مناصرو صحافة الحلول يرون أن تعزيز إظهار المعلومات الإيجابية على الرغم من تضخم الواقع السلبي، لا يعدو كونه تضليلًا يتعارض مع معيار الكشف الكلي للمعلومات. وهنا يمكن أن تشكل صحافة الحلول أنموذجاً صحفياً يهدف إلى تقدم وازدهار المجتمع، لا مجرد أنموذج تقليدي يسعى إلى تحقيق الأرباح والشهرة على حساب الجودة والموضوعية والقيمة المضافة التي يجب أن يحققها المحتوى المنشور.

هناك العديد من الدراسات التي حاولت وضع تعريفٍ شاملٍ للأخبار، ولكن تلك التعريفات كانت تتغير بحسب التطورات التي كان يشهدها قطاع الإعلام في كل مرحلة تاريخية، فالإعلام بطبيعة الحال يتسم بسمات العصر الذي يولد فيه ويكتسب العديد من صفاته، فالأخبار بالنسبة إلى "Walter Lippmann" في عام 1992 كانت عبارة عن وسيلة يكتشف العالم بها وأداة يتم بناء الواقع من خلالها، فيقول "نعتمد على وسائل الإعلام لاستكشاف العالم من حولنا وبناء واقعنا"، وقد تطور هذا التعريف لاحقاً بسبب التطور الكبير وحالة التزاوج التي حصلت بين قطاعات الإعلام والمعلومات والاتصالات ودخول الويب 2.0 كداعمٍ كبير لعملية الانتقال من عمليات النشر البسيط للأخبار التي كانت تتم في اتجاه أحادي (خطي) إلى عمليات النشر التفاعلية اللاخطية والتي تتم بشكل دائري متعدد الاتجاهات بشكل يحقق التشاركية الفعالة مع الجمهور، والتي كانت وسائل الإعلام التقليدي عاجزةً عن توفيرها إلا بحدودها الدنيا.

كذلك فإن التسميات التي تطلق على الصحافة، كانت تتغير بشكلٍ مستمر، بحسب مراحل تطور الجمهور واهتماماته والإعلام وأدواته وبحسب المواضيع التي كان يتم التركيز على تغطيتها، وسادت لسنواتٍ طويلة مقولة "الخبر الجيد يكون عندما يقوم إنسان ما بعض الكلب... وليس العكس"، كمثال معبر عن المعنى الحقيقي للخبر الذي يهم الجمهور، واستحوذت على عقول الباحثين والدارسين لسنوات طويلة، وتم تكريس فكرة أن سر النجاح في مجال الإعلام يكمن في مقدار ما يحمله من الغرابة والإثارة. كما رأى الكثير من العاملين في هذا المجال أن الصحافة هي فن عرض المشاكل، فكان عرض أخبار الحروب، الإرهاب، الفساد، القمع، الجرائم، الزلازل، الفيضانات، الجفاف، الأوبئة، والفضائح…، وكثيراً ما تبحث صحافة التحقيقات عن فضائح ترفع عنها الستار وعن مذنبين تسعى لفضحهم. أما صحافة تقصي الحقائق، فتتطلع إلى إرساء الحقيقة وتعقب الأكاذيب والتلاعبات. هذه المواضيع تستحوذ على النصيب الأكبر من مساحات الكتابة وأوقات التغطية عبر الجرائد، والنشرات الإخبارية التلفزيونية، والقنوات الإعلامية والبيانات الإذاعية والمواقع الإخبارية.

هيمنة الصحافة السلبية

لا شك بأن الصحافة التي تتناول المشاكل تهيمن على الإعلام، ولم يعد من السهل مجابهتها بصحافة معاكسة تسير عكسها، لكنها أفرزت حالةً من النفور والابتعاد التي باتت تخيم على الجمهور، وأصبحت تؤثر سلباً على نفسية الجمهور والصحافيين على حدٍ سواء. واليوم ينصرف ثلث البشر عن الإعلام حتى لا "يتعكرون نفسياً"، ولا يشعرون "بإحساس بالشلل" (معهد رويتر، Digital news report 2019)، هذا ما دفع باتجاه البحث عن حل لمشكلة الصحافة ومشكلة فقدانها لسلطتها وإعادة اكتساب ثقة جمهورها، والتي يمكن أن تتم عبر تبني أسلوب صحافة الحلول، فهي الحل للصحافة طالما بالإمكان تقديم تفاصيل محتوى إخباري لا تتعارض مع المعايير المهنية.

بعض الوسائل حاولت استعادة ثقة الجمهور وفرض نفسها من جديد عبر تمجيد بعض الأبطال الذين ربما يكونوا من مسؤولين أو موظفين عاديين، بدل تمجيد الفكرة الخلاقة والحل الصحيح للمشكلات القائمة، كما أُسست أقسام صحفية يرأسها صحفيون مهمتهم عرض الجوانب المشرقة والإيجابية لتلك القضايا، ليس لأجل تعميم الفائدة والنظر بفكر نقدي للقضايا المهمة في المجتمع، بل لتحقيق إيراداتٍ للمعلن أو الراعي، ودون العمل وفق نهج علمي موضوعي قائم على الأدلة والبراهين والمستند على الاحصاءات والبيانات التي من شأنها أن تخفف من درجة التحيز التي من الممكن أن تعاني منها طريقة العرض التقليدية.

دوامة الصمت

لا شك أن اللوم لا يلقى على وسائل الإعلام البسيطة، بسبب تركيزها الكبير على الأحداث المثيرة على اعتبار أن هذه النوعية من الأخبار تثير فضول القارئ وتشد انتباهه، فهذه الوسائل لا تجد في كثير من الأحيان مهرباً من اجترار الأخبار التي تفرضها الوكالات الإعلامية العالمية التي تسيطر على سوق الأخبار، أو يكون أمامها خيار السكوت والتزام الصمت. وهذا ما تكلمت عنه الباحثة الألمانية إليزابيث نويل في نظريتها (دوامة الصمت) والتي تقوم على فكرة واحدة مغزاها بأن وسائل الإعلام تتبنى أراءً محددةً في أزمة أو قضية معينة حدثت في زمنٍ محدد، ما يجعل الرأي العام يتجه وفق توجه تلك الآراء الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي تقف الجهة المعارضة موقفاً صامتاً، خوفاً من الاضطهاد من رأي الغالبية؛ لذا يتكون في النهاية رأي واحد يغلب على كامل الرأي العام، وهو الرأي الذي تبنته وسائل الإعلام تلك، وتمارس قوة كبيرة بفرض قواعدها وقوانينها وإجبار الآخرين على التزام الصمت وعدم القيام بتغطية أي موضوع لا تقوم هي بتبنيه.

صحافة المواطن سلطة خامسة

رغم كل ذلك النقد الموجه لوسائل الإعلام، فإنّ المجتمعات الغربية لم تتزحزح عن إيمانها بدور الصحافة والإعلام في توفير المناخ السليم للديمقراطية وخدمة الصالح العام، وتحولت صحافة المواطن إلى سلطةٍ خامسة، هدفها تحرير الصحافة بوصفها سلطة رابعة من حالة الالتفاف السياسي والاقتصادي والتوظيف الفئوي والمصلحي الذي تعيشه. في هذا السياق دق الصحفي الأمريكي دافيد برودر ناقوس الخطر منذ سنة 1990 في مقالةٍ شهيرة عن تغطية الشؤون السياسية لزملائه الصحفيين. لم يستعمل صاحب المقال مصطلح صحافة المواطن، بل شخّص دور الصحفي وضرورة اقترابه من هموم المواطنين، فمهنياً وأخلاقياً يعتبر الصحفي في الأنموذج الديمقراطي الغربي من بين أكثر المدافعين عن مصالح المواطنين، وهو ما يفترض من الصحافة إذاً جملة من المحددات المبدئية والمتمثلة في إظهار الاختلافات والصراعات ومضاعفة النقد للمؤسسات التنفيذية. إنّ إثراء ونوعية الجدل والحوار داخل النظام الديمقراطي، هو أساس العمل الصحفيّ، فإذا لم يكن الجمهور طرفاً رئيسياً في إثارة الجدل حول قضايا الشأن العام، فإنّ ذلك يعني أنّ كُلاً من الصحافة والديمقراطية في خطر، وأنّ لا ضرورة لتوفير الخبر والمعلومة للجمهور. من خلال هذا التشخيص اتجهت الصحافة الأمريكية ومن ورائها الصحافة الغربية إلى الدعوة إلى صحافة جديدةٍ بديلةٍ ومختلفة.

أما بالنسبة إلى جاي روسن Jay Rosen والذي يعتبر الأب الروحي لصحافة المواطن، فهو يعتبر بأنه "ليس أداء الحكومة المتعثر هو الذي يضعف الديمقراطية، إنما التحولات العميقة في الثقافة الاجتماعية هي التي تجعل من الحياة العامة مهتزة ومفخخة". ففي سنة 1991 أجرت إحدى المؤسسات دراسة مسحية عن من هو المسؤول عن عزل المواطن عن الممارسة السياسية، وأشارت نتائج الدراسة بالاتهام إلى ثلاث جهات رئيسية: رجال السياسة، اللوبيات، وأهل الصحافة والإعلام. هذه التجمعات والجهات اعتبرت سلطة منصبة بشرعية جديدة، وعدّها البعض شرعية خادعة ومضللة حلت مكان شرعية الديمقراطية. وفي سبر للآراء قامت به Times Mirror سنة 1994 أكدت نتائجه نفس الحقيقة القائلة، بأنّ 71 % من الأمريكيين يؤيدون فكرة أنّ الصحفي تحول إلى عائق أمام المساعدة والمساهمة في حل المشاكل الاجتماعية للمواطن.

الصحافة الإيجابية

من المؤكد أن الصحافة لا تستطيع أن تعزل نفسها عن الواقع وتفاصيله، ويجب أن تكون مرآةً عاكسة للواقع بكل ما فيه، ولكن عندما تنفرد بعرض الصور الوردية للمجتمعات وتعمد إلى حجب ما فيه من مآسٍ ومشكلات، فإنها بذلك تمارس دوراً تضليلياً يتعارض مع معايير الكشف عن الحقائق والمعلومات، لكن عندما تعمد إلى منهجية تهدف إلى إظهار المعلومات الإيجابية في المجتمع بشكلٍ متوزان لدفع المجتمع نحو تحقيق مزيد من النمو والازدهار، فإنها يمكن أن تصنف بأنها صحافة إيجابية.

مناصرو صحافة الحلول يرون أن تعزيز إظهار المعلومات الإيجابية على الرغم من تضخم الواقع السلبي، لا يعدو كونه تضليلًا يتعارض مع معيار الكشف الكلي للمعلومات. وهنا يمكن أن تشكل صحافة الحلول أنموذجاً صحفياً يهدف إلى تقدم وازدهار المجتمع، لا مجرد أنموذج تقليدي يسعى إلى تحقيق الأرباح والشهرة على حساب الجودة والموضوعية والقيمة المضافة التي يجب أن يحققها المحتوى المنشور.

كما أن التغطيات التقليدية الروتينية الإعلامية للأخبار في ظل وجود أزمات تكون غير مناسبة، فهي تتطلب تحركاً مختلفاً، يبدأ من التحقق من المعلومات، وتناول جديد يهتم بنشر الإيجابيات وليس السلبيات فقط، والحث على العمل الإيجابي والفعال، وهو ما يعرف باسم الصحافة البناءة.

ونظراً لدور الصحافة البناءة في الحفاظ على قيم الصحافة الأساسية، وفي الوقت نفسه تشجيع مشاركة المواطنين لتحسين مجتمعاتهم، فإن هذا البحث يهتم بدراسة أهمية وجود أنموذج صحفي يعتمد على الصحافة البناءة في الدول الديمقراطية الانتقالية.

وجاء في تقرير نشر حول "الصحافة البناءة وقت الأزمات"، والذي استند إلى مراجع عدة متخصصة في هذا الشأن: تزداد أهمية وسائل الإعلام، ويقع على عاتقها دور كبير وقت الأزمات؛ لما لها من قدراتٍ هائلة على التأثير في سلوكيات الجمهور، ولما لها من مسؤولية مجتمعية في توعية الجمهور وإرشاده.

لقد غيَّرت الأزمة في سورية عادات استهلاك وسائل الإعلام العربية بشكلٍ عام، واستهلاك الأخبار على وجه الخصوص، وأصبح المواطنون أكثر انخراطاً في الأخبار. وأدت المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام إلى التركيز على القصص السلبية التي تكون أحياناً مهمة، ولكن الإفراط في التغطية وتكرار الأخبار السلبية، يدفع الجمهور إلى تجنب الأخبار بأكملها.

التأسيس

في عام 2003، تم إنشاء المنظمة الفرنسية غير الحكومية Reporters d'Espoirs ، 7 (مراسلو الأمل) كشبكة من الصحفيين والمهنيين الإعلاميين الذين يرغبون في "الترويج للأخبار القائمة على الحلول في وسائل الإعلام". تم إطلاق المنظمة رسمياً في اليونسكو في عام 2004 مع جوائز Reporters d'Espoirs. إنهم يروجون لمفهوم "حل المعلومات" و"صحافة الحلول"، ويعملون مع جميع أنواع وسائل الإعلام لنشر المبادرات بين عامة الناس. على مر السنين، أظهروا خطوطاً تحريرية قائمة على الحلول - مع صحف مثل Libération و Ouest-France وبرامج تلفزيونية مثل TF1 - تولد الجماهير والاهتمام بين المواطنين.

الانتقادات

أحد الانتقادات الشائعة، هو أن صحافة الحلول تنتقل بسهولةٍ إلى رواية القصص المملوءة "بالسعادة" أو تصل إلى درجة عبادة الأبطال، بدلاً من القيام بعمليات الفحص النقدي للقضايا المهمة في المجتمع. في الواقع يمكن القول بأن استجابة الصحفيين لصحافة الحلول، يمكن أن توصف بأنها استجابة سلبية، وتتجسد في اتباع بعض المؤسسات الإخبارية على إنشاء أقسامٍ محددة لتسليط الضوء على "الأخبار الجيدة" المتفائلة، والتي يمكن أن تساعد في بث الروح الإيجابية ونشر التفاؤل وزرع الأمل في نفوس المواطنين، معتقدةً أن مهمتها تنحصر في عرض الأخبار الإيجابية علها تسهم بتخفيف من وقع الأخبار السلبية، ولكنها عجزت في أغلب الأحيان عن تقديم الحلول لمجمل القضايا السلبية التي تعرضها عن المجتمع الذي تتواجد فيه.

لعل أهم المخاوف التي عبر عنها منتقدو صحافة الحلول، تتمثل في مسألة تخوفهم بشأن ارتفاع نسبة احتمال حدوث تحيز. يقترحون أن هناك خطاً رفيعاً بين الإبلاغ عن الردود والدفاع الفعلي نيابةً عنهم. يرد مؤيدو صحافة الحلول على أن النهج القائم على الأدلة في إعداد التقارير يقلل من خطر التحيز، وأن قصص الحلول لا ينبغي ربطها بـ "دعوة للعمل" للقراء.

يشعر آخرون بالقلق من أن العديد من القضايا الاجتماعية المعقدة ليس لها أسباب واضحة أو حلول واضحة. قد يتطلب هذا من المراسلين الذين يتابعون قصص الحلول أن يتمتعوا بخبرة كبيرة في مجال الموضوع - وحتى في ذلك الحين، يعتقد البعض أن القصص الناتجة ستكون حتماً مفرطة في التبسيط مقارنة بواقع مشكلة منهجية.

الإيجابيات

تعمل شبكة صحافة الحلول "لإضفاء الشرعية على ممارسة صحافة الحلول ونشرها: إعداد تقارير صارمة ومقنعة حول الاستجابات للمشاكل الاجتماعية". ولتحقيق مهمتها، تعمل Solution Journalism News (SJN) مع الصحفيين بطرق متنوعة لبناء الوعي وممارسة تقارير الحلول. تعاونت شبكة صحافة الحلول مع العديد من المؤسسات الإخبارية في الولايات المتحدة، بما في ذلك The Seattle Times و The Christian Science Monitor و The Boston Globe و PRI's The World ومركز التقارير الاستقصائية، لإنتاج مشاريع تقارير موجهة نحو الحلول. Positivas التي تتخذ من الأرجنتين مقراً لها، هي أول وسيلة إعلام معتمدة من BCorp في أمريكا اللاتينية، وقد عملت على ريادة الصحافة الإنشائية على الراديو ومحتوى الوسائط المتعددة عبر الإنترنت منذ عام 2003.

يقول بعض الخبراء: تؤثر وسائل الإعلام في السياسة من وجهتين ترتبط بعضهما ببعض أشد الارتباط:

- ترتكز الوجهة الأولى على تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صانعي القرار.

- ترتكز الوجهة الثانية على تأثير وسائل الإعلام المباشر على صانعي القرار، بتوفير المعلومات والأفكار والصور المختلفة التي تشكل رؤيتهم للعالم.

يختلف تأثير وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي العام تبعاً للبيئات الاتصالية التي تتمّ من خلالها عمليات التلقي، إذ تختلف باختلاف وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية، فلكل وسيلة إعلامية عدد من المزايا التي تجعلها تختلف من حيث التأثير عن الوسيلة الأخرى، وتكرار التعرض لوسائل الاتصال يزيد من قوة تأثيرها في تشكيل اتجاهات الرأي العام، وقد تميزت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية بقوة التأثير، لأنها جمعت كل مزايا وسائل الاتصال التقليدية (المقروءة والمسموعة والمرئية) في الرسالة التي تقدمها.

ربما يكون الحل الأمثل الذي يمكن للسلطة الرابعة أن تتبناه، يكمن في أن تتبدل آلية عملها وأن تتبنى نماذج وآليات عمل وتواصل جديدة تختلف عما تم اتباعة سابقاً، لكي لا تخسر سلطتها لصالح أسياد السلطة الخامسة -التي بات يتربع على عرشها المواطنون- عبر ممارستهم لصحافة المواطن وباتوا اليوم قوةً تهدد عرش السلطة الرابعة وكيانها بقوة. لذا قد يكون تبني أنموذج صحافة الحلول أنسبها وأكثرها ملاءمة في الوقت الحالي وخاصة في ظل الضياع والابتعاد الذي باتت الصحافة التقليدية تعيش تفاصيله بشكلٍ يومي، وخاصة بعد تحولها لأكثر المهن لاشعبية على وجه الكرة الأرضية.

ربما يرى البعض ممن يعملون في مهنة المتاعب في تبنيهم لصحافة الحلول أعباءً إضافية تضاف إلى الأعباء التي تقع على كاهلهم، فمسألة اجتراح الحلول وعرض الحلول المناسبة التي تتناسب وتناسب كل مشكلة يتم عرضها، هي مسألة ليست بسيطة وتتطلب تعباً وجهداً مضاعفا في الاطلاع والبحث عن العديد من الحلول المطروحة حول مشكلة ما، والقيام بالنهاية بطرح حل يعتبره الصحفي الأكثر مناسبة لهذه القضية التي يحاول البحث عن حلها الأمثل.

هل نحن بحاجة إلى قواعد؟

لعل وجود القواعد والقوانين التي تضبط الإيقاع هي مسألة جيدة، ولعل أول من وضع القوانين التي يمكن أن تنظم الأعمال الفكرية كان أرسطو الذي وضع قواعد مسرح الدراما الكلاسيكي، فعندما وضع أرسطو قاعدة الوحدات الثلاث – الفعل والزمان والمكان. في حين أنه اكتفى بقاعدة الفعل عند كتابة الشعر. كان الهدف من وضع تلك القواعد ضبط ايقاع وأفكار وأهداف العمل المسرحي. صحيح أن تلك القواعد قد اتبعت لسنوات طويلة واعتبرت ميزاناً وحكماً للحكم على الأعمال التي تلت الحقبة الأرسطية وكان الخروج عنها خروجاً غير مقبولاً، ولكن لاحقاً سارت مقولة إن القواعد قد وضعت لكي يتم كسرها وتجاوزها. ولقد أثبت شكسبير هذا الأمر في أعماله الخالدة التي خرجت عن هذه القواعد وكسرتها.

من تعريفات أرسطو للدراما، أنها حدث متكامل في حد ذاته، أي أن هذا الحدث أو (الفعل) ينتهي في اللحظة التي ينتهي فيها ويبدأ فقط في اللحظة التي بدأ فيها، لا ذيول للفعل الدرامي، بمعنى أنه لا يجب أن يسأل المتفرج نفسه بعد نهاية العمل... ماذا بعد هذا...؟ كما لا يجب أن يسأل نفسه في بداية العمل... ماذا كان يحصل قبل هذا الأمر...؟ إذا ما حاولنا أن نطبق هذا الأمر على القواعد والمنهجية التي يمكن أن نضعها لإنجاز مواضيع تتبنى نمط صحافة الحلول، يمكن أن نقول إن الكاتب يبدأ بعرض المشكلة وتفاصيلها، ويختتم بالحل الذي يمكن أن يضع نهاية وحلاً لهذه المشكلة. من هنا نرى بأننا قد ننجح في وضع منهجية وطريقة علمية لإنجاز عمل مبني وفق قواعد أكاديمية تتبنى أسلوب ومنهج صحافة الحلول. بطبيعة الحال قد تختلف هذه الأساليب والطرق باختلاف المدراس الصحفية والصحفيين الممارسين، ولكن الجوهر الحقيقي لأي مادة يُبنى وفق منهج صحافة الحلول، يجب ألا يحيد عن مسألة أن الحل هو الملك، وهو الأساس في صحافة الحلول، وأن الاستفادة من التفاعلية التي أتاحتها التقنيات الحديثة، هي الوسيلة الأمثل والأفضل للمساعدة في تبني واجتراح الحل الأمثل الذي يناسب ويتناسب مع حل قضية بعينها.

الحل هو الملك

يرى البعض بأن صحافة الحلول هي نوع من الصحافة الاستقصائية، ولكنها بدلاً من القيام باستقصاء المشكلة، تستقصي الحل. الهدف من صحافة الحلول، ليس القول إن كل شيء على ما يرام، بل على العكس؛ فالمشكلة هي جوهر صحافة الحلول. فإن لم يكن هناك مشكلة، لن يكون هناك حل يكتب عنه الصحفي. لكن الفرق هو أن صحافة الحلول لا تكتفي بعرض المشكلة فقط، بل تتناول الحل الذي ابتكر لمواجهة هذه المشكلة، وتكشف مدى نجاحه. من هنا نؤكد على مسألة أنه في صحافة الحلول "الحل هو الملك"، ولكي يتربع هذا الملك على عرشه، يجب أن يكون قادراً على إثبات مكانته وتفوقه على الآخرين. فعندما تتصدى صحافة الحلول لمشكلة ما- يعتقد الكثيرون ويتحجج المسؤولون بعدم وجود حل لها- تقوم بعرض حلول علمية ومنطقية لها وتقوم بتسليط الضوء على تفاصيل حلول لتجارب مشابهة أو مطابقة لها. عندها فقط تقوم صحافة الحلول بوضع المسؤولين والقائمين على تنفيذ الإصلاحات بموضع حرج وتدفعهم لتبني حلول ربما كانوا غافلين عنها أو لا يرغبون بها كونها تتعارض مع بعض مصالحهم. ولعل وجود هذا النمط من الصحافة سيساهم في تعزيز مساءلة المسؤولين وسيشكل قوة مزدوجة، رادعة ودافعة تردعهم عن التزرع بالحجج الواهية وتدفعهم للعمل والبحث المستمر عن أفضل الحلول للمشكلات التي يتوجب عليهم إيجاد حلول لها.