قد يكون التعديل الجيني علاجاً محتملاً للقلق واضطراب تعاطي الكحول لدى البالغين الذين تعرضوا للإسراف في الشرب في فترة المراهقة، وفقاً لنتائج دراسة على الحيوانات نُشرت في مجلة Science Advances. تم إصدار الدراسة من قبل باحثين من جامعة إلينوي في شيكاغو، كان هؤلاء العلماء يدرسون ولسنوات طويلة آثار الإفراط في شرب الخمر في الحياة المبكرة على الصحة في وقت لاحق من الحياة.

في بحث سابق، وجد فريق جامعة إلينوي أن الإفراط في الشرب في مرحلة المراهقة يغير كيمياء الدماغ في المنطقة المعززة من الجين القوسي – هذا الجين مرتبط بالبروتين ومرتبط بالهيكل الخلوي المنظم لنشاط الإنسان- ويقلل من قدرة الجين القوسي التعبيرية في اللوزة المخية لكل من القوارض والبشر.

تساهم إعادة البرمجة اللاجينية التي يطورها العلماء لـ "جين القوس" في مركز العاطفة والذاكرة في الدماغ في الاستعداد للقلق وتطوير القدرة على التخلص من القلق المرضي والتعافي من اضطراب تعاطي الكحول في مرحلة البلوغ.

في الدراسة الجديدة، أظهر الباحثون أن إعادة البرمجة اللاجينية هذه، والتي تستمر طوال الحياة، يمكن في الواقع عكسها من خلال تحرير الجينات.

يمكن أن يكون للشرب المبكر بشراهة تأثيرات طويلة الأمد وهامة على الدماغ، وتقدم نتائج هذه الدراسة دليلاً على أن تعديل الجينات هو ترياق محتمل لهذه التأثيرات، ما يوفر نوعاً من إعادة ضبط المصنع للدماغ، إذا صح التعبير، حسب ما قال كبير مؤلفي الدراسة سوباهاش باندي، وأستاذ الطب النفسي جوزيف أ. فلاهرتي ومدير مركز أبحاث الكحول في علم التخلق في جامعة كاليفورنيا.

قبل أن نتقدم في عرض البحث الذي أجراه علماء جامعة إلينوي، سوف يشرح لنا الباحثون هذه المفاهيم التالية:

آليات الوراثة اللاجينية: تتضمن التعديل والتلاعب بالتسلسل الجيني مثل تعديلات الهيستون والـ RNAs غير المشفر وإزالة الميثيل في الجهاز العصبي.

أستلة الهيستون: هو تعديل جيني هام يغير بنية الكروماتين وينظم التعبير الجيني عن طريق فتح أو إغلاق بنية محددة. تلعب أستلة الهيستون دوراً أساسياً في تقدم دورة الخلية والتمايز.

الكروماتين: هو مزيج من الحمض النووي والبروتينات التي تشكل محتويات نواة خلية. الوظائف الأساسية للكروماتين هي: حزم الحمض النووي في أصغر حجم لاحتوائه في الخلية ولتعزيز الحمض النووي للسماح له بالانقسام الخيطي (الانقسام غير المباشر)، ومنع تلف الحمض النووي، والتحكم في التعبير الجيني ونسخ الحمض النووي.

مثيلة الحمض النووي: هي آلية جينية تتضمن نقل مجموعة ميثيل من موضع إلى موضع آخر في تسلسل الحمض الريبي النووي. ينظم مثيلة الحمض النووي التعبير الجيني عن طريق تجنيد البروتينات المشاركة في قمع الجينات أو عن طريق تثبيط ارتباط عامل (أو عوامل) النسخ بالحمض النووي.

استخدم باندي وفريقه أداة لتعديل الجينات تسمى CRISPR-dCas9 في تجاربهم لمعالجة عمليات أستلة الهيستون والعمليات المثيلة في جين القوس في نماذج الفئران البالغة. تجعل هذه العمليات الجينات الأكثر أو الأقل قابلية للتنشيط.

أولاً، درس الباحثون الفئران البالغة مع التعرض المتقطع للكحول في فترة المراهقة، والتي تقابل حوالي 10 إلى 18 عاماً في سنوات الإنسان. لاحظوا أنه عند استخدام dCas9 لتعزيز الأستلة، وهي عملية تخفف الكروماتين وتسمح لعوامل النسخ بالارتباط بالحمض النووي، يتم تطبيع التعبير الجيني للقوس. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت مؤشرات القلق واستهلاك الكحول.

تم قياس القلق من خلال الاختبارات السلوكية، مثل توثيق النشاط الاستكشافي للفئران الموضوعة في اختبارات المتاهة، وتم قياس تفضيل الكحول من خلال مراقبة كمية السائل المستهلكة عندما يتم تقديم الفئران مع خيار مؤلف من زجاجتين يتكونان من خيارات مثل ماء الصنبور ومياه السكر وتركيزات متفاوتة من الكحول (3%، 7%، و9%).

في أنموذج ثانٍ، درس الباحثون الفئران البالغة التي لم تتعرض للكحول في وقت مبكر. عندما تم استخدام dCas9 المثبط لتعزيز الميثيل، الذي يشد الكروماتين ويمنع عوامل النسخ من الارتباط بالحمض النووي، انخفض تعبير القوس وزادت مؤشرات القلق واستهلاك الكحول.

يقول المؤلفون: تظهر هذه النتائج أن التحرير فوق الجينوم في اللوزة المخية يمكن أن يحسن علم النفس المرضي لدى البالغين بعد تعرض المراهقين للكحول.

الإفراط في تناول المشروبات الكحولية لدى المراهقين مشكلة خطيرة تتعلق بالصحة العامة، وهذه الدراسة لا تساعدنا فقط على فهم أفضل لما يحدث في تطوير الأدمغة عندما يتعرضون لتركيزات عالية من الكحول، ولكن الأهم من ذلك أنها تمنحنا الأمل في أنه في يوم من الأيام سنحصل على علاجات فعالة كما قال باندي وهو أيضاً عالم أبحاث بارز في مركز جيسي براون فيرجينيا الطبي.

إن هذا التأثير الذي شوهد بشكل ثنائي الاتجاه يثبت صحة أهمية جين مُعزز القوس في اللوزة المخية في إعادة البرمجة اللاجينية لعلاج مشكلة الشرب بنهم عند المراهقين.

المؤلفون المشاركون في الدراسة: "التحرير اللاجيني المستهدف يخفف من قلق البالغين والشرب المفرط بعد تعرض المراهقين للكحول"، هم جون بيتون بوهنساك، وهوايبو زانج، وغابرييلا واندلينج، ودونغهونغ هي، وإيفان كيزار، وآمي لاسيك، وجميعهم من جامعة إلينوي الدولية.

حول هذا التعديل الجيني

يعمل التحرير اللاجيني المستهدف على تخفيف قلق البالغين والإفراط في الشرب بعد تعرضهم في مرحلة المراهقة للكحول. يُعد الشرب بنهم عند المراهقين أحد عوامل الخطر الرئيسية للاضطرابات النفسية في وقت لاحق من الحياة بما في ذلك اضطراب تعاطي الكحول.

يؤدي تعرض المراهقين للكحول إلى إعادة البرمجة اللاجينية في المنطقة المعززة للجين المبكر المرتبط بالبروتين (Arc) المرتبط بدوره بالهيكل الخلوي المنظم للنشاط في اللوزة المخية، والمعروف باسم عنصر استجابة النشاط المشبكي (SARE)، ويقلل من تعبير القوس في اللوزة الدماغية لكل من القوارض والبشر. لا يُعرف الدور السببي للتنظيم اللاجيني في قلق البالغين وشربهم بعد تعرضهم في مرحلة المراهقة للكحول بنهم وإفراط.

هنا، نوضح أن dCas9-P300 يزيد من أستلة الهيستون في الجين القوسي ويعيد أوجه القصور في تعبيرات القوس إلى طبيعتها، ما يؤدي إلى التخفيف من قلق البالغين والإفراط في شرب الكحول مثلما حصل في أنموذج الفئران التي تعرضت للكحول خلال المراهقة. على العكس من ذلك، يزيد dCas9-KRAB مثيلة الهيستون القمعية في الجين القوسي، ويقلل من تعبير القوس، وكنتيجة لهذا يزداد القلق وشرب الكحول عند الفئران الضابطة.

توضح هذه النتائج أن التحرير فوق الجينومي في اللوزة المخية يمكن أن يحسن علم النفس المرضي لدى البالغين بعد تعرضهم في فترة المراهقة للكحول بشكل مفرط.

----

ترجمة عن موقع: https://neurosciencenews.com/