير من كتابه هذا، ينتقل الكاتب لتسليط الضوء على قامات فنية أبدعت خلال مسيرتها الفنية بتقديم أدوار وأعمال حظيت بالاحترام والتقدير ونالت إعجاب الجمهور بشكل كبير لما تميزت به من مقدرة وفهم لطبيعة أدوارها، فنجحت، في الغالب، بتقديمها بالشكل الذي يجعلها قريبة من روح الشخصية الواقعية إذا جاز القول، وقد اختار الناقد محمد عدة شخصيات يرى أنها تحقق هذه المعادلة الصعبة، ولكن المهمة في مسيرة الفنان لتحقيق النجاح على المستوى الشخصي والمساهمة بنجاح العمل الدرامي بصورته الأخيرة. وقد أسقط هذا الضوء على من عدد الفنانين مبرزاً ما تميزوا به "باسم ياخور، هاني الروماني، هيثم حقي، بسام كوسا، منى واصف، خالد تاجا".

----

الكتاب: جدل الصوت والصورة في الدراما التلفزيونية السورية

الكاتب: أنور محمد

الناشر: وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب، 2021