عمد البروفيسور "حسين القاضي" إلى طرح رؤية معرفية اقتصادية جديدة في كتابه "محركات الإصلاح الضريبي" لما له من أهمية في تنمية الأقتصاد، واضعاً تجارب اقتصادية عالمية مارست الإصلاح الاقتصادي من خلال محركات الضريبة وإصلاحها.

يشير البروفيسور "حسين القاضي" إلى أن شعار الإصلاح الضريبي يمثل شعاراً سائداً تجمع عليه كافة دول العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة، وقد أخذ هذا الشعار مجاله في التطبيق العملي في الدول المتقدمة منذ عقد الثمانينات. أما الدول التي تحولت عن النظام الاشتراكي، كالدول التي نجمت عن تفتت المعسكر الاشتراكي، ودول أوروبـا الشرقية التي كانت حليفة لها، والتي لم يكن لديها نظام ضريبي متكامل، بل كانت الدولة تسيطر على الملكية والإنتاج والاستيراد والتصدير، فتحقق فوائض تمكنها من الإنفاق على السلع والخدمات العامة التي كانت تشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فشرعت هـذه الـدول بـالتحول إلى نظـام اقتصادي رأسمالي يسيطر فيه القطاع الخاص المحلي والدولي على المزيد من الوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت منوطة في الدولة، فكانت هذه الدول مضطرة لبناء نظام ضريبي جديد وإصلاح هذا النظام كي يتمكن من المساعدة على حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، ولعل المشكلة الاقتصادية التي تبدو للعيان تتمثل في عجز الموارد المالية التي تمثل الضريبة أهم مصادرها عن تمويل الإنفاق الحكومي الذي تواجهه الدول المعاصرة على اختلاف اتجاهاتها، إذ إن الإنفاق الحكومي يتعرض لضغوط كبيرة على الحكومة بهدف زيادته لتتمكن الدولة المعاصـرة مـن الإنفاق على خدمات الدفاع والبحـث والتطوير والتعليم والصحة، وبناء المرافق العامـة كـالطرق والجسور والموانئ والمياه، مما يمكن الدولة من تقديم خدمات أفضل لرعاياها وتقديم سلع مجانية لمواطنيها بما يمكنها من نشر الأمن والاستقرار وتأمين التواصـل البـري والبحري والجـوي والإلكترونـي مـع بـاقي دول العالم بما ينعكس على تحسين فرص العمل والنمو الاقتصادي في كافة الاتجاهات السلعية والخدمية.

ويرى البروفيسور "القاضي" أنه لما كانت متطلبات الإنفاق العام كبيرة ومتزايدة، صارت الحكومة تتطلع إلى زيادة الحصيلة الضريبية لعلها تفي بمتطلبات الإنفاق العام، دون زيادة عجز الموازنة العامة للدولة وما يترتب على مثل هذا العجز من ضغوط تضخمية، إذا تمت تغطية العجز عن طريق الاقتراض من المصرف المركزي، ما يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية المتداولة دون زيادة مقابلة في الإنتاج، ومن الطبيعي أن الضغوط التضخمية تؤدي في حال استمرارها على المدى الطويل إلى إحداث تشوهات بنيوية في الاقتصاد الوطني، بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار الناتج عن انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية، وانخفاض القيمـة الحقيقيـة للرواتب والأجور، وزحف الفقر ليشمل نسبة أوسع من الكتلة السكانية، وتراجع الإنتاج المحلي، وتزايد نسبة العاطلين عن العمل.

إذا كان الاقتراض من المصرف المركزي حلاً مرفوضاً، فلابد من البحث عن طريق الاستدانة من المواطنين محلياً عن سندات على الحكومة، أو الاستدانة الأخرى، أو من البنوك الدولية أو التجارية. ومع أن هذا الحل أقل سوءاً من الاستدانة من المصرف المركزي، لكنـه يتضمن تحميل الأجيال القادمة مسؤولية تسديد قروض لجأت إليها الحكومة على المدى القصير لتسـوية عجز الموازنة التي واجهتها الأجيال الحاضرة. وقد لجأت حكومات إلى هذا الحل عن طريق الاستدانة من الجمهور لتخفيف عجز الموازنة، وعلى ذلك فمهما كان مصدر المديونية التي تلجأ إليها الحكومة لتسوية عجز الموازنة، فإنّ تسديد هذه المديونية في المستقبل يقع على عاتق الأجيال القادمة من خلال ما تقدمه تلك الأجيال من ضرائب تتمكن الحكومة من تحصيلها لمعالجة الديون السابقة وتدبر الإنفاق العام دون عجـز، بـل تـوفير فائض يتمكن من تسديد العجوز السابقة، أي أن الضرائب هي المصدر الطبيعي الصحي والوحيد لتمكين الدولة من النهوض بأعباء الإنفاق العام المتزايد. وهذا ما يجعل مسألة الإصلاح الضريبي الهادف إلى تسوية العجز في الموازنة العامة للدولة مسألة معقدة طويلة الأجل وهي اقتصادية واجتماعية وسياسية في أن معاً. ومع أن معالجة عجز الموازنة من أهم أهداف الإصلاح الضريبي، فإن مشكلات أخرى يتطلع صانعو السياسة الضريبية إلى حلها من خلال الإصلاح الضريبي المنشود، إذ إنه من المعلوم أن العالم المعاصر يعاني من أزمة اقتصادية مزمنة استمرت منذ عدة عقود وقد كادت أن تنفجر عام 2008.

----

الكتاب: محركات الإصلاح الضريبي

الكاتب: البروفيسور حسين القاضي

الناشر: أمل الجديدة طباعة ونشر وتوزيع، 2020