يرى الباحثون أنه قد زاد إبداعنا نتيجة لإغلاق كوفيد-19. نعلم أن كوفيد-19 هو الاسم الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية للفيروس المسبب لمرض الالتهاب الرئوي الحاد والمعروف باسم (كورونا) والذي أعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية.

للحد من انتشار كورونا فرضت الدول كافة إغلاقاً تراوحت شدته من دولة إلى أخرى. وكان صارماً للغاية في معظم الدول الأوربية وأمريكا ونيوزيلاندا؛ حيث أُجبر معظم الناس على العمل من منازلهم، وفرضت قيود صارمة على التنقل والسفر، ما جعلنا جميعاً عالقين في منازلنا.

وقد كشفت دراسة أجريت في معهد الدماغ بباريس عن زيادة إبداعنا عموماً على الرغم من الإغلاق. ولكن كيف أثر إغلاق كوفيد-19 الأول للوباء على إبداعنا؟

لقد فاجأنا كوفيد-19، وتطلبت الظروف غير العادية للإغلاق الأولي قدرة غير عادية على التكيف، خاصة من قبل أدمغتنا. نحن البشر العاديين والدارسين والعلماء. كلٌّ بذل مجهوداً نفسياً وعقلياً كبيراً لتحقيق هذا التكيف مع الظرف الاستثنائي الذي فرضه الإغلاق الأول. كشفت الدراسة الجديدة من معهد باريس للدماغ التابع لجامعة السوربون كيف تطور الإبداع البشري خلال هذه الفترة الزمنية والمتغيرات التي ربما أثرت عليه. فنتيجة لهذه الدراسة تبين أنه على الرغم من الإغلاق، فقد ازداد إبداعنا وركزنا على المهام المتعلقة بشكل أساسي بقضايا الموقف الراهن الذي فرضه كوفيد-19 على البشرية جمعاء.

الإبداع هو إحدى الوظائف المعرفية التي تمكننا من التحلي بالمرونة في البيئات الجديدة وحل المشكلات في سيناريوهات فريدة. تطلبت الظروف الاستثنائية المحيطة بأول احتواء لجائحة كوفيد-19 منا إعادة النظر في روتيننا، ووضع حدود جديدة، والتكيف. باختصار، ساعدتنا هذه الإجراءات لنكون مبدعين.

باستخدام استبيان من جزأين، أجرت مجموعة من الباحثين من "فرونت لاب" في معهد باريس لدراسات الدماغ استطلاعاً عبر الإنترنت لتحليل تأثير الإغلاق على الإبداع. يتكون القسم الأول من أسئلة مصممة لمساعدة المشاركين على تقييم وضعهم في مارس - أبريل 2020 (هل كنت مقيداً بمفردك أو مع آخرين؟ هل كان هناك عمل أو وقت فراغ أكثر من المعتاد؟)، حالاتهم العاطفية في ذلك الوقت (هل شعرت بالمزيد من المشاعر السلبية والإحباط، هل لاحظت تغيراً في حالتك المزاجية أو ازدياداً في مستوى التوتر لديك؟) وأخيراً، إذا شعرت أنك أكثر أو أقل إبداعاً من ذي قبل. سأل القسم الثاني من الاستطلاع المشاركين عن الأنشطة الإبداعية التي قاموا بها أثناء تقييدهم، و مدى تكرارها، وماهية مجالها، ومستوى نجاحهم فيما عملوه في تلك الفترة، والعوامل التي دفعتهم أو أوقفتهم عن القيام بذلك. تمكن الباحثون من جمع أكثر من 400 إجابة يمكن تحليلها.

إرهاق ولكن أكثر إبداعاً

ملاحظتنا الأولى هي أن الإغلاق كان محزناً نفسياً لغالبية المشاركين، وهو ما أظهرته دراسات أخرى، لكن في المتوسط شعر المشاركون عموماً بأنهم أكثر إبداعاً، كما يقول تيوفيل بيث المؤلف الأول المشارك للدراسة. من خلال ربط المعلومتين، أظهرنا أنه كلما شعر الأشخاص بتحسن في الحالة النفسية، كلما اعتقدوا أنهم أكثر إبداعاً.

في المقابل، عندما سأل الباحثون عن عدد العقبات التي واجهها المشاركون في الدراسة المستجيبون، لاحظوا وجود علاقة غير خطية. سواء كانت التغييرات في الإبداع إيجابية أو سلبية، شعر المشاركون أنهم واجهوا العديد من العقبات. في الواقع، واجه العديد من الأشخاص عقبات في أنشطتهم المعتادة، مما أجبرهم على البحث عن حلول غير اعتيادية أو بتعبير آخر فقد أجبروا على الإبداع من أجل تحقيقها، وعلى العكس من ذلك، شعر بعض الأفراد أنهم لم يكونوا مبدعين لأنهم واجهوا الكثير من المشاكل التي منعتهم من تحقيق أي إبداع حتى في المجالات العادية.

أنشطة إبداعية

الجزء الثاني من الاستبيان يتكون من قائمة من 30 نشاطاً مختلفاً، معظمها جزء من المعايير الدولية المستخدمة في البحث الإبداعي (أنشطة إبداع المخزون والإنجازات). وشمل ذلك الطبخ والرسم والخياطة والبستنة والديكور والموسيقى. حيث سُئل المشاركون عما إذا كانوا قد شاركوا في هذه الأنشطة في السنوات الخمس الماضية، وما إذا كانت ممارساتهم قد زادت أثناء الإغلاق لأحد هذه الأنشطة، ولماذا فعلوا ذلك وكم مرة مارسوا هذه الأنشطة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا انخفضت ممارساتهم لهذه الأنشطة.

يوضح إيمانويل فولي إنسيرم، أحد مؤلفي الدراسة: حاول هذا القسم من الاستبيان قياس التغيرات الكمية والنوعية في السلوك الإبداعي بشكل أكثر موضوعية، بينما استند الجزء الأول إلى تقرير شخصي عن الموقف. تظهر نتائجنا أن مقياس السلوك الإبداعي هذا يتماشى مع مقياس التغيير الذاتي الذي أبلغ عنه الأشخاص. في كلتا الحالتين كانت التغييرات المسجلة مرتبطة بوقت الفراغ والمشاعر العاطفية التي انتابت المشاركين وتغيراتها.

كانت الأنشطة الخمسة التي زادت أكثر خلال فترة الإغلاق هي برامج الطهي والرياضة والرقص ومبادرات المساعدة الذاتية والبستنة. في المتوسط، من بين 28 نشاطاً تم التحقيق فيها، والتي تضمنت أيضاً على سبيل المثال التصميم الداخلي أو الخياطة أو إنشاء أو تدوير الأشياء، فإن حوالي 40 % من الأنشطة التي تمت ممارستها بالفعل في السنوات الخمس السابقة للحجر قد زادت أثناء هذه الفترة بشكل قابل للقياس.

ارتباط إيجابي بين المزاج والإبداع

تسلط نتائج هذه الدراسة الضوء على زيادة عامة في الإبداع أثناء الإغلاق الأول. يمكن ربط هذا التغيير الإيجابي بالحصول على مزيد من وقت الفراغ، والشعور بمزيد من الحماس، والحاجة إلى حل مشكلة الفراغ والوحدة التي عانى منها معظم أفراد المجتمعات، أو الحاجة إلى التكيف مع الوضع الجديد. ومع ذلك فقد وجد البحث أنه عند حدوث تغييرات سلبية في الإبداع، كانت هذه التغييرات مرتبطة بالعواطف السلبية، مثل التوتر أو القلق أو الشعور بالضغط، أو نقص الموارد المادية أو الفرص.

إن العلاقة بين المزاج الإيجابي والإبداع محل نقاش كبير. هناك بعض الأدلة في المؤلفات العلمية على أنك بحاجة إلى الشعور بالرضا لتكون مبدعاً بينما تشير الأدلة الأخرى إلى الاتجاه الآخر. ومن المهم جداً أن نعرف أيضاً أنه من غير المعروف في أي اتجاه قد تحدث هذه العملية: هل نشعر بالرضا فنكون قادرين على الإبداع، أم إن الإبداع يجعلنا أكثر سعادة؟ يختتم أليزيه لوبيز بيرسيم المؤلف الأول المشارك للدراسة قائلاً: هنا يشير أحد تحليلاتنا إلى أن التعبير الإبداعي مكّن الأفراد من إدارة عواطفهم السلبية المرتبطة بالحبس، وبالتالي جعلهم يشعرون بتحسن خلال هذه الفترة الصعبة.

المرجع: التغييرات في الإبداع أثناء الإغلاق الأول لوباء كوفيد-19 بقلم أليزيه لوبيز بيرسيم وتيوفيل بييث وستيلا غويت ومارسيلا أوفاندو-تيليز وإيمانويل فول، 10 مايو 2022، الحدود في علم النفس.

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily