تميزت الحياة الاجتماعية في مدينة دمشق خلال العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين بسمات وعلاقات وأفكار وممارسات انطبعت بها حياة الناس، وتمثل ذلك في سلوكهم من تواد وتعاضد. وهذا الكتاب تجسيد لما كان عليه المجتمع الدمشقي من تحاب وتآزر وتعاطف في أطر من العادات والتقاليد، التي تؤصل لمثل تواضع عليها الناس في حياتهم وتعاملهم.

جاء كتاب "في العرس الشامي" في ثلاثة أبواب بأربعة وأربعين موضوعاً، حيث تناول الباب الأول حال الناس في حي شعبي دمشقي، في تحابهم وتعاضدهم ووقوفهم في وجه الأرزاء التي تنتاب أحداً منهم، وكان الناس لا يتوانون عن مد يد العون للآخر، ويقفون في وجه من تعدّى على حقوق الآخر، ومن يخرج عن ما تواضع عليه وجدانهم الجمعي من مثل وأعراف تحكم سلوكهم وتعايشهم في أمن وسلام وراحة بال، حتّى لا يأكل الناس بعضهم ولا يخلي الابن بأبيه والأخ بأخيه.

وكان الباب الثاني لموضوع تقاليد الخطبة من حيث أسلوبهنّ في البحث عن الفتاة المطلوبة، من ناحية الجمال، إذا توافر لدى الفتاة المنبت الصالح ولأسرتها السمعة الحسنة على مبدأ الأصل والجدود قبل حمرة الخدود، وما يقابل ذلك من أهل الفتاة المراد خطبتها من ناحية معرفة وضع الشاب المقبل على الزواج، من سائر النواحي المعاشية والسلوكيّة، فضلاً عن وضعه الاجتماعي والماديّ دون أشفاف أوتقصير.

وتطرق هذا الباب إلى التعرف على دور الداية (القابلة) في أمور الخطبة مقابل ظاهرة الخاطبات من النساء اللواتي يروّجن لهذه الفتاة أو تلك لقاء سمسرة (أجر) وبلا وازع مقبول.

ومن الأمور التي تطرق لها هذا الباب هي الجاهة وما لها من دور حاسم في الأمور، وكذلك الإذن نامة وما لها من ضوابط لازمة، وشروط يتوجب الأخذ بها من الشاب والفتاة المزمع عقد قرانهما، سواء من ناحية الرضاع أو تعدد الزوجات، مع الأخذ بعين الاعتبار حق ابن العم بابنة عمه.

وتناول الباب الثالث من الكتاب، خصائص اتسم بها أهل دمشق من التحابب والتعاضد، فعندما يقدم الشاب على الزواج يكون الأهل والصحب والجوار إلى جانبه يشاركونه الفرحة، ويسهمون بأعباء متطلبات العرس، بدءاً من حفل لبس العريس (التلبيسة) وما يتطلب ذلك من الضيافة كالقهوة المرة (السادة) والملبّس والشرابات والمحلاية أو كشك الفقراء (الأمراء) إذا كان الجو بارداً أو الإيمع في فصل الصيف، ومن أهم متطلبات العرس الشامي (سبت الملبس) شأنه شأن التورتة في هذه الأيام، ويملأ السبت بالسكاكر والنوكا، وطبقة من الشوكولا.

ثم انتقل إلى موضوع عقد القران، الذي كان يعقد في المحكمة الشرعية أو في منزل أهل العروس بحضور ممثل عن المحكمة الشرعية ووكيل العروس وبمقابله العريس ووالده من باب الاحترام، ويطبق كل منهما على يد الآخر، ويوضع فوق اليدين المنديل الأبيض، وبعد موافقة العروس على العقد وتوكيلها ولي أمرها، يشرع بعقد القران.

ثم تعرض الكاتب لجهاز العروس، وما قد يرافق من إشكالات بين البائع والمشتري، ومن ثم نقل الجهاز إلى بيت الزوجية، وما يتبع ذلك من الليالي الملاح التي تسبق ليلة الدخلة، ومن ذلك: ليلة النقاش وليلة حناء العروس وحمّام العرس وحفل التلبيسة، ونقل المداعي إلى حفل العرس، وما يرافق ذلك كله من زغاريد وأغاني كانت رائجة في تلك الأيام، وعراضة العرس التي تميزت عن العراضات الشامية في المناسبات الأخرى كالحج وعيد المولد النبوي والختان وعراضات المناسبات الوطنية في مواجهة المستعمر وتوحيد الصفوف إزاء كل غاصب أو دخيل.

----

الكتاب: في العرس الشامي

الكاتب: منير كيال

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2012