يسأل الفيلسوف الفرنسي باسكال ويجيب: "ما هو الإنسان في الطبيعة؟ هو لا شيء فيما يتعلق باللانهائية، وهو الكلية فيما يتعلق بالعدم، وهو وسيط بين لا شيء وكل شيء". وفي هذا الكتاب، أسئلة كثيرة حول الكون والانفجار الكبير.

يذهب المؤرخ والكاتب ديفيد كريستيان إلى طموح كبير في كتابه "التاريخ الكبير – الانفجار الكبير، الحياة على الأرض وصعود الإنسانية" لوضع قصة متكاملة عن التاريخ الكلي للكون والوجود والتشكيلات الأولى وظهور الإنسان والمجتمعات البشرية"، لينسج قصة واحدة تمتد من أصول الكون حتى يومنا هذا وما بعده "باستخدام حكايات الماضي التي جرى تطويرها في المجالات العلمية التي تدرس على نحو منفصل تماماً".

ويشير المؤلف إلى أن إروين شرودنغر، أحد رواد فيزياء الكم، يرى أنه من الضروري للعلماء "تجاوز حدود المجالات، إذا ما أردنا المضي قدماً نحو فهم متكامل وراسخ للواقع، على نحو أكبر، بغض النظر عن المخاطر التي قد ينطوي عليها هذا الأمر". ويضيف "هذه هي الروح التي تحليت بها حين تناولي هذه الدورة التعليمية".

الكتاب في بنيته العامة عبارة عن دورة، أو دورات تعليمية، تضمنت سلسلة من المحاضرات في المجالات العلمية المختلفة التي تم فعلياً الاستناد إليها في بناء مفهوم ومحتوى هذا "التاريخ الكبير"؛ حيث تم توزيع مواده على ثمان عتبات تحتوي كل منها عدداً من المحاضرات كسلسلة أمسكت كل حلقة منها بالأخرى لتشكيل الرؤية العامة التي تقف وراء هذا العمل الكبير في محتواه ومضمونه، وفي قراءة تاريخ الكون ومنجزات العلم في فروعه المتعددة لوضع نظرية عامة بغية إدراك عملية تخليق الكون زمانياً ومكانياً.

في العتبة الأولى، يقارب الكتاب الإجابة عن السؤال الأساس حول خلق الكون. وإذا كان من الصعب علمياً الخوض فيما قبل عملية الخلق نفسها، فإن المقاربة تأخذ شكلاً مختلفاً. ونحن نعرف اليوم أن عمر الكون قرابة الـ 7،13 مليار من السنين مضت على الانفجار الكبير.

تتضمن العتبة الثانية وصفاً للطريقة التي خلق فيها الكون أول الأشياء المعقدة، ودور الجاذبية، باعتبارها قوة، في إعادة ترتيب الأشياء بطريقة مثيرة للاهتمام، وقد وصف نيوتن الجاذبية بأنها "طاقة جذب كونية تعمل بين جميع أشكال المادة".

وفي العتبة الثالثة يقول إن تشكل معظم العناصر الكيميائية، التي أنشئنا منها، قد حدث في النجوم المحتضرة. لذا فقد وضعت النجوم الأسس لمستوى تعقيد كيميائي جديد، وأن موت النجم يبدأ عندما ينفد الهيدروجين، وهذه العملية قد تستمر لمليارات السنين.

الأرض والنظام الشمسي، يأخذان مكانهما في العتبة الرابعة، وقد بدأ تشكل شمسنا بسبب انهيار سحابة من المادة "سديم شمسي". ثم تشكلت الكواكب لأن هذه السحابة، على وجه الخصوص، كانت غنية كيميائياً، ومن تم انتشار الكواكب والأجسام الأخرى لنظامنا الشمسي من السديم الذي لم يدمج في الشمس.

وفي العصر الأقدم، الذي عرف باسم الدهر الجهنمي أو الجحيمي، لم تكن الأرض مكاناً يصلح للعيش، وقد استمر ذلك لمليارات من السنين. بعد ذلك وأثناء تشكل الأرض الفتية، من خلال التراكم، سخنت وذابت، فيما بدا القمر وقد اقتلع من الطبقات العليا للأرض بسبب اصطدام عنيف مع جسم بحجم كوكب المريخ بعد التمايز مباشرة، ثم بدأت الأرض تبرد لينهمر بخار الماء وتتشكل البحار.

في عتبة الحياة، وهي الخامسة، تمضي مسارات الأسئلة إلى المقارنة بين الكائنات الحية وغير الحية، حيث يتميز الحي منها بثلاث خصائص "التمثيل الغذائي والتكاثر والتكيف" لكن "قائمة السمات هذه لا تعرف الخط الفاصل بين الحياة واللاحياة تماماً" والفيروسات أنموذجاً؟! ومن ثم كان التعريج على التغير الذي طرأ على الكائنات الحية، ليكون ذلك بمثابة مدخل لا بد منه للتوقف عند داروين والانتقاء الطبيعي.. مع الإشارة دائماً إلى أن "شرح كيف تم خلق أول الكائنات هو تحد صعب"، ليمضي في الحديث عن نشوء الحياة والكائنات على كوكبنا هذا.

ما معنى أن تكون إنساناً؟ ما الذي يجعلنا مختلفين جداً إلى درجة أن تطورنا يعد نقطة تحول أساسية في تاريخ كوكبنا؟!

ثمة إجابة موسعة في العتبة السادسة التي تعقد مقارنة طريفة "إذا كانت قردة الشمبانزي تعمل في الغالب مثل أجهزة الكمبيوتر المستقلة، فإن الإنسان الحديث يعمل مثل أجهزة الكومبيوتر المتصلة بشبكة الإنترنت".

مفترق حضاري وأكثر تعقيداً بدأ مع ظهور الزراعة؛ حيث دخل تاريخ البشرية في اتجاهات جديدة تماماً في طريق زيادة التحكم البشري في الغذاء والطاقة والموارد الأخرى وفق العتبة السابعة. وقد ساهم ذلك في توليد مجتمعات بشرية أكثر كثافة حيث ظهرت مدن ودول وحضارات بأكملها، وأطلت سومر كأولى الحضارات الزراعية، ثم تتالى انتشار هذه الحضارات في أمكنة متعددة.

وتأتي "الثورة الحديثة" خاتمة لهذه العتبات، لتأخذ وتيرة التسارع والتغيير منحى أوسع وأكبر كما بدا في القرن السادس عشر. فعلى سبيل المثال فقد ارتفع عدد سكان العالم من 250 مليوناً في نهاية الألفية الأولى الميلادية ليصل إلى سبعمائة مليون عام 1700، ويتجاوز المليارات الستة عام 2000. كما ارتفعت على نحو متسارع وتيرة الإنتاجية وهي تشكل حلقة جديدة في التعقيد، وصولاً إلى الثورة الصناعية والعالم الذي صنعته الثورة الحديثة.

يضم الكتاب ملحقاً يتضمن جدولاً زمنياً لخلق الكون وتطوره وتاريخ المجتمعات البشرية، ومعجماً بالمصطلحات يضيف المزيد من المعلومات على الغنى المعرفي الذي تضمنه الكتاب في موضوعه ثقافي الطابع.

----

الكتاب: التاريخ الكبير – الانفجار الكبير، الحياة على الأرض وصعود الإنسانية

الكاتب: ديفيد كريستيان

ترجمة: رنيم محمود يوسف

وزارة الثقافة – الهيئة السورية العامة للكتاب 2022