نادرة هي الكتب التي تتناول تحليل المفردات وإعادتها إلى أصلها، ونادرة أيضاً الكتب التي تتناول المقارنة بين الأبجديات لمعرفة جذور الكلمات. وهذا البحث هو جهد مضنٍ في الحفر في أصل اللغات الثلاث: العربية واللاتينية واليونانية.

في تقديمه لكتابه "فيلولوجيا الأبجديات الثلاث: العربية، اللاتينية، اليونانية"، يذكر الكاتب منير صبح سعيد أن اللغة العربية هي أم اللغات، وهي لغة بعلية قمرية خصوبية، نشأت في منطقة حضارات العالم القديمة من مصر إلى الرافدين، ومن الأناضول حتى اليمن، فورثت الكم الهائل من المفردات والمترادفات في فصحاها وعاميتها. وانتشرت هذه اللغة شرقاً إلى الهند والصين، وغرباً إلى اليونان وروما، وأسس أجدادنا الكنعانيون العرب أكثر من 300 مدينة على شواطئ الأطلسي والمتوسط، واستوطنوا بريطانيا منذ أربعة وثلاثين قرناً، لذلك سرت المفردات العربية التي كانت سائدة في تلك الأيام في لغات الأوروبيين وفي أسماء مدنهم وأنهارهم وقراهم وأعلامهم حتى يومنا هذا.

ثم يشرع الكاتب بتحليل حروف الأبجدية العربية ثم اللاتينية وبعدهما اليونانية.

في تحليله لحرف الألف، يورد المؤلف أسماء مثل: ألفريد اللاتيني، ألفترياديس اليوناني، الفتيح قرية على الساحل السوري، الفشين مدينة مصرية، الفدين على الخابور، الفرع بين الكوفة والبصرة، الفتور الخمول والضعف، الفرود مواقع في جزيرة العرب.

يبدأ المؤلف بتحليل الأسماء وإعادتها إلى أصلها، فالاسم ألفريد مؤلف من مقطعين "ألف-ريد"، ألف معناها الثور وريد يعني الأحمر لأنه إله الصواعق والعواصف. وكان الإله حدد يرسم بعينين حمراوين دليل على الحدة والغضب. وفي لسان العرب ريح ريدة: عاصفة، والرداء: القوس. والرئد: القرين، ولدينا شاعر كان يدعى: عجرد، الثور الذي يعج (يرعد). وفي اليمن خمسة مواضع امها: ردمان. نقول: ردّ فلان على أبويه، أي أكرمهما ومنّ عليهما، فهو المانّ. ومن هنا جاءت كلمة رجل (مان) في الإنكليزية. وهكذا ترى أن هذا الاسم اللاتيني له أصول عربية واضحة.

الاسم اليوناني ألفترياديس مكون من أربعة مقاطع (ألف-تور-يا-ديس) الديس والدويس والدياس: تخصيب الأرحام. وهكذا يصبح المعنى: الثور الأليف العظيم. وقد وردت كلمة ديس في اسم ابن باديس أي الأب الخصيب. والباء في العربية تعني بعل. أما دا دو دي فهي أصوات الرعد ونجدها في داريا ودوما: الراعد إله الري والماء وهو البعل ديس مخصب الأرحام.

وهناك مثال آخر على أسبقية الحروف العربية، فقد كان المسند اليمني يرسم الجيم تماماً مثل جاما اليونانية مع تغيير الاتجاه، والمسند اليمني يسبق اليونانية بأربعة قرون. أما معنى الجيم في القاموس فهو: الجمل، الغلم والغلمة، من الفحولة البعلية، أما GEM فتعني الجوهرة بالإنكليزية، وقد أطلق على بعل الخصوبة: جوهرة السماء. وكلمة GEMMA تعني برعماً. ومع أن الحرف جيم عربي، فإن العرب نادراً ما يسمون أولادهم جيم وجيمي وجيمسون، بينما نجد هذه الأسماء سائدة في أوروبا. والجميم عندنا تعني النبات الكثير.

هناك اسم يوناني (سيلين) وهو أحد الآلهة، وبتشريح الاسم إلى مقطعين (سي-لين) نجد أن لين في العربية تعني رغد العيش، وفي اللغات الأوروبية تعني القمر البدر. ومن هنا جاءت كلمة بنسلين اليونانية، حيث هي البدر المذكر، وسيلين هي عشتار القمرية المؤنثة، وقد أطلقت اللفظة على العلاج لأنه إله الشفاء، بينما كلمة برلين فتعني البدر الخصيب.

يورد الكاتب كلمات إنجليزية ويونانية ولاتينية ويردها إلى أصلها العربي، ككلمة FATHER وهي من مقطعين (فا-ذر) فا: هو العظيم العجيب الذي فاء بالذرية، حيث ذر هي الذرية.

إن كلمة PA تطلق على الأب في اللغات الأوروبية والعربية (بابا) وتدل على إله الخصوبة (الأب)، ونجدها في PARIS وكلمة ريس وأريس في العربية مثل مير وأمير وزناً ومعنى، فهو الأمير أو الرئيس الخصيب الأب. وباريس بلدة مصرية في الصعيد ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان. وحوض الماء في اليونانية PASINA (با-سينا) سينا هو اسم صحراء سيناء واسمه عند الحضارمة والأكاديين (سين) لأنه إله النور، السنا، والذي يسن الماء ويسن الأرحام، وقد اتصل اسم سينا بالإله تور في لقب سيناتور، زعيم، وهي نفسها طورسينا، والطور هو التور مفخماً بالطاء، ومنه كلمة تطور وتعني انتقال القمر من نور (هلال) إلى طور (بدر). أما سين فتعني مشهداً وصورة، لأنه الصورة السماوية المتطورة المتغيرة.

----

الكتاب: فيلولوجيا الأبجديات الثلاث: العربية، اللاتينية، اليونانية

الكاتب: منير صبح سعيد

الناشر: دار الحوار اللاذقية، 2021