تدور الرواية حول لقاء بين أخوين، أحدهما من كوريا الشمالية والثاني من كوريا الجنوبية. لم يكن اللقاء سهلاً، فهناك عملية معقدة يجب أن تتم لكي يجري اللقاء. هناك حظر من الدولتين لأي لقاء، وكأن الأمر لا يجب أن يكون علنياً.

حين تقرأ "يي مون يول" في روايته "موعد مع أخي"، ستجد نفسك تعيش لحظات من الغرابة، ليست تلك الغرابة التي تحملها حكايات شاطئ الكاريبي، وإنما حكايات قادمة من الطرف الآخر من العالم؛ من شبه الجزيرة الكورية؛ حيث تجد الحب والكراهية، وتسمع صليل الفولاذ، بسبب توحش الإمبراطوريات، التي قسمت البلد إلى معسكرين متقاتلين. وتدرك أن الأدب، في هذا الزمن العفن، هو الوحيد القادر على تتويج المحبة على عرش الوجود. ويبرع هذا الروائي الكوري، في تصوير العنف الإمبريالي بلغة مائية شفافة أقوى من الأيديولوجيات الفولاذية الصلدة، وأشد تأثيراً من ترسانات الأسلحة الفتاكة التي تخزنها سلطات البلد المنشطر إلى نصفين: كوريا.

يقول طاهر البربري مترجم الرواية: "تبدو الرواية، في مقاطع كثيرة، نوعاً من التوثيق لراهن سياسي واقتصادي تعيشه شخصيات الرواية، دون رغبة فعلية في مجاراته أو التعايش معه. ثمة مشاعر خبيئة - غير مرغوبٍ فيها تعتور البناء النفسي للإنسان الممزق بين وطنين هما، في حقيقة الأمر، ينتميان إلى جذور تاريخية واحدة - تظهر بين الحين والآخر وتشكل، كذلك، ملامح العلاقة بين أبناء الكوريتين الجنوبية والشمالية. من الصعب، بطبيعة الحال، قراءة هذه الرواية، بمعزل عن الظروف التاريخية التي كُتِبَت في سياقها، أو بمعزل عن الكاتب نفسه الذي تعلن سيرته الذاتية عن الكثير من نقاط التماس بينه وبين روايته. لكن الأهم هنا ليس الظرف التاريخي، وإنما المنتَج الإنساني الذي قذف به هذا الظرف التاريخي إلى السطح".

تدور الرواية حول لقاء بين أخوين، أحدهما من كوريا الشمالية والثاني من كوريا الجنوبية. لم يكن اللقاء سهلاً، فهناك عملية معقدة يجب أن تتم لكي يجري اللقاء. هناك حظر من الدولتين لأي لقاء، وكأن الأمر لا يجب أن يكون علنياً. يعيش الأخ الأكبر في كوريا الجنوبية، والأصغر في الشمالية. يسعى الأخ الأكبر لرؤية والده العجوز الذي بلغ الثمانين بعد مرور سنوات طويلة منذ هجرته وتركه الابن الأكبر وإخوته صغاراً وأمهم في مقتبل العمر، ومن ثم فراره من الجنوب إلى الشمال بعد اعتناقه العقيدة الشيوعية. يموت الأب قبل أن يتم اللقاء. ويقوم الوسيط بمحاولة تدبير لقاء للأخ الأكبر مع أخيه الأصغر في الشمال. وبعد إجراءات معقدة وخطيرة، يتم اللقاء بين الأخوين. ويجري حوار حذر في البداية، ولكنه يتحول إلى حوار دافئ ويحدث التقارب. يعترف الأصغر بأنه كان يكره أخيه الأكبر بسبب اهتمام والدهما به.

كان الخوف هو المسيطر على اللقاء، وكان البوح أكبر دليل على أن العالم بشع، وأن السياسة فرقت الأخوة والأهل. لقد انقسمت البلد إلى بلدين، وانقسمت العائلات وتباعدت أواصر الأخوة. ولكن الأمل في إعادة توحيد الكوريتين يبقى قائماً عند الأخوين.

رواية توثق الواقع القائم بين الكوريتين، على لسان أخوين هما ضحية للانقسام الأيديولوجي. وتوثق كيف أن الشخصيات لا تزال تتمسك بعاداتها وتقاليدها، تأكيداً على أن الجذور ورابطة الدم أقوى من أي شيء، حتى إنها أقوى من الحظر المطبق على الناس للقاء بعضهم.

الشخصيات الرئيسية في الرواية هي شخصية البطل البروفيسور "يي هايونسيوب" الأستاذ الجامعي والمؤرخ والأخ الأكبر والتي تدور حولها الأحداث، وهي شخصية واقعية منهجية التفكير تتميز بذكاء وثقافة واهتمام بالأحداث التاريخية، وتتقاطع في كثير من ملامحها مع شخصية الكاتب نفسه. والشخصية الثانية هي شخصية الأخ الأصغر "يي هايوك" الذي يعيش في كوريا الشمالية، وهي شخصية مهذبة غير عدوانية. وهناك شخصية هامة هي شخصية "مستر كيم" الوسيط الذي دبر اللقاء. وهناك شخصيات أخرى تتبنى فكرة الوحدة مهما كانت النتائج، لأنها الحل الوحيد والمنطقي.

لغة الرواية ممتعة ومؤثرة وتحمل دلالات عميقة، واستطاع الكاتب أن ينفذ إلى الشخصيات عبر مونولوج داخلي وجمل بسيطة تلخص مأساة الشخصيات التي حرمت من حقها في ممارسة حياتها كما تحب.

----

الكتاب: موعد مع أخي

الكاتب: يي مون يول

ترجمة : طاهر البربري

الناشر: دار نينوى، دمشق، 2016