هو عمرو بن بحر الكناني البصري المكنى بأبي عثمان، ولقب بالجاحظ بسبب نتوء واضح في حدقتيه، والتصق به اللقب حتى اشتهر به، رغم أنه سعى جاهداً لمحو هذا اللقب من دون جدوى.

اختلف النقاد والمؤرخون في تاريخ ولادته، ولكن ياقوت الحموي أورد في معجم الأدباء أن الجاحظ قال: "أنا أسنّ من أبي نواس بسنة. ولدت في أول خمسين ومائة وولد في آخرها. وبإجماع المؤرخين فقد كانت وفاته في البصرة سنة 255 للهجرة – 896 للميلاد. ورغم أن بعض المؤرخين يقولون إنه كان من الموالي أو من الزنج، إلا أن أغلب الظن أنه عربي صرف من بني كنانة عربية الأصل والتي ترجع إلى مضر، ولذلك نعت الجاحظ بالكناني.

مال إلى القراءة صغيراً، وظل نهماً إلى المطالعة حتى نهاية حياته. ويقول ابن النديم في الفهرست إنه كان "يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر والقراءة". ويقول ياقوت الحموي في معجم الأدباء على لسان ابن هفان: "لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلم أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائناً ما كان".

مكنه ذكاؤه الحاد من دخول حلقات المعتزلة، حيث النقاشات والمجالات في القضايا العقلية الكبرى. تتلمذ على يد فطاحل علوم عصره، ففي ميدان الاعتزال كان معلموه هم أبا الهذيل العلاف والنظّام ومويس بن عمران وضرار بن عمر والكندي وبشر بن المعتمر الهلالي وثمامة بن أشرس النميري وأحمد بن حنبل الشيباني. وفي علوم اللغة والأدب والشعر تتلمذ على يد كل من أبي عبيدة معمر بن المثنى التميمي والأصمعي وأبو زيد بن أوس الأنصاري ومحمد بن زياد بن الأعرابي وخلف الأحمر وأبي عمر الشيباني وأبي الحسن الأخفش وعلي بن محمد المدائني. وفي الفقه والحديث كان معلموه هم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ويزيد بن هارون والسري بن عبدويه والحجاج بن محمد بن حماد بن سلمة وثمامة بن الأشرس.

اتسم عصر الجاحظ بحرية الفكر والاعتقاد والسلوك، فخلقت هذه الحرية أفكار التطور والتقدم والازدهار. وكان الجاحظ أحد أكبر مفكري عصره. ويقول جي دي بور في كتابه تاريخ الفلسفة في الإسلام إن الجاحظ "أعظم رجل أخرجته لنا مدرسة النظّام". وهو حسب بعض المؤرخين العرب كابن خلدون والمسعودي والشهرستاني " أكبر شيوخ المعتزلة وصاحب فرقة من فرقهم هي الجاحظية وكان لها أصار وأتباع.

موسوعية الجاحظ أفادته في تكوين منهجه النقدي العلمي المضبوط والدقيق. ويقوم هذا المنهج على الشك في الموضوع المطروح، ثم يبدأ بنقده للوصول إلى نتائج سليمة. ويمكن إجمال مقومات المنهج العلمي الجاحظي في عدة نقاط هي: الشك، ثم النقد، ثم عرض الموضوع للفحص والمعاينة، وأخيراً التعليل الذي يبحث عن الأسباب المفسرة للظاهرة.

إن العقل الشكاك أقرب إلى التبصر في الأمور من العقل الجامد المتحجر أو المتعصب الس يقنع بالحقائق أو المعطيات الناجزة التي يسلم بها من غير ما تعقل أو شك أو تفكير.

----

الكتاب: فلسفة النقد عند الجاحظ

الكاتب: د. أحمد غنام

الناشر: دار العراب، دمشق، 2019