يعتبر الباحث "أحمد داوود" من أبرز المؤرخين الذين امتلكوا القدرة على استخلاص الحقائق التاريخية الخفية، وأخذ على عاتقه تصحيح وتحرير التاريخ، لذا كان شعاره: (حتى تكون الثقافة حضارة) والسعي إلى إنجاز هذه الكينونة هو هاجسه الأهم والأكبر.

إن التأريخ برأي الباحث أحمد داوود سجل لنشاط الإنسان المادي والفكري في تطوره ضمن شروط وجوده؛ فهو كل شيء أي "الفكر والفنون واللغة والدين والاقتصاد والإنتاج وأدواته"، كما أنه الطبيعة والجغرافيا والمناخ في علاقتها التبادلية مع الإنسان، وعندما يصبح التاريخ هوية، فإن كل ما يمسخه يمسخها وكل ما يؤصله يؤصلها.

ولد "أحمد داوود" في قرية "تل حويري" التابعة لمدينة جبلة بمحافظة اللاذقية عام 1942. وحصل على شهادة ماجستير في الآداب، ثم على دكتوراه في السيناريو السينمائي، ودكتوراه في تاريخ سورية القديم، كما عمل في التدريس والصحافة، ومستشاراً ثقافياً في الخارجية السورية، وأصبح عضوَ جمعية البحوث والدراسات، وعضو اتحاد الكتاب العرب، وهو عضو شرف في جمعية المؤرخين المغاربة، كما عمل رئيساً للدائرة التاريخية ورئيساً لقسم الإعلام في مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في جامعة "دمشق"، وعضواً مؤسساً في تحالف "مفكرون ضد التزوير"، وحصل على جائزة "جبران خليل جبران" العالمية لعام 1988 من رابطة إحياء التراث العربي في "أستراليا". ولديه العديد من المؤلفات التاريخية، منها: (تاريخ سورية القديم تصحيح وتحرير- العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود - تاريخ سورية الحضاري القديم بعدة أجزاء - وموسوعة "نينورتا" التاريخية بعدة أجزاء)، إضافة إلى عدة مؤلفات أدبية، منها: (الصهيل - جلجامش - حبيبتي يا حب التوت)، والعديد من الترجمات: (البلدان المتخلفة وسياسة الغرب الاقتصادية – المادية التاريخية- كان هذا في ضواحي روفنو- احذروا الصهيونية)، كما أعدّ وقدم البرنامج الثقافي التاريخي "نحن وهذا العالم"، وغيره من البرامج الوثائقية وسلسلة من الأبحاث منها أبحاث تاريخية بعنوان "أسماؤنا" في الصحف المحلية، وسلسلة تاريخية بعنوان "الصهيونية وتزوير التاريخ العربي"، وسلسلة أبحاث اجتماعية "عتباتنا الاجتماعية المقدسة"، و"حوار ثقافات أم حضارات-التجليات العربية"، وسلسلة أبحاث حول "الانتفاضة الفلسطينية والاستراتيجية"، وسلسلة أبحاث بعنوان "الساميون والعداء للسامية بدعة يهودية والتواطؤ الصهيوني النازي في الجرائم ضد اليهود".

يرى "داوود" أن أهم ما عليه إنجازه هو عملية علمية متكاملة لتصحيح وتحرير هذا التاريخ البشري من معطيات التزييف والتزوير، وخاصة ما تعلق منه بالتاريخ العربي وقلبه السوري؛ من حيث ما هو مكتوب ومبرمج ومعمم بفعل تآمر غربي صهيوني مدروس الأهداف والوسائل والأدوات، والمعيار بالنسبة إليه هو مقدار التزام الثقافة عند الأنا والآخر، والفرد والجماعة بمبادئ حضارة حقوق الإنسان والشعوب فكراً وقولاً وفعلاً، ومنها مبدأ احترام حق معرفة حقائق التاريخ الإنساني عموماً، وحقائق التراث الإنساني الوطني والقومي لكل الأمم بعيداً عن أي تزييف أو تزوير، وبرأيه أنه لم يلق تاريخ شعب من الشعوب من ضروب المسخ والتزوير والتشويه مثل ما لقيه تاريخ الأمة العربية و"سورية" على وجه الخصوص، على أيدي الطامعين بها في القرون الأخيرة. بالنسبة إليه فإن تحرير الأرض يجب أن يتم بالتوازي مع تحرير الأفكار والمعلومات المفروضة من قبل هؤلاء الذين ليسوا معنيين بالحق التاريخي وجعلوا منه أمراً مزيفاً حقيراً يخدم مخططاتهم، فمن وجهة نظره لابد أن يكون المؤرخ ملتزماً بعناصر كتابة التاريخ (والتي تضم علوم الأنثروبولوجيا من آثار ووثائق وعادات، ولغة وعلم الألسنيات، وعلم الكرونولوجيا لتحديد زمن الحدث التاريخي وزمن الآثار، بالإضافة إلى العلوم المساعدة كالجغرافيا والمناخ والمنطق)، فهو مؤرخ ملتزم بالحقيقة عبر منهجية البحث العلمي تتطلب الكثير من التأني والدقة في تدوين التاريخ؛ لأنه يرى أن ما يكتبه اليوم سيؤثر في الغد، وما يؤسسه اليوم سيبني عليه الغد بناءه العلمي.

عُرف الباحث "أحمد داوود" بالصبر والأناة والجلد في تتبع الأحداث التاريخية، من خلال التمحيص في كشف مكامن التزوير، فقد حرص على تدوين السجل الحقيقي للحضارة السورية بعد تنظيف وجهها المتألق من تراكم تلفيقات لا علاقة لها بالعلم والحقيقة، منطلقاً من احترامه لنفسه واحترامه للقارئ أيضاً.

ففي كتابه "تاريخ سورية القديم، تصحيح وتحرير" تحدث عن حقائق تاريخية مهمة تؤكد أن المشرق العربي القديم هو مهد الإنسان العاقل الأول، فيه أولى إبداعاته وإنجازاته الحضارية منه انتشرت الحضارات القديمة الأكادية والبابلية والآشوريةً شكلت أول دول عظمى بكل المفاهيم، فكان البحر المتوسط يدعى البحر السوري. كان هذا الشعب يتحدث لغة واحدة بلهجات، وكانت اللغة السائدة هي العربية بلهجتها السريانية، وإن المدن في سورية التي هي أقدم مدن على وجه الأرض تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وبالتالي فهي قبل نوح، مما أسقط ما دعاه المحدثون في الغرب "بالهجرات السامية" نسبة إلى سام بن نوح.

كما جادل داوود "بأن دولة مصر وادي النيل لم تحتل سورية يوماً، بل كانت كل مواقع صراعاتها في اليمن حيث كانت خطوط التجارة محمية من قبل ممثلين عن الملك كانوا يراسلونه كتقارير عن إنجازاتهم في حماية خطوط القوافل، وهذه هي حقيقة ما دعاه المستشرقون "برسائل تل العمارنة" والتي جرى تزويرها وإسقاطها قسراً على الجغرافيا السورية.

أضف إلى أن كتابه (العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود) يعتبر مرجعاً قيماً لباحثي العلوم التاريخية بصورة خاصة والآثار والجغرافيا ومعظم تخصصات العلوم الإنسانية على نحو عام. حيث ركز في هذا الكتاب على بعض الموضوعات التاريخية الهامة والتي تشغل اهتمام المؤرخين وباحثي التاريخ من مختلف الاتجاهات الفكرية.

كما أن الباحث أحمد داوود تناول في كتابه "تاريخ سورية الحضاري القديم التاريخ الحقيقي للإغريق" الحضارة الإغريقية ووجد أنها تعود في أصلها إلى "السوريين العرب"، وأن "الانيادة" دوّنها الكاتب السوري فرجيل (فرج الله) يتحدث فيها عن معاناة السوريين المتحضرين مع سكان الكهوف المتوحشين سكان أوروبا البدائيين، ونسب ما وصفه بـ"معجزة الحضارة الإغريقية" في منتصف القرن السادس قبل الميلاد إلى السوريين في اليونان، وعلل "انطفاءها" بعودتهم إلى بلدهم الأم.

كما أنه أكد أن جميع أسماء المدن والأمراء (العكروبولي) والكتاب والشعراء والمسرحيين والمحاربين لدى اليونان القديم ترجع لتسميات عربية قديمة، إما توجد معانيها بالعربية الفصحى أو باللسان السرياني، وأن كل ما يزهو به الغرب اليوم تحت مسمى وراثة حضارة أثينا من ألعاب أولمبية وديمقراطية وبرلمان، إنما هي سورية عربية قديمة، ففي مدينة "عمريت" الأثرية على الساحل السوري اكتشف أول ملعب أولمبي في العالم سبق اليونان بمئات السنين كما أكدت الدراسات الأثرية حديثاً.

وفي كتابه "تاريخ سورية الحضاري القديم - تأسيس روما" يقول داوود: أن (السوريون، العرب، العموريون) هي تسميات مختلفة لهذا الإنسان الحضاري العاقل، هم أول من عمّر واستوطن حوض البحر المتوسط ودعي باسمهم: البحر الأموري – السوري – البحر السوري الداخلي.

كما أن الباحث والمؤرخ أحمد داوود يؤكد أنه عند تحديد الهوية التاريخية القومية والحضارية لأي تجمع بشري، أو لظاهرة تاريخية معينة، تقوم على ثلاثة أسس رئيسية هي: السكان، اللغة، والأرض أو الجغرافيا، ولا يمكن أن توجد الواحدة منها في معزل عن الأخرى، بل بشكلها المترابط عضوياً، المتفاعل جدلياً.

وأخيراً نجد أن الباحث والمؤرخ أحمد داؤود من خلال دراساته وأبحاثه التاريخية أكد بأن الوجود العربي في الأرض العربية سابق لوجود أي شعب آخر، وهي الشعوب التي أسست لشعوب وحضارات العالم.

----

المراجع:

[1] "العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود" للدكتور أحمد داوود، الصادر في دمشق، سورية، كانون الثاني 1991.

[2] "تاريخ سورية القديم"، أحمد داوود، "تاريخ سورية القديم، تصحيح وتحرير"، دار المستقبل، دمشق 1986.

[3] "تاريخ سورية الحضاري القديم" الانتشار الحضاري السوري. التاريخ الحقيقي للإغريق، تأسيس روما، أحمد داوود، دار الشروق، دمشق 2004.