هذا الكتاب هو سلسلة من الحوارات التي أجرتها إذاعة "فرانس كولتور" بين المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه والمفكر السويسري جان زيغلر، وتناولت التحولات الكبرى التي طرأت على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الماركسية كفلسفة اجتماعية واقتصادية، التغيرات الهائلة في مجال التقنية، الرأسمالية، التقدم والتخلف، دور الدولة، ودور الثقافة والمثقفين، ودور العالم الثالث في التغيير العالمي.

يتفق مؤلفا هذا الكتاب "كي لا نستسلم" على أن هذا العالم يعج بالمشكلات الكبيرة والخطيرة التي تهدد حياة الإنسان على الأرض. ويرى جان زيغلر وريجيس دوبريه أن هذه القرية الكونية أو "القرية الجامعة" هي حيز أمريكي في الجوهر والأساس، وذلك يعمم على الكرة الأرضية نمط الحياة والفكر الأمريكي الشمالي. فهي إذاً عولمة زائفة لا تبادل فيها ولا تعامل بالمثل. لقد وحدت أمريكا السلعة ولكنها أفقدت الناس الذين يحيون في جميع الأمكنة هويتهم. إن نمو الرأسمالية هو نمو اللاتكافؤ. وهذا النمو يحدث هوة جديدة بين الشمال والجنوب، هوة لم تكن ذات يوم بمثل هذه القسوة والعنف.

يشير زيغلر إلى أن عشرات الملايين من البشر يموتون كل عام بسبب الجوع أو الأمراض الناجمة عن الجوع. ويتساءل زيغلر عن هذا العالم الذي لديه الإمكانيات ولا يقدم الطعام والرفاه للناس المعوزين؟ ويتطرق إلى أن المثقفين عاجزين عن لعب دور فعال في التضامن لأنهم لا يملكون الدعم الإعلامي.

يؤكد ريجيس دوبريه أن الرأسمالية تتبع منطقها الداخلي، ولا يهمها أن تتهم بعدم العقلانية والأخلاقية، لأنها ستجيب: أنا أنتج القيمة الزائدة، ولا أبالي بما تبقى". ويقول ريجيس دوبريه رداً على المنطق الرأسمالي: "أناضل كي لا يتحول هذا الكوكب إلى سوبر ماركت، وأن تكون هناك جزر صغيرة كالدولة والثقافة والتعليم، خارج قانون العرض والطلب. تلك هي معركتي، وهي عملياً معادية للرأسمالية. غير أنه ما تزال تدهشني تلك الرغبة المعلنة لدى البعض في إضفاء الطابع الأخلاقي على الرأسمالية؛ إذ تبدو لي الرأسمالية بربرية تعريفاً، وينبغي أن نناضل ضد هذه البربرية في العمق، إذا كنا نؤمن بذلك.

يتناول المفكران مشكلة مستقبل الماركسية، ويرى جان زيغلر أنها ما زالت على قدر كبير من الأهمية، أما دوبريه فيعلن بأنه يدين لها بأجمل سني حياته، باعتبارها عدة أخلاقية وعاطفية، أما على الصعيد المفاهيمي فقد أصبحت في مكان آخر، ولم تعد تعنيه. إن ما دعا إليه ماركس عن تحالف العمال والبروليتاريا، قد تحطم في الحرب العالمية الأولى؛ إذا وقف عمال ألمانيا ضد عمال فرنسا وأفنوا بعضهم.

يتساءل دوبريه: "هل إن أمثال آينشتاين أو فتغنشتاين هم أكثر ذكاء من أفلاطون وأرخميدس؟ وهل لوحة آندي وارهول أجمل من لوحة رامبرانت؟ ويجيب أن مثل هذه الأسئلة باطلة ولا معنى لها؛ إذ إننا لم نكتشف لقاحاً ضد العنصرية والعنف والأصوليات، وحدث أن التاريخ جعل النازية ممكنة في أكثر المجتمعات تطوراً على الصعيد الصناعي والفكري، أي في ألمانيا. إن الوهم التقدمي جعل فيكتور هوغو يفترض أن وصل باريس ببرلين عبر خطوط السكة الحديد من شأنه أن يستبعد نهائياً نشوب حرب بين فرنسا وألمانيا، وأن السلام يحل هابطاً من مدخنة الآلة البخارية. وقد حصل العكس وتفاقمت نزعة الحروب. إن القرن التاسع عشر خلّف أعداداً من الجثث في ساحات القتال تفوق بكثير تلك التي خلفها القرن الثامن عشر، وفاق القرن العشرون في همجيته وفي أعداد الجثث القرنين السابقين عليه.

----

الكتاب: كي لا نستسلم

الكاتبان: ريجيس دوبريه، جان زيغلر

المترجمان: رينيه الحايك، بسام حجار

الناشر: المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 1995