لا يمكن تصنيف نيتشه فيلسوفاً سياسياً، ولكن رؤيته لمفهوم الدولة، كانت مميزة، ومختلفة عن الفكرة العامة التي طرحها المفكرون والمؤرخون. والإنسان الأخير عند نيتشه، هو إنسان مستسلم لملذاته ولنمط الحياة الحديث، الذي يهاجمه نيتشه.

تظهر رؤية نيتشه إلى مفهوم الدولة في القسم الأول من كتاب "هكذا تكلم زرادشت"، حيث يقول: "دولة؛ أسمى موضع كل الذين يتجرعون من السموم، الصالحون والطالحون معاً، دولة؛ حيث يضيّع الجميع أنفسهم، الصالحون والطالحون معاً، دولة؛ حيث الانتحار الجماعي البطيء يُدعى حياة". وهذا لا يعني أننا يجب أن نفهم نيتشه على أنه فيلسوف سياسي أو سوسيولوجي، وإنما فيلسوف أنطولوجي، يفهم تشكل الدولة على أنها نمط من أنماط وجود الإنسان في هذا العالم. ويركز نيتشه على الإنسان الأخير الذي يقول عنه: "سأحدثكم عن أشد الكائنات حقارة: ذلك هو الإنسان الأخير.. سيأتي زمن الإنسان الأكثر حقارة، ذلك الذي لم يعد حتى قادراً على احتقار نفسه". إذاً، فإن هذا الإنسان الأخير هو رمز الانحطاط، بكل ما في الكلمة من معنى؟

لماذا يكون هذا الإنسان منحطاً؟ ويكون جواب نيتشه بأن هذا الإنسان راض عن حياته ووجوده بهذا الشكل، ولذلك فهو غير قادر على مجرد احتقار نفسه أو تقييمها، لعدم وجود أي معايير لديه، وهكذا فإنه يشعر بالسعادة ويخلد للراحة، ويخاف من كل مغامرة أو تغيير. إنه إنسان مستسلم لملذاته ولنمط الدولة الحديث، الذي يعتبره نيتشه "صنماً جديداً" للإنسان الأخير. ويختلف نيتشه هنا عن الفلاسفة السياسيين الذي يعتبرون الدولة حلاً ناجزاً لضبط المجتمع البشري. الدولة النيتشوية هي علامة على انحطاط الإنسان، وأغرقها نيتشه بأوصاف شريرة ليظهر همجيتها: شرسة، مزيفة، متوحشة..إلخ. ويتابع: "كثير من الفائضين عن اللزوم يأتون إلى الحياة، ولأجل هذا الفائض الكثير ابتُدعت الدولة".

مؤلف هذا الكتاب الكاتب اليوناني الشهير نيكوس كازانتزاكيس، والكتاب عبارة عن أطروحة قدّمها لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة، في باريس عام 1909م، وقد تناول فيها آراء نيتشه حول أسئلة وقضايا هامة عديدة. مع إضاءات أخرى مفيدة حول طبيعة شخصية هذا الفيلسوف المثيل للجدل وزمنه. ما هي طبيعة الرجل والمرأة حقاً؟ ما هو موقع المرأة من الغريزة الجنسية وفكرة المساواة والمطالبة بالحقوق؟ وما هو موقعها من العائلة ومؤسسة الزواج وحالة الإنجاب؟

وجاء في تقديم المترجم سلام خير بك، أنه قلما عرف تاريخ الفلسفة والفكر شخصية إشكالية بكل أبعادها كمثل الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي عاش بين عامي 1844-1900م. فهو رجل لم تبقَ من صفة لم تُطلَق عليه: الشاعر، الأديب، الثائر، المتمرّد، الخلّاق، المجدِّف، المنظِّر الأخلاقي، المعادي للأخلاق، العدمي، التشاؤمي، المكافح الأصيل ضد العدمية والتشاؤمية، الفيلسوف، "ليس فيلسوفاً بل أديباً"، العميق، المجنون... هكذا وسَمت طبيعة هذا الرجل وعقليّته الثقافة الأوروبية لأجيال عديدة. وهكذا تركت بصماتها جمرات تضيءُ وتُلهب الاختلاف والتمايز والتمرّد والخروج في الفكر الأوروبي عقوداً كثيرةً من الزمن وما تزال.

وأضاف: هذا الكتاب موجَز مختصر لحياة نيتشه. والكتاب هو أطروحة قدّمها الكاتب اليوناني الشهير نيكوس كازانتزاكيس لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة، في باريس عام 1909م، وتناوَل فيها آراء نيتشه حول عدة أسئلةٍ وقضايا لامستها وقارَبتها أطروحة كازانتزاكيس حول منظور نيتشه للحق والدولة، مع إضاءات أُخرى مفيدة عديدة حول طبيعة شخصية هذا الفيلسوف المثير للجدل وزمنه. وقد تتنوع حساسياتنا لأجوبة نيتشه على هذه الأسئلة، وقد يختلف كثيرون عليها، ويُصدَم البعض الآخرون من حدّتها وغرابتها، إلا أنّ ما سيُفاجئنا في هذا الكتاب حقاً هو مدى العمق ومستوى الوعي الذي ستستثيره تلك الأطروحات لدينا نحو أسئلةٍ تمسُّ كل تفصيلٍ في حياتنا اليومية والخاصة والاجتماعية والعامة. سنجدُ مع هذا الكتاب أنفسنا فجأةً في خِضَمّ وقلب التساؤلات الأكثر أصالةً وعمقاً، والتي تضعنا وجهاً لوجه مع جوهر القضايا الحاسمة في كل تفصيلٍ من حياتنا وعلاقاتنا.

----

الكتاب: فريدريك نيتشه وفلسفة الحق والدولة

المؤلف: نيكوس كازانتزاكيس

المترجم: سلام خيربك

الناشر: دار الحوار، اللاذقية، 2020