نشر روسو كتاب "أصل التفاوت بين الناس" سنة 1755 وقدمه لجمهورية جنيف. وفي هذا الكتاب صرح بأنه لا يفترض وجود الحال الطبيعية فعلاً، وإنما يستحسن حالة من الهمجية متوسطة بين الحال الطبيعية والحال الاجتماعية، يحافظ فيها على البساطة ومنافع الطبيعة.

"أصل التفاوت" يعد مدخلاً لكتاب "العقد الاجتماعي" الذي نشر عام 1762، وفيه هاجم روسو الرق وعدم المساواة، وأيد حقوق الإنسان، وأن الشعب هو وحده صاحب السيادة. وعلى خلاف فولتير ومونتسكيو، اللذان اقتصرا على المطالبة بالإصلاح السياسي والديني، رأى روسو أنه يجب تجديد الدولة والمجتمع تجديداً كلياً.

يتحدث روسو عن وجود نوعين للتفاوت في الجنس البشري، الأول هو ما دعاه "التفاوت الطبيعي" أو الفيزيائي لأنه من وضع الطبيعة، ويقوم على اختلاف الأعمار والصحة وصفات النفس؛ أما النوع الثاني فيدعوه "التفاوت الأدبي" أو السياسي الذي يتألف من مختلف الامتيازات التي يتمتع بها إجحافاً بالآخرين.

يتابع روسو: "إذا كانت الطبيعة قد أعدتنا لنكون أصحاء، فإنني أجرؤ على القول بأن حال التفكير مناقضة للطبيعة، وأن الإنسان الذي يفكر حيوان فاسد". ويستعين روسو بأفلاطون لتدعيم رأيه حول الأدوية التي تقضي على مناعة الإنسان.

لا يكون روسو هنا مصيباً، لأن التفكير الذي يهاجمه ويرفضه ويجعله سبباً للفساد، هو إمكانية كامنة في النوع البشري، وهو ما يميزه عن باقي الكائنات.

ويخلص روسو إلى أن الإنسان الهمجي المريض المتروك للطبيعة، ليس لديه ما يخشاه من مرضه، وهذا يجعله في وضع أفضل من وضعنا.

لدى روسو أفكار قطعية يبني عليها أفكاراً أخرى ويصل إلى استنتاجات كان قد وضعها سلفاً. ومثال ذلك رأيه حول اللغة: "إن الكلمات التي استعملها الناس قد انطوت في روحها على معنى أكثر اتساعاً بما لم يكن للكلمات التي تستعمل في اللغات القائمة، وهي إذ تجهل تقسيم الكلام إلى أجزائه المتتابعة، فإنها منحت في البداءة كل كلمة معنى جملة بأجمعها". وهذا التفسير ليس دقيقاً، بالنظر إلى أصل اللغات، وإلى الدراسات اللغوية الكثيرة حول نشوء وتطور اللغة.

الملكية

مؤسس المجتمع المدني الحقيقي هو الإنسان الأول الذي سوّر أرضاً وأعلن أن هذه الأرض ملكه، وقد وجد من البسطاء من يصدقونه. وعندها بدأت سلسلة التفاوت بين البشر، وأصبح الأمر كما جاء على مبدأ جون لوك "لا يمكن أن توجد إهانة حيث لا يوجد تملك". ويتابع روسو قائلاً: "منذ احتاج الإنسان إلى معونة إنسان آخر، زالت المساواة عنده وانتحل التملك وصار العمل ضرورياً، وتحولت الغابات الواسعة إلى حقول باسمة، وجب أن تروى بعرق الناس. فلم تلبث أن وجدت فيها العبودية والبؤس ونموها مع نمو الغلات".

وأدى التعدين والزراعة إلى انقلاب كبير، وإلى هلاك النوع البشري. وقد أدت زراعة الأرض إلى تقسيمها، وأدى الاعتراف بالتملك إلى أولى قواعد العدل، وذلك لأنه يجب لإعادة مال كل واحد إليه، أن يكون هذا الشخص مالكاً شيئاً ما.

روسو هو أحد أهم مفكري العالم، عبر العصور، وما زالت أفكاره تثير جدلاً، وتلقى رواجاً ونقداً واستحساناً.

----

أصل التفاوت بين الناس

جان جاك روسو

ترجمة: عادل زعيتر

الناشر: دار الرافدين، بيروت