يعتبر المثل الشعبي باباً واسعاً من أبواب التراث الشعبي، وهو من الموضوعات الأثيرة لدى الناس، سريعة الحفظ والانتقال من مكان إلى آخر ومن جيل إلى جيل، وهو جانب من الثقافة الشعبية التي تحفظ تلقائياً، ويستحضر المثل المناسب للحال التي تستدعي الاحتجاج به.

وفي هذا الكتاب يعرض الكاتب أهمية معرفة المثل العربي عامة، والمثل الشعبي خاصة، وأثر الجانب الشعبي، المعرفي، الاجتماعي، الثقافي، المتغلغل في المجتمع والمنبثق عنه، فهي صفحات في المثل الشعبي، وصلته بالمثل الفصيح، وأهميته، ودلالته، وتعبيره عن جوانب الحياة المختلفة، وضرورة معرفته والتزود بثقافة مختارة منه وبالصلة الموصولة بين المثل الشعبي والأدب والثقافة والفن عامة.

هي صفحات قليلة محدودة للفت انتباه أبناء الجيل للدخول من جديد إلى مجتمع يعيشون فيه كي يكونوا ناجحين في أعمالهم، ومتواصلين بمجتمعهم، مستفيدين من تراثه، متواصلين مع حركة العلم والفكر والثقافة في وطن له تاريخ أصيل.

تناول الباحث"محمد رضوان الداية" في الفصل الأول: التراث والمثل الشعبي؛ حيث بدأ بالاهتمام بالتراث الشعبي وتعريفه، ثم المثل في اللغة والمصطلح. فهو القول السائر بين الناس والمشهور بين عامتهم وخاصتهم ويضربونه لتصوير المعنى المراد تصويراً حياً، بأوجز عبارة، وأبلغها تأثيراً في النفوس. وهو صيغة أدبية ذكية تقال في موقف معين، ويكون الموقف لافتاً وتكون العبارة ملائمة، فهو إيجاز اللفظ وإصابة المعنى، حسن التشبيه، وجودة الكناية. ثم استعرض الكاتب التأليف في الأمثال في التراث الشعبي الذي بدأ مبكراً، فكان "صحار العبدي" الذي ألف كتاباً في الأمثال أيام "معاوية بن أبي سفيان" وكثر التأليف في القرن الثاني في "الكوفة" و"البصرة".

قسم أهل اللغة والأدب الأمثال إلى قسمين: أمثال العرب القدماء، وأمثال المولّدين التي سجلت بعدها. وأورد الكاتب نماذج من أمثال المولّدين، التي لها الصلة الموصولة بين عدد غير قليل منها وبين الأمثال الشعبية الدارجة اليوم. منها:

إذا ذكرت الذئب فأعد له العصا. ومثله اليوم: اذكر الديب وهيئ القضيب.

صاحب الحاجة أعمى. وفي المثل الشامي: صاحب الحاجة أرعن.

كل ممنوع متبوع. وفي المثل الشامي: كل ممنوع مرغوب.

من أهان ماله أكرم نفسه. وفي المثل الشامي: هين فلوسك ولا تهين نفوسك.

من تأنى أدرك ما تمنّى. وفي المثل الشامي: من تأنى نال ما تمنّى.

لا يخلو بلد عربي من كتاب تناول الأمثال الشعبية الشائعة في تلك البلدان على اختلاف درجات الإحصاء والإتقان والشرح.

بالانتقال إلى الفصل الثاني الذي هو دراسة للأمثال الشعبية، فإن صيغة المثل تجيء على ثلاث أنواع من حيث التعبير التمثيلي والحكمة من المثل والعبارة التقليدية. ثم عرف الباحث معنى مورد المثل: هو ما يروى عن السبب في صياغة المثل لأول مرة، ثم ذيوعه بين الناس، وعرف مضرب المثل: هو الموقف الذي يستدعي استخدامه للتبرير أو الإقناع وهو الحافز على الاستشهاد به.

وانتقل بعدها للتفريق بين المثل والكناية، فهما يؤديان غرضاً في المعنى، ويفيدان التوضيح والتوكيد، ويشتركان في الذيوع والانتشار والسيرورة في المكان والزمان، ويفيدان في الفصاحة والبلاغة، ولكن المثل شيء من حيث النوع البلاغي والكناية شيء آخر.

استعرض الأمثال المأخوذة من الشعر وقصص الأمثال الشعبية المأخوذة من قصص حقيقية أو من الخيال الشعبي الموصول بالبيئة على طريقة القصص الخرافية.

تناول الفصل الثالث اتجاهات الأمثال الشعبية وأصولها، فكانت الأمثال عن حسن معاملة الناس والاحتمال من أجلهم، والمثل هو اعمل معروف وارمه في البحر، العفو عند المقدرة. وأمثال في التواضع والمثل: لا تكبر الله أكبر. وأمثال في الاقتصاد والتدبير والمثل: خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود. وأمثال عن الترابط الأسري والتأني في أمور الحياة، مكارم الأخلاق، وإيثار الوطن، وغيرها من المواضيع.

والناس على اختلاف ثقافتهم ومعارفهم وأحوالهم يحفظون من تلك الأمثال الشعبية، ويوردون في كلامهم ما يناسب الموقف والمقام؛ كل على قدر حفظه ومتابعته.

عرض الكاتب بعدها مقاربات الأمثال الشعبية في البلد الواحد، وبين قطر عربي وآخر، وعلى سبيل المثال في أمثال الشام في الشكوى من بعض الناس قول أحدهم: شو شفت منك يا سفرجل كل عضة بغصة. وفي أمثال مصر: شفت إيه منك يا بصلة؟ كل عضة بدمعة!، فالتماثل بين مقصدي المثلين مع اختلاف المادة التي صورت المثل.

في الأمثال الشعبية عبارات توصف بالسلبية، فهي تصور حالة فردية أو مروية عن الحكاية أو تقال استهجاناً أو آتية من تصوير الحال، كقولهم في من تخلف عن أمر لحجة واهية: قال له الجامع مسكر وأنا مستريح.

يذكر أن للكاتب" محمد رضوان الداية" عدة مؤلفات سابقة عن الأمثال الشعبية: معجم العامي الفصيح من كلام أهل الشام، معجم الأمثال العامية الشامية، معجم الكنايات العامية الشامية، معجم الأحاديث المشتهرة.

----

الأمثال الشعبية بين التراث الشعبي والأمثال الفصيحة

الكاتب: محمد رضوان الداية

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2022م