خطوات عديدة لتنقية المياه داخل محطات التنقية من خلال الغربلة وتجميع المياه من الأنهار أو البحيرات أو المياه الجوفية وتمريرها من خلال شبكات تساعدها على التخلص من الملوثات الطبيعية الكبيرة. ثم يأتي دور التخثر حيث تتم فيها إضافة مواعد كيميائية إلى الماء التي تساعد على تشكل جسيمات لزجة صغيرة تجذب الأوساخ إلى قاع أحواض المياه، وبعدها التصفية حيث يمر الماء عبر طبقات من الحصى والرمل، ويليه التطهير لتخليص المياه من الكائنات الحية أو البكتيريا المتبقية، وكل ذلك للوصول إلى استهلاك آمن للمياه وبتكلفة معقولة وبكميات عادلة.

يشهد العالم اليوم تطورات مختلفة لمحطات معالجة مياه الشرب القائمة على أتمتة عمليات المعالجة نظراً للعلاقات المعقدة بين مدخلات ومخرجات العملية التي لا يمكن تحديدها بسهولة، ويُستخدم في ذلك مجموعة من طرائق النمذجة الخطية وغير الخطية، وفي مقدمتها نظم الذكاء الصنعي كالشبكات العصبونية الصنعية التي أثبتت قدرتها على نمذجة العمليات الديناميكية المعقدة لعمليات تنقية المياه، كذلك أعطت دقة وموثوقية وقلة في الزمن وفي كلفة القياس التقليدية. هذا ما تحدث عنه الدكتور المهندس عزيز عادل عسيكرية من خلال بحثه الجديد حول تأمين استقرار عمل محطة تنقية مياه شرب اللاذقية باستخدام الشبكات العصبونية الصنعية بإشراف كل من الدكتور رائد جعفر والدكتور هيثم جناد والدكتور عادل عوض ضمن محور التكنولوجيا البيئية وتحدياتها في مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين لعام 2022.

ونظراً لما يشكله نبع السن كأهم مصادر المياه العذبة في الساحل السوري لتأمين مياه الشرب والاستخدام المنزلي، يتم اتخاذ إجراءات عديدة لحمايته من النقص المستقبلي، ويتم استخدام نظام التقييم والتخطيط أنموذج رياضي يحاكي الواقع الحالي لاستثمار النبع، إذ تشير البيانات الواردة من محطة تنقية مياه الشرب اللاذقية في السن إلى عدم استقرار عملها وارتفاع كلفة تشغيلها. ومن هنا يهدف البحث من التحقق من إمكانية استخدام الشبكات العصبونية الصنعية لتأمين هذا الاستقرار وتقليل تكاليف التشغيل عبر بناء نماذج تنبؤية بعكارة مياه الشرب المرشحة والتي اختيرت للاستدلال لكون وحدات التنقية الأساسية في المحطة هي المرشحات.

الشبكات العصبونية

حساب قيم العكارة

د. عزيز عادل عسيكرية

يبين الباحث أن منظومة تزويد اللاذقية بمياه الشرب التي تقع على بحيرة سد السن تتألف من محطتي تنقية قديمة وجديدة. تقوم المحطتان بالعمل بطريقة الترشيح السريع من دون قياس الفرق الأساسي بينهما، حيث تكمن طريقة الغسيل الأولى القديمة بالماء والهواء، والثانية بالماء وأبعاد المرشح وطريقة دخول المياه إلى كل حوض ترشيح. وتتألف قاعدة البيانات من مجموعة من الباروميترات للمياه الخام والتي تمثل العكارة والناقلية ودرجة bh وأخذت القياسات عبر ثلاث سنوات، وهي فترة كافية لمراقبة التغيرات الحاصلة في الباروميترات. ولوحظ خلال هذه الفترة أن قيم العكارة تجاوزت الحدود المسموح بحسب المواصفة القياسية السورية لمياه الشرب.

وأشار إلى أن طريقة عمل الشبكات العصبونية الصنعية التي يتحدث عنها البحث لتنقية المياه وترشيحه، تحاكي في عملها الشبكات العصبية الحيوية؛ حيث تنتقل السيالة العصبية من الصعبونات باتجاه الجسم العصبون ومنه يعالج إشارة الدخل ويحولها إلى إشارة خرج وتنتقل وصولاً إلى مراكز اتخاذ القرار. بالطريقة نفسها يعمل العصبون الصنعي حيث يستقبل إشارة الدخل ويقوم بمعالجتها بواسطة تابع تنشيط، ويحولها إلى إشارة خرج تنتقل وصولاً إلى نهاية الشبكة. ويتم تدريب الشبكة على أزواج من البيانات الحقيقية (المدخلات والخرج الصحيح) وتستخدم الشبكات لقياس الفرق بين خرجها والقيمة الحقيقية لتعديل أوزان الشبكة.

شبكات ديناميكية

استخدم في هذا البحث أنموذجان من شبكات عصبونية ديناميكية، وبحسب المهندس عسيكرية تتميز بأنها تحمل تأخر زمني للبيانات، وبالتالي يمكن استخدام القيم السابقة للباروميترات والاستفادة منها للتنبؤ بقيم الباروميتر المنمذج. وهي الشبكات العصبونية ذات التأخر الزمني المركز لطبقات الداخل فقط. وشبكات الانحدار الذاتي غير الخطي مع مدخلات خارجية التي تحوي على تأخر زمني، بالإضافة إلى طبقة الخرج، وبالتالي إذا استخدم الخرج الصحيح تسمى العملية بمعمارية السلاسل المتوازية، وإذا استخدم الخرج التنبؤي سيمت بالمعمارية المتوازية.

وقد أوضحت البيانات المتعلقة بتقييم كفاءة عمل محطة التنقية عدم استقرارها، حيث إن كفاءة الترشيح لم تتجاوز 80% إلا في سبعة أيام من أصل من 1170 يوماً، والنمذجة كانت عبارة عن سلاسل زمنية مستمرة خلال ثلاث سنوات ومعدل كفاءة الترشيح اليومية بلغت 28% والانحراف المعياري 29% ما يدل على عدم استقرار المحطة، وقد اتضح ذلك من خلال المخططات التي أظهرت وجود تذبذب في كفاءة الترشيح. ويعود ذلك وفقاً للباحث لاستخدام عملية الترشيح بشكل سريع من دون استخدام المخثرات ولدخول المياه من طرف الحوض للمرشحات في المحطة الجديدة، ما يؤدي إلى عدم انتظام المياه على كافة حوض الترشيح. الأمر الذي أدى إلى خروج قسم كبير من المرشح من العمل. وأيضاً عدم وجود آلية واضحة لمراقبة عملية غسيل الترشيحات التي تستمر أحياناً في دورتها لأكثر من أسبوع. ولفت إلى أن البحث تضمن تحديد الباروميترات المثلى ضمن أنموذجين مصممين على ثلاثة مراحل في الأولى تم تحديد المجال الأمثل لعدد عصبونات الطبقة الخفية، وفي الثانية تم تحديد العدد الأمثل والتأخير الزمني الأمثل، وفي الثالثة حددت نسبة تقسيم البيانات المثلى.

التقييم الآلي

وفي حديثه حول نتائج البحث بين المهندس عسيكرية أن عدد العصبونات في الطبقة الخفية في شبكة ftdnn بلغت 24 عصبوناً، بينما لشبكات الناركس 20 عصبوناً فقط. وكان التأخر الزمني للأنموذجين 7 أيام ونسبة التقسيم المثلى 15% وتمت ملاحظة أن أداء شبكات الناركس كانت أفضل من أداء شبكات ftdnn. وأن قيمة التأخر الزمني التي تم الحصول عليها باستخدام الشبكات الصعبونية تتوافق مع دورات الترشيح في المحطة الفعلية والتي تبلغ حوالي 7 أيام. وبحسب بيانات التدريب يتحسن أداء الشبكة. وعليه فإن الانخفاض في كفاءة الترشيح في محطة تنقية مياه اللاذقية هو وجود علاقة غير خطية تم البرهان عيها من خلال دقة نماذج الشبكات العصبونية المصممة، حيث لوحظ تحسن أداء الشبكة العصبونية بزيادة البيانات التي تتدرب عليها وقدرة الشبكات على محاكاة السلوك غير الخطي للعكارة. وأوصى الباحث من خلال النتائج التي توصل إليها إلى تطبيق نظام الشبكات العصبونية للتقييم الآلي لأداء المحطة ويمكن أن تساعد هذه النماذج على عمل استقرار بداخل المحطة كما يوصى بتصحيح دخول المياه إلى المرشحات في محطة التنقية وتحديد دورة الترشيح بشكل عملي وليس بشكل اعتباطي وتحديث قاعدة البيانات ودراسة تأثير باروميترات أخرى لاستخدامها كمدخلات إضافية والتي تحسن من منطقة النماذج المصممة.