تبدأ علامات التقدم بالسن كعملية حيوية لا يمكن إيقافها من لحظة الولادة حتى الوفاة، يرافق ذلك تغيرات كبيرة في جسم الإنسان وأجهزته، ويقلل من الخلايا ولكن لا يهدم التوازن الداخلي بمعناه الواسع إلا إذا تعرضت العضوية لضغوطات كبيرة. ومن المتعارف عليه فإن الشخص المسن هو كل شخص تجاوز الـ 60 عاماً. إلا أن منظمة الصحة العالمية قسمت المسنين إلى ثلاث مجموعات تبدأ من الـ 60 وتنتهي بالـ 75 أما المجموعة الثانية فتبدأ من الـ 76 وتنتهي بـ 85 سنة، في حين تكون المجموعة الثالثة للمسنين هي كل من تجاوز عمره الـ 85 سنة.

إن ارتفاع معدلات الأعمار العالمية بشكل مضطرد في العقدين الآخرين، دفع الباحثين الاجتماعيين للتوجه إلى دراسة الأسباب والنتائج المتوقعة من جراء ذلك، وخاصة بعد أن أثبتت هذه الدراسات بأنه قد يحدث تضاعف لأعداد المسنين حتى عام 2050 عالمياً. وهي ظاهرة بدأت في أوروبا خلال عدة عقود خلت نتيجة لتغيرات فكرية واجتماعية واقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن البلدان الأخرى ليست في منأى، فقد بدأ الباحثون على مستوى العالم بملاحظة التغيرات الديموغرافي، والتي تعود وفقاً لحساباتهم إلى التناقص الحاد في الوفيات المبكرة المرتبطة بالأخماج أو بالأمراض المزمنة، بالإضافة إلى التحسن في الخدمات الصحية وشروط السكن والتغذية، والعديد من العوامل التي أدت إلى انخفاض معدلات الخصوبة، ودور بعض الاكتشافات الطبية مثل التمنع ضد الأمراض واكتشاف المضادات الحيوية التي كان لها اليد الطولى في هذا المجال.

يرى الدكتور سائر طنوس، دكتوراه في تمريض المسنين، إن دراسة التوزيع الديموغرافي للمجتمعات أمر هام جداً لكونها تضيء على ما يحتاجه المجتمع من خدمات صحية في ظل تزايد عدد المسنين ممن أعمارهم فوق الـ60 سنة والتي تقترب نسبتهم نحو 20% بحسب الدراسة التي قام بها مؤخراً. نجد أن نسبة هذه الشريحة العمرية في الولايات المتحدة وفي اليابان تبلغ 7% مع التوقع بأن تتضاعف هذه النسب في عام 2025 وكذلك الأمر في مجتمعنا المحلي، فهناك مخاوف من أن يتحول لما يشبه المجتمع الأوروبي، حيث يشكل تعداد المسنين في أوروبا الغربية أرقاماً قياسية فهم يشكلون ربع السكان تقريباً. في حين كانت نسبة كبار السن في بلدان العالم الثالث تبلغ أرقاماً منخفضة 6% تقريباً، وكانت تُعرف بالمجتمعات الفتية نظراً لارتفاع نسبة معدلات الشباب فيها، إلا أن الأسباب المذكورة سابقاً جعلت هذه النسبة مرشحة للتضاعف بحلول عام 2025.

مستقبل الشيخوخة

الأقل دخلاً

تبين الدراسات والمسوح الإحصائية أن نسب المسنين في البلدان المتقدمة مرتفعة الدخل، أعلى من البلدان منخفضة الدخل، ولكن توقعات هذه الدراسات تبين أيضاً أن نسبة المسنين إلى التعداد الكلي للسكان، ستنفجر في بعض البلدان مثل الهند والصين وبلدان الشرق الأوسط، ما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج بسبب ازدياد نسبة المتقاعدين عن العمل وانخفاض دخل الأسرة، وبالتالي زيادة الطلب على خدمات الرعاية الصحية. وهنا يبين الدكتور طنوس أن التغيرات الديموغرافية في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، تعود لأسباب زيادة متوسط الأعمار وتناقص معدلات الولادة والتقدم الطبي والتكنولوجي وزيادة الوعي بالثقافة الصحية لدى الناس، وكذلك تحول الممارسات الطبية إلى الوقاية بدلاً من العلاج إضافة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يؤثر بشكل كبير على الخدمات الصحية والمجتمعية.

تغيرات صحية

إن التغير الديموغرافي وارتفاع نسبة المتقدمين بالعمر، سوف يرافقه تغيرات في القطاع الصحي. وبحسب الدكتور طنوس فإن الازدياد المتسارع لنسب المسنين في المجتمع يزيد من الحاجة للخدمات الصحية ويخلق تحديات كبيرة للهيئات الطبية والتمريضية ضمن الأنظمة الصحية؛ حيث إن استهلاك المسنين للخدمات الصحية يفوق احتياجات الفئات الأخرى لهذه الخدمات. ومن المعروف أن العبء الأكبر من الرعاية المقدمة للمسنين الأصحاء والمرضى تقع على عاتق الكادر التمريضي، ما يزيد الحاجة لكادر تمريضي متخصص في علم المسنين، الأمر الذي يقتضي دراسة القضايا المرتبطة بالتقدم في السن بما فيها الناحية السريرية والفيزيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. بمعنى آخر، دراسة جميع المشاكل التي قد تصيب المسن والمجتمع من حوله. ويتابع الدكتور طنوس أن إنذار الخطر لهذا الأمر ليس جديداً، ففي عام 2001 دُرست هذه الجوانب ضمن ورش عمل متخصصة، وظهر ما يسمى بطب المسنين الذي يعنى بدراسة المشاكل الطبية الخاصة بالمرضى كبار السن وتشخيصها وعلاجها. إلا أن ارتفاع عدد المسنين بشكل كبير يقودنا إلى الاهتمام بتمريض المسنين وليس فقط بطب المسنين، والذي أصبح فرعاً متخصصاً من فروع التمريض، ويركز على تقديم الرعاية للشخص المسن وفق العملية التمريضية بخطواتها (التقييم، التشخيص، التخطيط، التنفيذ، والتقويم) لأنه خلال تنفيذ العملية التمريضية يتم الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الفردية لكل مسن.

اختصاص جديد

أدت التغيرات المذكورة إلى الحاجة الماسة لتخصص تمريض المسنين على مستوى العالمي لتلبية الاحتياج المتزايد للرعاية الصحية لهذه الشريحة، وأصبح هناك أخصائي أو أخصائية في تمريض المسنين يتلقون التدريب ويحصلون على شهادة عليا في مجال تمريض المسنين بعد التخرج لمدة سنتين على الأقل، بحيث يصبح الخريج قادراً على العمل في مراكز إعادة تأهيل المسنين أو في مكاتب الرعاية وإعادة التأهيل المنزلي وفي أقسام طب المسنين والعيادات التخصصية بالمرضى المسنين، وكذلك العمل في مراكز الأمراض التخصصية، مثل مراكز تدبير الإمراض الإدراكية. ولكن لهذا التخصص مسؤوليات مختلفة عن الاختصاصات الأخرى للتمريض، فهي تنطلق من مستويات عدة تتعلق بتعزيز الصحة، وبإعادة التأهيل الوظيفي للمسنين للحفاظ على مستوى الصحة مع التركيز على الرعاية الوقائية، وذلك لكون الفئة المستهدفة بالرعاية تعاني العديد من التغيرات الفيزيولوجية والوظيفية.

مؤثرات مجتمعية

تختلف الدول في طريقة التعامل مع هذه الشريحة، ففي بعض الدول المتقدمة يتم افتتاح ملاجئ للمسنين تؤمن لهم خدمات الدعم وخاصة الأصحاء الذين يحتاجون لرعاية طفيفة فقط، حيث يتم تقديم الرعاية الطبية والاجتماعية والترفيهية. وفي بعض الدول تعتبر جمعيات الرعاية الأسرية المكان الأنسب لاحتضان المسن لما تتضمنه من كادر تمريضي متخصص بتمريض المسنين وتحقيق المستوى الأمثل من العناية الذاتية المستقلة لهم، ورفع قدرات المسن ليقوم بكافة نشاطات الحياة اليومية. بينما تكون نوادي المسنين هي الأمكنة التي تقدم خدمات اجتماعية وترفيهية للمسنين لتجنب العزلة الاجتماعية والوحدة، وتمكنهم من التواصل مع أقرانهم المسنين أو زملائهم السابقين في العمل. يمكن لهذه النوادي أن تقوم بالنشاطات المختلفة مثل الرحلات والاحتفالات الخاصة بالمسنين وتأمين كتب وجرائد للقراءة وممارسة بعض الهوايات مثل لعب الورق والشطرنج. ولكن في أغلب الدول المتوسطة نجد الوضع مختلفاً، فالاعتماد يكون على دور المسنين التي تقدم خدمات الإقامة والرعاية الصحية والتمريضية للمسنين النزلاء، مع غياب خدمات الرعاية الاجتماعية والنفسية والترفيهية، مع أنها تتضمن ذلك ضمن برامجها. ويمكن أن تكون هذه الدور عامة تعود ملكيتها للدولة أو خاصة تتبع للجمعيات الخيرية أو دور خاصة تعود ملكيتها لأفراد، ويمكن لبعض الدور المجهزة بالكادر المتخصص أن تستقبل مسنين معتمدين كلياً أو جزئياً على رعاية الآخرين.