هل صحيح أن الآباء يستطيعون أن يكونوا العنصر الفعال في نبوغ الأولاد؟ وهل أخطأ آباؤنا في تربيتنا نحن؟ وإن كانوا أخطأوا، فهل نستطيع أن نفلح نحن في إصلاح أخطاء الماضي التربوية؟

يقدم د. "مسلم تسابحجي" في كتابه "أبناؤنا جواهر ولكننا حدادون"، مقترحات ونصائح للتربية الفعالة المعتمدة على أساليب حديثة لإظهار شخصية الأبناء وإرشادهم وتعزيز طاقاتهم للنمو، وبناء ثقتهم بأنفسهم وتجاوز سلبياتهم، وإعادة توجيهها نحو الإيجابيات، والكف عن محاولة تحكم الآباء، والاعتماد على اللعب والمرح والمصادقة والحب غير المشروط، والتفهم، والاحترام ولمسات الحنان والقدوة الصالحة.

أولادنا مرآة لنا

بدأ الكتاب بمقدمة تحدث فيها المؤلف عن أخطاء التربية مع مقارنة ماضيه وحاضره وملابسات ذلك، وكيف خرج من تلك الأخطاء. تقول الحكمة: (الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون). حين يضرس الأبناء تظهر منهم سلوكيات خاطئة أو انفعالية، ويغفل الآباء عن دورهم الأساسي في خلق المشكلة، فالأبناء مرآة صافية تعكس بدقة نوعية الممارسات التربوية التي يتلقونها في البيت أو المدرسة. وهنا يبين الكاتب ضرورة تحقيق التوازن دون إفراط أو تفريط، فلا يفرط الأهل في محاولة حماية الابن ويخافون عليه من نسمة الهواء كي لا ينشأ ضعيف الشخصية، وألا يستخدموا أساليب القسوة والعنف البدني والنفسي فينشأ خائفاً ويزرع في قلبه الرعب الذي يولد الحقد والكراهية. ويجب أن يعي المربي أنه حينما يضرس الأبناء، فهذا يعني أن الأهل قد أفرطوا في أكل الحصرم.

ذكر المؤلف نقاطاً تتكون منها الاستراتيجية المثلى في التربية، وهي ثلاثة محاور:

بناء الثقة، اصطياد الإيجابيات، إعادة توجيه السلبيات.

بناء الثقة: وتكون من خلال إزالة الخوف والكف عن محاولة التحكم والسيطرة والوصاية والرغبة الجامحة في تحقيق نتائج معينة، وهنا مطلوب من الأهل أن يفقدوا السيطرة والتحكم شيئاً فشيئاً حتى يصل الأبناء إلى سن المراهقة، وقد فقد الأهل السيطرة والتحكم تماماً ويحل محلها العلاقة الطيبة والصداقة والتناصح والتفاهم والاحترام المتبادل والفرح بوجود اختلاف في وجهات النظر. وذلك من خلال اللعب والمرح، مصادقة الابن، الحب بلا شروط، التفهم (لأنك ابني أحبك مهما فعلت وأحبك مهما كنت).

ما تريده من أبنائك افعله أنت معهم، ولا تطالبهم به. فعندما تكون العلاقة طيبة بين الأهل وأبنائهم وعندما يكون الأهل قدوة حسنة لأبنائهم، فإن الأبناء يعطون أفضل النتائج.

ويقدم هنا الكاتب مثالاً عن قصة الإوزة المدللة التي تبيض ذهباً، ويشرح من خلالها قانوناً أساسياً من قوانين التربية، وهو قانون العناية بالإوزة؛ إذ كلما ازدادت عنايتنا بها حصلنا على بيض أكثر، وبالعكس كلما ركزنا على البيض وأهملنا الإوزة قلّ عدد البيض الذي سنحصل عليه.

اصطياد الإيجابيات: وذلك من خلال استمرار جرعات تعزيز الدعم والثقة التي تمكن أبناءنا من استغلال إمكانياتهم كاملةً.

(تهادوا تحابوا) فالهدف الأساسي بحسب الكاتب من المكافآت والهدايا المادية والمعنوية، هو تقوية العلاقة وتمتين أواصر المحبة بين المربي وابنه، وأن الثواب هو وسيلة فعالة لبناء الثقة وتقوية العلاقة، ما سيؤدي إلى تعديل السلوك بشكل غير مباشر.

إعادة توجيه السلبيات: وهنا يوضح الكاتب كيفية التعامل مع التصرفات الخاطئة والسلوكيات غير المقبولة، وذلك من خلال الفصل بين المرء وسلوكه السلبي ومعرفة القصد الإيجابي وإيجاد البدائل لتحقيقه وتجاوز الأخطاء البسيطة والاحتفال بالخطأ والتعلم منه، لأن من لا يتحرك لا يخطئ ولا يتعثر لكنه يصبح عثرة في الوجود، ومن الطبيعي أن يخطئ الابن عدة مرات حتى يتعلم السلوك السليم، والتربية تقوم على بلوغ الشيء تمامه بالتدريج.

ربوا واتعبوا

يروي لنا الكاتب قصة حياتية عاشها مع أبنائه وكيف استطاع تجاوز الخلافات بينهم والمشاكل اليومية عبر هرم التواصل الفعال والذي يتكون من ضبط النفس، التعاطف، الكلام؛ مستعملاً العادات السبع للناس الأكثر فاعلية وهي: كن مبادراً، ابدأ والنهاية في ذهنك، ابدأ بالأهم قبل المهم، فكر بالمنفعة للجميع، حاول أن تفهم أولاً ثم أن تكون مفهوماً، التكاتف، اشحذ المنشار.

ويختم الكتاب بنصائح مفيدة بقول ورد في مقدمة ابن خلدون: "من كان مرباه بالعسر والقهر من المتعلمين أو الخدم غلب عليه القهر وضاقت نفسه، وذهب نشاطها وحمل على الكذب والخبث لانبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك".

----

عنوان الكتاب: أبناؤنا جواهر ولكننا حدادون.

الكاتب: د. مسلم تسابحجي

الناشر: دار الفكر، دمشق 2018 .