ما الذي تعنيه أخلاقيات القراءة؟ وهل ترتبط هذه الأخلاقيات بالقارئ، أم أنها ترتبط أيضاً بكاتب النص؟ وما هي النقاط المحددة التي يمكن من خلالها أن نقول إن لهذه القراءة أخلاقيات محددة؟

هناك لحظة أخلاقية ضرورية في فعل القراءة، ويمكن استقصاء إمكانية المقارنة بين الاختيارات الأخلاقية للشخصيات ضمن الروايات والأفعال الأخلاقية لقراء الروايات. ويقدم جي هيليس ميلر في كتابه (أخلاقيات القراءة) أمثلة عن أخلاقيات القراءة والكتابة والقد: إيمانويل كانط، بول دي مان، جورج إليوت، أنتوني ترولوب، وهنري جيمس. ويركز الكاتب على نصوص يقرأ فيها الروائيون أنفسهم متخذين فعل القراءة الذاتية أنموذجاً للقراءة بشكل عام.

يناقش المؤلف ما الذي نقصده بالأخلاقي، وهل القرار الأخلاقي أو المسؤولية الأخلاقية ضرورية في الفعل القرائي؟

تواجه اللحظة الأخلاقية اتجاهين، فهي من جانب تكون استجابة لشيء مسؤول ومحترم، أي أنها تخضع لشيء آمر، شيء من (يجب علي) أو (يجب أن أفعل كذا)؛ ومن جانب آخر فإن اللحظة الأخلاقية في القراءة تعود إلى فعل. إنها تدخل "في الميادين الاجتماعية والمؤسساتية والسياسية. مثال ذلك ما يقوله المدرس في الصف أو ما يكتبه الناقد. لا شك أن السياسي والأخلاقي يتداخلان بحميمية، ولكن الفعل الأخلاقي المقرر تماماً بالاعتبارات أو المسؤوليات السياسية لم يعد أخلاقياً. والشيء ذاته يمكن أن يقال في الحالات التي يكون الأخلاقي فيها ظاهراً بشكل ثانوي بالنسبة إلى المعرفي أي إلى عمل إدراكي".

إن دراسة الأدب، حتى دراسة العلاقات التاريخية والاجتماعية أو محددات الأدب، تبقى ضمن دراسة اللغة. والأدب يقال ليكون الانعكاس أو المثال لقوى اجتماعية وتاريخية وأيديولوجية في وقت ومكان محددين. وبهذا المعنى، فإن الأدب لا يصنع التاريخ، ولكنه يُصنع من قبله، ذلك لأن القوى المهيمنة على التاريخ هي وسائل مادية للإنتاج والتوزيع والاستهلاك. وهذه الأخيرة تخلق أيديولوجيات طبقية معينة، تعكس بدورها في الأعمال الأدبية.

التفكيكية

هناك من يسيء فهم التفكيكية، ويرى أن القارئ أو الناقد حر في أن يجعل النص يعني أي شيءيرى أن يعنيه. وهو اتهام واضح، وهذا شيء غير أخلاقي، لأنه يلغي الاستخدام التراثي للنصوص العظيمة، بدلأن تكون الأساس لثقافتنا.يدافع ميلر عن التفكيكية، ويرى أن هذا الخط الفكري المضاد هو خاطئ. إنه قراءة خاطئة لعمل النقاد التفكيكيين، وهو إساءة فهم أساسية للطريقة التي تدخل فيها اللحظة الأخلاقية في فعل القراءة أو الكتابة النقدية. إن تلك اللحظة ليست مسألة استجابة مضمون يؤكد هذه الفكرة أو تلك عن الأخلاق. إن الشيء الأكثر جوهرية هو أنني يجب أن أستجيب للغة الأدب في ذاتها. وهذا يعني أن التفكيكية ليست أكثر وأقل من قراءة جيدة لذاتها. والنقد الموجهة للتفكيكية مبني على سوء فهم للحظة الأخلاقية في القراءة.

كانط

يلتزم كتاب كانط "أسس ميتافيزيقا الأخلاق" بمعيار الواجب والقيم العليا لنكران الذات والخدمة غير المصلحية. ولكنه ينتهي إلى تأكيد أخلاقية بلده وطبقته ودينه وعصره فقط. يقول كانط: "إن الواجب هو ضرورة فعل منجز من خلال احترام القانون" و"كلما يدعى بالاهتمام الأخلاقي يتكون من احترام القانون".

إن فعل القراءة – حسب كانط – سيقود القارئ إلى فرض القانون الأخلاقي الضروري المتجسد في ذلك النص على نفسه. لكن ما هو القانون؟ إن القانون كما يقول جاك دريدا، يعطي نفسه دون أن يعطي نفسه، أي أن كانط نفسه لا يستطيع أن يخبرك بالضبط ماذا يمثل القانون في ذاته، ولكنه استطرد قائلاً بأن احترام القانون يشبه الخوف بطريقة نفهم من خلالها القانون بوصفه ضرورة لا يمكن تجنبها. وبهذه الحالة فإن القانون يشبه الكارثة الطبيعية التي نخشاها. أي أننا نخضع للقانون سواء أحببناه أم لا، ونحن نقبل القانون ضرورة، دون الاسترشاد بأهم الدوافع الأساسية، ألا وهو الحب الذاتي.

"أخلاقيات القراءة" يحفر عميقاً في كيفية تلقي النص، وكيفية التعامل مع لغة أي نص. فاللغة ضرورة عصية على السيطرة لأي مستخدم، مهما كان هذا المستخدم عقلانياً ومفرطاً في عقلانيته.

----

الكتاب: أخلاقيات القراءة

الكاتب: جي هيليس ميلر

المترجم: سهيل نجم

الناشر: دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1997