يشير الدكتور عطا الله الرمحين في دراسته التحليلية ضمن كتابه "المنطق واللامنطق في الخطاب الإعلامي"، إلى إشكاليات متنوعة ومتعددة، في الرؤية الفلسفية الإعلامية نحو مهمات المنطق، والتفكير واللغة، والدخول في الأسماء والمفاهيم القوانين والأنظمة وغيرها من الأفكار الذي طرحها الكاتب في أكثر من ثلاثمائة صفحة بعمل فكري تحليلي.

أوضح الكاتب الأستاذ الدكتور عطا الله الرمحين أستاذ الإعلام في جامعة دمشق أنه مـن الشـائع دوماً الاعتقاد بعدم وجود إنسان مثقف دون معرفة بالمنطق، والذي يتم الحصول عليه بممارسة التفكير، أو عن طريق الدراسة الخاصة. اليوم وفي ظـروف التحـولات في طبيعـة العمـل الإنسـاني، فـإن قيمـة مـثـل هـذه المعرفة تتعاظم، من الناحية الحدسية، المنطـق مـعـروف لكل إنسان، أن أي عملية محاكمة ومناقشة تقوم على استخدام قوانينه وعملياته. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التعرف على الفصول الأولى من هذا الكتاب، سيبين أنه من المستبعد أن يكون التفاؤل المفرط بالنسبة إلى مهاراتنا المتكونة بصورة عفوية للتفكير الصحيح والمبرهن معللاً ومبرهناً، لا يجوز اعتياد التفكير الذاتـي عملية بديهيـة لا تحتاج إلا إلـى تحـلـيـل ومراقبة ليس أكثر، وكأنه التنفس أو السير/ المشي على سبيل المثال. ففي مجالات كثيرة من النشاط الإنساني يمكن الوصول إلى الهدف بالمنطق الحدسي، غير أنه يوجد مهن، هـي مـن حيـث طبيعتها، تحتاج إلى دراسة خاصة للمنطق: ويمكن القول إن الصحافة هي إحدى هذه المهن.

ونوه الدكتور الرمحين إلى إن التفكير بالمبادئ المنطقية الأساسية يعدّ قيماً، وذلك لأنه لا يساعد على تطويـر وتحسين المهارات المنطقيـة فحسـب بـل وغيرهـا مـن المـهارات التفكيرية، إنه يعلم وتحديداً يعلم، معرفة التعميم والتجريد، والتركيز والكشف عـن القصـد، وهـو عرض لبعـض مـن الـكـل، وربـط لأجزائـه وإبـــــراز للأهـم، وهـو فصـل لـه عـن الأمـور الثانويـة، ورؤيـة لمـا هـو غير اعتيادي في الشيء المبتذل. يعد فهم مبادئ النشاط الفكري أحد أكثر معارفنا قيمة، إنه يجعل العقل دقيقاً إلى أقصى الحدود، ودقيقاً أيضاً في تحليله وصياغته، وهـو لا يرحم المزور وغير المنطقي، ويجعل منه متسلسلاً دون انحراف في استنتاجاته. إنـه يـولـي اهتمامـاً خاصـاً للغـة الطبيعيـة، وللأخطـاء المنطقيـة التي تعد ممكنة عند استعماله. ويناقش الكتاب بصورة مفصلة أساليب التأثير على معتقدات الجمهور والطرق اللبقة وغير اللبقة للتعليل والبرهنة، وحالتها الخاصة المتعلقة بالنقاش والجدل. معظم الأمثال مأخوذة من الأدب الروائي، وهذا يسمح بإظهار أن المنطق ليس فقط مادة للتنظير التجريدي، بـل ومـادة للممارسة اليومية للاستدلال العقلي والمناقشة. في الفصل الختامي يسوق المؤلف مهمات ومسائل سوف يساعد التفكير فيها على تحسين المهارات المنطقية. إن اتباع قوانين ومبادئ المنطـق لاشـك يعـد مقـدمـة أكيـدة لتفكير فعـال وصحيح، فالتفكير المنطقي يمثل بكل بساطة بلبلة وتشوشاً وفوضى، لكن لابد من التذكر بأن ما نعده نظرية منطقية، ما هو إلا مجرد نظام طبيعي للتفكير.

وأكد الكاتب على أنه لا يفترض فـن التفكير بصورة صحيحة تسلسلاً منطقياً فحسـب، بـل ويفترض كذلك الكثير غيره، وقبـل كـل شـيء السعي نحـو الحقيقة والإخلاص الذهني، والإبـداع والجـرأة، والنقـد الـذاتـي للـعـقـل، وعـدم الـهـدوء، ومعرفـة الاعتمـاد عـلـى الخـبرة السابقة، والاستماع إلـى الطـرف الآخـر وقبولـه، إذا كـــان ذاك الطـرف عـلـى حـق والمساعدة علـى تعليـل الدفـاع عـن معتقداته وآرائه.

ومن مهمات المنطق وصف تعريف المنطق: إذ تستعمل كلمة "منطق" في حالات كثيرة، ومعان مختلفة وليس نادراً ما يتحدث الأشخاص عن منطق الأحداث ومنطق الشخصية وغيرها، والمقصـود في هـذه الحالات التسلسل المحـدد والعلاقة المتبادلـة للأحـداث أو التصرفات، "يقول أحد أبطال قصة الكاتب الإنكليزي غ. ك. تشيسترتون: إنه مجنـون، بلا عقل، لكن في جنونه وطيشه يوجـد منطق، دائماً، وبشكل تقريبي يوجد المنطق في اللاعقل، هذا بالذات ما يقود الإنسان إلى فقدان عقله". المنطق هنا تماماً يعني وجود خط عام ومحدد في الأفكار، هذا الخط الذي لا يستطيع الإنسان الابتعاد عنه. تستعمل كلمة "منطق" أيضاً في العلاقة مع سياق التفكير، فنحن نتحدث عن التفكير المنطقي وغير المنطقي، آخذين في الحسبان وصفه وتسلسله وقدراته على البرهنة والتعليل وغير ذلك. وعلاوة على ذلك، فالمنطق علم خاص، وهو يأتي عن طريق التفكير. لقد نشأ هذا العلم في القرن الرابـع قـبـل الميلاد، فيمـا بعـد وفي مـراحـل متأخرة أصبح يسمى أيضاً "المنطق الشكلي/ الصوري".

يعالج الكاتب في هذا الكتاب مجموعة من مهمات المنطق والكلمات والأشياء والمفاهيم والآراء، مشيراً إلى مصائد اللغة وقوانين المنطق في المتناقضات المتعددة، والبرهان والنفي والدحض. ولأن الإعلام هو صناعة، يؤكد على المناقشات والمناظرات شبه الحقيقة وطرق الإقناع، باتباع أسلوب الجدل اللائق من خلال تطبيق التفكير والمناقشة والمحاكمة العقلية والمنطقية من خلال المدارس العلمية والمنهجية، ولهذا هو منجز ثقافي يسد فراغاً في المكتبة العربية.

----

الكتاب: المنطق واللامنطق في الخطاب الإعلامي.

الكاتب: الأستاذ الدكتور عطا الله الرمحين.

الناشر: دار الوراق للطباعة والنشر، 2005.