يعد عبد الرحمن الكواكبي من أعلام الفكر في العالم العربي، وارتبط اسمه بكتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" الذي كان أول كتاب عربي يشرح الاستبداد، ويعري مواطن الخلل أو الضعف الذي اعترى العرب.

ينحدر عبد الرحمن الكواكبي الذي ولد في ولاية حلب عام 1854 من أسرة لها مكانة مهمة ومرموقة، من جانب الأب والأم، فوالده أحمد بهائي كان صاحب علم، الأمر الذي جعل منه حجة في علم الميراث، وأميناً لفتوى الولاية مدة من الزمن، وعضواً بمجلس إدارة الولاية وقاضياً لها، ومستودع سرّ الناس، ومحرر عقودهم وصكوك معاملاتهم. كان خطيباً وإماماً في مسجد جدّه (أبي يحيى)، ومديراً ومدرساً بالمدرسة الكواكبية، والمدرسة الشرقية والجامع الأموي بحلب، أما والدته عفيفة بنت مسعود آل النقيب، فقد كانت ابنة مفتي أنطاكية التي توفيت عندما بلغ عبد الرحمن الكواكبي السادسة من العمر، لذا قام والده بإرساله إلى أنطاكية لتقوم خالته باحتضانه لمدة ثلاث سنوات.

دراسته

بدأ الدراسة على يد خالته التي علمته طوال الثلاث سنوات القراءة والكتابة واللغة التركية، ليعود إلى كنف والده في حلب الذي أرسله إلى مدرسة الشيخ طاهر الكلزي، فتعلم العلوم العربية والتركية والفارسية. وفي عمر الحادية عشر سافر إلى أنطاكية ليتتلمذ على يد عم أمه نجيب النقيب، وكان الأستاذ الخاص للأمير المصري الخديوي عباس حلمي الثاني.

وفي عمر الثانية عشرة وبعد عودته إلى حلب، أدخله والده المدرسة الكواكبية، ودرس العلوم العربية والشرعية إلى جانب المنطق والعلوم الرياضية والطبيعية والسياسة، كما أحبَّ قراءة المترجمات عن اللغة الأوروبية. وبعد تخرجه من المدرسة الكواكبية ونيله الإجازات وأعلى الشهادات، اشتغل بالتدريس مدّة وكان عمره عشرين سنة.

المناصب التي شغلها

نشأ عبد الرحمن الكواكبي في وسط ثقافي رفيع وكان ذا ثقافة ورفعة وقوة، وعندما بلغ الثانية والعشرين من العمر أصبح محرراً غير رسمي في جريدة "الفرات" التي كانت الجريدة الرسمية التي تصدرها الحكومة باللغتين العربية والتركية ليصبح بعد عام من العمل محرراً رسمياً فيها، ليقوم عام 1878 م بإنشاء جريدة أسماها "الشهباء" بالاشتراك مع هاشم العطار، لتكون أول جريدة عربية تصدر في حلب، والتي سرعان ما تم تعطيلها بعد صدور خمسة عشر عدداً منها من قبل كامل باشا القبرصي الذي كان والياً لحلب آنذاك والمعروف عنه كرهه للصحافة والحرية معاً. وفي عام 1879 أنشأ جريدة "الاعتدال" باللغتين العربية والتركية والتي ألغاها الوالي "جميل باشا" شيخ وزراء الدولة العثمانية.

عيّن عبد الرحمن الكواكبي في عام 1879 عضواً فخرياً في لجنتي المعارف والمالية، وبعد عام عيّن عضواً فخرياً في الأشغال العامة ثم محرراً للمقاولات، كما عين مأموراً للإجراء في ولاية حلب، وعضواً فخرياً في لجنة امتحان المحامين.

وفي عمر التاسعة والعشرين عينته الحكومة مديراً فخرياً لمطبعة الولاية الرسمية، ثم رئيساً فخرياً للجنة الأشغال العامة، وعضو في محكمة التجارة بولاية حلب، ثم عاد مأموراً للإجراء في حلب عام 1886، ليقدم استقالته في نهاية العام نفسه ويفتح مكتب للمحاماة خاص به، ليتم تعينه عام 1892 رئيساً لبلدية حلب ونفذ العديد من الإصلاحات في وقتها ووضع خطة تساعد من يأتي بعده في إكمال مسيرة إصلاحاته. أما عام 1894 عمل بوظيفة رئيس كتاب للمحكمة الشرعية في حلب، وبعدها رئيساً للجنة البيع في الأراضي الأميرية ثم رئيس لغرفة التجارة في حلب.

أعماله

كتب عبد الرحمن الكواكبي العديد من المقالات والأبحاث في كثير من الصحف العربية، وكان يكتب بأسماء مستعارة في بعض الأحيان، لذلك نجد أن هناك أعمال نُسبت إليه لم يتم التأكد من صحتها، وكان من الصحف التي كتب فيها "الفرات، الشهباء، اعتدال، المؤيد، المنار، العمران، القاهرة، النجاح، النحلة، الأهرام، المصباح، لسان العرب، المقطم".

وكتب عدّة كتب منها "أم القرى" وهو ضبط مفاوضات ومقررات مؤتمر النهضة الإسلامية المنعقد في مكة المكرمة سنة 1898 والذي ألفه في حلب. وظهر أول مقال عنه في صحيفة المؤيد سنة 1899، أما كتابه الذي كان السبب في شهرته فكان "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، الذي نشر لأول مرة في صحيفة المؤيد المصرية.

وهناك العديد من المقالات والكتب والرسائل والمذكرات المفقودة لم يتم العثور عليها، ولكن كان هناك أخبار عنها. ومن هذه الأعمال "صحائف قريش، العظمة لله، أمراض المسلمين والأدوية الشافية لها، أحسن ما كان في أسباب العمران، ماذا أصابنا وكيف السلامة، الأنساب، الرسائل".

أم القرى

كتب عبد الرحمن الكواكبي الكتاب في حلب، حيث تخيل الكواكبي في "أم القرى" أن مؤتمراً عُقد في مكة للتداول في أحوال المسلمين وأسباب تأخرهم، وحضر المؤتمر "22" مندوباً عن الأقطار الإسلامية جميعها برئاسة الأستاذ "مكي" وعهدت أمانة السر إلى السيد فراتي أي الكواكبي نفسه، وقد عقد المؤتمر "12" اجتماعاً غير اجتماع الوداع، وجرت في المؤتمر مباحثات، يمثل "أم القرى" ضبطاً لها، ويلاحظ الكواكبي في مقدمته الخلل أو الضعف الذي اعترى المسلمين ثم يحاول أن يعثر على أسبابه، وأن يضع حلولاً لها.

طبائع الاستبداد

كتب الكواكبي رؤوس مقالات طبائع الاستبداد في حلب، وكان يعدلها باستمرار، ثم وسع تلك الأبحاث وأصبحت كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، وتصدر الكتاب عبارة "وهي كلمات حق وصيحة وأد، إن ذهبت اليوم مع الريح، قد تذهب غداً بالأوتاد".

يتألف الكتاب من تمهيد ومقدمة وتسع مقالات تحت عناوين: "ما هو الاستبداد، الاستبداد والدين، الاستبداد والعلم، الاستبداد والمجد، الاستبداد والمال، الاستبداد والأخلاق، الاستبداد والتربية، الاستبداد والترقي، الاستبداد والتخلص منه".

وما كان كتاب طبائع الاستبداد إلا دراسة مكملة لكتاب أم القرى قام عبد الرحمن الكواكبي من خلاله بسدّ الثغرات وإجراء تعديلات كان من الواجب إدخالها للكتاب الأول في موضوع الاستبداد.

----

المراجع

[1] نوابغ الفكر العربي- عبد الرحمن الكواكبي، الدكتور سامي الدهان، دار المعارف في مصر.

[2] الأعمال الكاملة للكواكبي، الدكتور محمد جمال طحان، مركز دراسات الوحدة العربية، 1995، أعيد طباعته تحت عنوان "أعمال الكواكبي غير الكاملة"، دار الكلمات 2015.