رومان ياكبسون واحد من أهم رواد اللسانيات والشعرية في العصر الحديث. وهذا هو أول كتاب يقدم للقارئ العربي ويتضمن بعضاً من أعمال ياكبسون الأساسية.

ولد رومان ياكبسون عام 1896 في موسكو، في عائلة مهتمة بالعلم. عاصر مدارس شعرية في روسيا منها الرمزية والمستقبلية، وكتب الشعر ضمن الاتجاه المستقبلي. وكان صديقاً للشاعرين ماياكوفسكي وكليبنيكوف.

تأثر بكل من مالارميه ونوفاليس كمنظرين للرمزية والرومانسية، وتأثر كذلك بسوسير وهوسرل، وبودوان ودكورتوناي المؤسس الأول للصوتيات.

شارك في تأسيس حلقة موسكو اللسانية بين عامي 1915- 1920، وهي الحلقة التي كانت على اتصال بحلقة أخرى تشكلت في بترسبورغ تحت اسم "جمعية دراسة اللغة الشعرية". ولعب دوراً هاماً في نشأة مدرسة الشكلانيين الروس، وانتقل بعدها إلى تبني البنيوية.

تنقل ياكبسون بين بلدان كثيرة، واستقر في تشيكوسلوفاكيا لمدة عشرين عاماً تقريباً. وهناك ساهم في تأسيس حلقة "براغ" اللسانية 1926. وكان أحد الناطقين الأساسيين باسم هذه الحلقة.

ساهم في بلورة النظرية الفونولوجية، ثم تنقل بين الدانمارك والسويد والنرويج، وتوجه إلى أمريكا سنة 1946 وتعرف إلى كلود ليفي شتراوس وأصبحا صديقين حميمين. بدأ التدريس في جامعات أمريكية أستاذاً للسانيات العامة واللغة والأدب السلافيين، وشارك في أعمال حلقة نيويورك اللسانية وفي إدارة مجلتها (وورد). وتفرغ في الستينيات والسبعينيات لدراسة الشعر. استمر في التنقل والتدريس وإقامة الندوات العلمية إلى أن توفى 1982.

الشعر

سؤال: ما الشعر؟ هو السؤال الذي يبدأ فيه فصله الأول. ويرى ياكبسون أنه ينبغي علينا إذا أردنا تحديد هذا المفهوم أن نعارضه بما ليس شعراً، ولكن هذا أيضاً ليس أمراً سهلاً.

حدد الكلاسيكيون والرومانسيون قائمة الأغراض الشعرية، وكانت محصورة للغاية مثل: القمر، البحيرة، البلبل، الصخور، الوردة، والنهر، وغيرها. أما الشعراء المعاصرون فوجدوا أنه لا يوجد شيء خارج مجال الشعر، وأنه لا يمكن تحديد مجموع الأدوات الشعرية، وبذلك لا نكتشف حدود الشعر.

إن محتوى مفهوم الشعر غير ثابت وهو يتغير مع الزمن، إلا أن الوظيفة الشعرية هي عنصر فريد لا يمكن اختزاله بشكل ميكانيكي إلى عناصر أخرى، هذا العنصر ينبغي تعريته والكشف عن استقلاله.

تتجلى الشعرية في كون الكلمة تدرك بوصفها كلمة وليست مجرد بديل عن الشيء المسمى ولا كانبثاق للانفعال. وتتجلى في كون الكلمات وتركيبها ودلالتها وشكلها الخارجي والداخلي ليست مجرد أمارات مختلفة عن الواقع، بل لها وزنها الخاص وقيمتها الخاصة.

يقول ياكبسون في توصيف عال للشعرية: "في الوقت الذي ينتهي فيه عصر ما، وفي الوقت الذي ينحل فيه التعلق الوثيق لمكوناته المختلفة، حينئذ فقط تنتصب في مقبرة التاريخ الشهيرة فوق كل الأشياء الأثرية العتيقة "المعالم الشعرية"".

اللسانيات

ينبغي للدراسة اللسانية للوظيفة الشعرية أن تتجاوز حدود الشعر، ولا يمكن للتحليل اللساني للشعر أن يقتصر على الوظيفة الشعرية. فخصوصيات الأجناس الشعرية المختلفة تستلزم مساهمة الوظائف اللفظية الأخرى بجانب الوظيفة الشعرية المهيمنة، وذلك في نظام هرمي متنوع.

ليس الشعر هو المجال الوحيد الذي تخلف فيه رمزية الأصوات آثارها، وإنما هو المنطقة التي تتحول فيها العلاقة بين الصوت والمعنى من علاقة خفية إلى علاقة جلية وتتمظهر بالطريقة الملموسة جداً والأكثر قوة.

يستلزم الشعر استعمالاً خاصاً للغة، لذلك فإن كل بحث في مجال الشعرية يفترض معرفة أولية بالدراسة العلمية للغة، لأن الشعر فن لفظي.

----

الكتاب: قضايا الشعرية

الكاتب: رومان ياكبسون

ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون

الناشر: دار توبقال، المغرب، 1988