"المهاهاة" هي من فنون الأدب الشعبي، الذي تميزت به النساء وريثات هذا الفن ومبدعاته، وحافظات نصوصه ومردداته في المناسبات المتجددة أفراحاً وأتراحاً، ولدت أصوله في ساحات الوغى.

بدأ الكاتب محمود مفلح البكر كتابه "أرجوزة المرأة في بلاد الشام" بتعريف المهاهاة، بأنها رجز نسائي شعبي، حماسي، موزون، مقفى، من أربع شطرات غالباً، ويبدأ بلفظة "أيها" أو ما شابه، وتقوله النساء ارتجالاً، من دون مصاحبة الموسيقا، ومجاله الأساسي مناسبات الأفراح غالباً، والمواقف الحماسية عامة، وفي مقدمتها القتال واستنهاض الرجال وتشييع الشهداء والأبطال والشباب والأحبة من نساء ورجال وربما ندبهم. هي فن نسائي شائع في مدن الشام وقراها. أما في المجتمعات البدوية فلم يكن للمهاهاة حضور بين نسائها، فالبدويات يستغنين عن المهاهاة بالزغاريد التي يرددنها رنانة في الأجواء.

الكيفية

وضح الكاتب كيفية المهاهاة، فالمرأة تقولها وهي واقفة غالباً، أو ماشية مقبلة على بيت العروس أو أثناء زفاف العرسان، جنازات الشهداء، وأحياناً وهن قاعدات أثناء حنة العروس، أو حمامها أو صمدتها، وقد تهاهي منكوبة تندب عزيزاً فقدته، وتقال بصوت مرتفع، وأسلوب حماسي متدفق، مع ترك فاصل زمني قصير بين البيت السابق والبيت اللاحق، لترتاح المهاهية وتلفظ أنفاسها، كي يستوعب السامع ما قيل، ولإيصال الصوت إلى أبعد مدى. وتضع المهاهية كفها اليمنى أو اليسرى مقوساً قليلاً حول فمها، وتبدأ اللفظة التنبيهية "إيها" أو ما شابه. وعند سماع هذه اللفظة تتوقف غالبية النساء المتجمعات عن الكلام وينصتن لما يقال، ولا تكاد المهاهية تنهي البيت الأخير، حتى تتسارع مجموعة النساء حولها بوضع أكفهن مقوسة حول أفواههن، رافعات أصواتهن بالملالاة "ل ل ل ليش". وفي بعض الحالات تصطف بضع نساء وراء المهاهية أو إلى جانبها كالكورس لتلالي وراء المهاهية. وبعد المهاهاة الأولى تبدأ المرأة نفسها بمهاهاة جديدة، بالطريقة ذاتها، أو تتسارع امرأة ثانية بالمهاهاة، وكثيراً ما تتناوب على المهاهاة امرأتان أو ثلاث.

مثال على المهاهاة:

إيها... يسعد صباحك يا وردة جورية.

إيها... يا ورد ع أمو يا خلقة إلهية.

إيها... لو قدموا لي بدالك من الألف للمية.

إيها... ما بهوى بدالك ولا إلي بحدا نية.

تقال المهاهاة لأكثر من غاية، فهي تنبه القائلة السامعين كي يستعدوا لاستقبال قولها الذي لا يستغرق أحياناً أكثر من دقيقة، وهي لفظة حماسية تشيع بين السامعين مناخ الحماسة، وهو هدف أساسي للمهاهاة، تتنوع لفظة "إيها" تنويعات كثيرة في بلاد الشام، ويرجع هذا لتنوع اللهجات والبيئات والمؤثرات الاجتماعية والثقافية المختلفة، وأبرزها:

إيها بكسر الهمزة، أيها بفتح الهمزة، أويها وأصلها ويها بحرف الواو مباشرة دون تنبيه السامعين لقولها. ولذلك تميل النساء لإضافة الهمزة مفتوحة، ويها: ربما كانت الواو في ويها منقلبة إلى همزة في إيها، وهما لفظتان شائعتان في بلاد الشام. آويها : لفظة شائعة جداً في بلاد الشام، آييها، آيها، آيي يا، أوها بسكون الواو وهي شائعة جداً في دمشق، آوها، أويه، أهي، هيه، هي، هاها، ها، هاو، آه، آ، إي.

الفرق بين المهاهاة والأغنية

ذكر الكاتب عدة فروق بين المهاهاة والأغنية، فالفرق الأول: أن الأغاني تردد في أي وقت يجد الانسان فيه رغبة في الغناء والترنم ببعض الأغنيات التي يحفظها، أما المهاهاة فلا تقال إلا في مناسبات معينة، وفي أوقات محددة من أي مناسبة كالأعراس مثلاً. أما الفرق الثاني: يترنم أحد ما بأغنية، خاصة إذا كان وحيداً، فلا هدف له غير الترنيم، رغبة في تسلية نفسه ومدها ببعض السعادة، ولا يقصد بها توجيه رسالة ما إلى أي إنسان. أما المهاهاة فلا تقال إلا بهدف معين، لتوجيه رساالة إلى إنسان ما أو جماعة معينة، وبالتالي لا تقال إلا بحضور جمع من الناس. أما الفرق الثالث: يمكن الترنم بالأغنية بصوت مرتفع طرباً، أو بصوت مهموس. أما المهاهاة فلا تقال إلا بصوت مرتفع وطريقة أشبه بالمناداة ليسمعها كل من حضر. الفرق الرابع: يمكن للمغني سواء بحضرة جماعة، أو في مناسبة بمفرده وحيداً، ويمكن له التلاعب بطريقة الغناء على هواه مداً، قصراً، رفعاً، وخفضاً. أما المهاهاة فتقال بطريقة واحدة وبوتيرة واحدة من ارتفاع الصوت. الفرق الخامس: المهاهاة تبدأ بلفظة "إيها" وما يماثلها من ألفاظ افتتاحية وبوتيرة ثابتة من ارتفاع الصوت. أما الأغاني فليس فيها مثل هذه اللفظة الافتتاحية الثابتة.

المهاهاة والملالاة

الملالاة: هي أصوات مزغردة على الطريقة المدنية، تطلقها النساء الحاضرات بعد قول إحداهن المهاهاة، فهي ليست من بنية المهاهاة لكنها تابعة لها، فلا تأتي قبلها أبداً ولا منفصلة عن نهايتها بفاصل زمني، فهي خاتمة لها وتأييد الحاضرات الملاليات للمهاهاة، وسميت الملالاة لتكرار لفظ "ل ل ل لي".

المهاهاة، هي اللون الشعري الوحيد الذي لا يغيب عن مناسبة من المناسبات الاجتماعية والوطنية في مدن الشام وريفها. تعددت مواضيع المهاهاة من التهنئة بالمناسبة على اختلافها، الدعاء بالأمنيات، الانتقام، أدعية الحِماية، مدح السمراء أو البيضاء وهجاء الأخرى، مدح العريس، أصالته، جماله، هيبته، رجولته، ووصف جمال العروس، منها:

أويها... يا عروستنا ما شاء الله.

أويها... ومثلك ما خلق الله.

أويها... والورد بفتح بالسنة مرة.

أويها... وورد خدودك دوم محمّرة.

----

الكتاب: أرجوزة المرأة في بلاد الشام"المهاهاة"

الكاتب: محمود مفلح البكر

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2014